الشيخ محمود حشاد
طبعاً أخي الكريم الانتصارات المادية في الاسلام أعظمها إنتصار هو غزوة بدر الكبرى لما لها من شأن عظيم في الاسلام وفي نفسية الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم جميعا وأيضا في الدين الاسلامي عموماً..
إلي ام تقوم الساعة..
وحديثا طبعا هو إنتصار العاشر من رمضان المبارك. الموافق ٦ أكتوبر ١٩٧٣. إنتصار الكرامة والعبور العظيم .وكل عام وانتم ومصرنا الغاليه في بخير وصحه نصر وتقدم وسخاء ورخاء وطمأنينة يارب العالمين…. وهذا لنا وقفة معاه ان شاءالله تعالي.
…
ولكن هناك انتصارات تماثلها في العظمة وهي انتصارات الإنسان علي نفسة. كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.في الحديث الشريف عندما رجع منتصرا من غزوة تابوك… رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر. قالوا وما الجهاد الأكبر .
يارسول الله. قال جهاد النفس.
رواه البخاري
إذن النفس مقامها عظيم. ومن عظمتها أنها تجاهد نفسها. لأنها لو فسدت فسد كل من علي الارض..وهي سبب اول حادثة قتل علي وجه الارض كما قال تعالي. .’فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٣٠)’ [سورة المائدة]
إذن النفس أشد علي نفسها من الشيطان إذ لم تتبع رضوان الله تعالي.
والنفس التي تسن القتل هي نفس فاجرة. كما قال تعالي ‘وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧)”فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)”قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩)’ ‘وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)’ [سورة الشمس].
فالإنسان النبيل والسوى هو من يحجم نفسه ويروضها علي طاعة الله وفعل الخيرات ولا يلقي باللوم على الزمان والمجتمع ووووووالخ. . لأن الله تعالى يقول. بل الإنسان علي نفسة بصيرة ولو ألقي معازيرة.
.وربنا سبحانه وتعالى. شرع الصوم لعلة أن تتقي النفس ربها فقال تعالي. ‘يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)’ [سورة البقرة] .
والتقوى بالعربي هي عمل كل خير ابتغاء رضوان الله تعالى و الابتعاد عن كل شر مخافة الله تعالى ..
فيقول سُفْيان الثوري
: “ما عَالَجْتُ شيئًا أشد عليَّ من نفسي”، فالصّائم بمجاهدته نفسه بتركه ما لَذَّ وطاب من أنواع الطعام والكف عن شهوته، ينتصر على نفسه كما جاء في الحديث الذي يرويه البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: “حُفَّت الجنّة بالمكاره، وحُفَّت النَّار بالشَّهوات”،
لذا اشتمل رمضان على كلِّ أسباب الانتصار على النفس، انتصار على الرياء ومراقبة الخلق لها بتصفية العمل للخالق، فرمضان شهر الإخلاص بلا منازع، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه،
وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، فامتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، استجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص،.
و عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي))؛ (رواه البخاري)..
وأيضا من تحفيز ربنا لأنفسنا أن غفران الذنوب والمعاصي مع العمل الخالص في الصيام
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه))، ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))، ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ (رواه البخاري ومسلم).
الانتصار على النفس هو الأساس الذي تنبني عليه كلُّ الانتصارات الأخرى، فإن تربى العبد على الاستحضار الدائم لعامل المراقبة هذا، وذلك بعدم جعل الله أهون الناظرين إليه، وتجنُّب ما لا يرضيه من فعل أو قولٍ أو خلقٍ، أو سلوك سرًّا أو علانية،
فيكن بذلك قد تجاوز عتبة الانتصار الأول والمهم في مدرسة الصيام ليصحبه صحبة دائمة لازمة طيلة العام.
علامات الانتصار على النفس..
( ١) الغضب؛
في رمضان خاصه من مظاهر إنتصار النفس علي نفسها..
كما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: “فإن سابه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم”؛ أي يقولها بلسان مقاله، ويقولها بلسان حاله بأن يتخلَّق بخُلق الصائم.
ومن علامات
(٢ ) الانتصار على النفس:
عدم الطمع في البيع والشراء، وكما جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الله عزَّ وجلَّ يُحبُّ الرجل سمحَ البيع وسمح الشراء، وسمح القضاء”، فعلى التجار أن يتَّقوا الله في هذا الشهر الفضيل بعدم رفع الأسعار، بل عليهم أن يرفعوا لواء طاعتهم بالرَّحمة والسَّماحة في البيع والشراء. ابتغاء مرضاة الله.. وفي الحديث الشريف.. ” مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ . رواه البخاري ومسلم
فإن لم يفعلوا فلم ينتصروا ولم يفلحوا في مجاهدة أنفسهم الفاجرة. كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. التجار هم الفجار يوم القيامة. رواه الترمذي
( ٣ ) الانتصار على سوء الخلق،
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. إِنِّي صَائِمٌ”؛ رواه البخاري ومسلم..
( ٤ ) الانتصار على الشح والبخل والأثرة،
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ”؛ رواه الشيخان
فالإنسان السوى هو من يزكى ويطهر نفسة ويبعدها عن الشح ويدربها علي الإنفاق كي ينجح في ذالك ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16].
( ٥ ) الشهوات،
فالصَّوْم عبَادَة تكف النَّفس عَن شهواتها، وتُخرجها عَن التشبه بالبَهَائِم إِلَى التشبيه بالمَلَائِكَة المقربين، فَإِن النَّفس إِذا فجرت شهواتها التحقت بعالم الْبَهَائِم، فَإِذا كفت شهواتها لله، ضيقت مجاري الشَّيْطَان، وَصَارَت قريبَة من الله بترك عَادَتهَا وشهواتها محبَّة لَهُ وإيثارًا لمرضاته وتقربًا إِلَيْهِ، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء .رواه مسلم
وفي الحديث القدسي :
“يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي .رواه البخاري ومسلم فالصوم من أعظم العبادات التي تعين المسلم على الانتصار على شهواته، والانتصار على الشياطين بالتصفيد وتضييق مجاريهم بالصيام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أن الشيطان يجري من ابن آدم مجري آلدم رواه الترمذي وقال صلي الله عليه وسلم اذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ”؛ رواه مسلم.
( ٦ ) والانتصار على اللسان وآفاته،
عندما نسمع أو نقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. رواه البخاري.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث.ابن حبان وابن خزيمة
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُهُ، ولا يستقيمُ قلبُهُ حتى يستقيمَ لسانُـهُ .رواه أحمد . وقال احد الصالحين . إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك . وكونوا الشامة بين الناس….
ولا نقول الا كما قال صلى الله عليه وسلم.
..اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا “. رواه مسلم.
وحفظكم الله واسركم الكريمه وايانا ومصرنا الغالية يارب العالمين من كل سوء وشر يارب العالمين.
كتبه لكم محمود عبد السميع حشاد