غير مصنف

نص “السم الخفي “ للفراشة الحالمة الأديبة نجوي سلام.

كتب حنان محمد 

 

السم الخفي
كما ترقص الأوراق على أنغام النسيم العليل ترقص الأرواح على أنغام التقدير والاحترام ، يزهر الود ، وتتفتح بتلاته على شفاه العابرين بكلمة طيبة ، بنظرة حانية ، بلمسة دافئة ، فلا يوجد شئ أكثر قيمة من أن يشعر الفرد منا بأنه مُقدّر ، وبأن جهوده مُثمنة ، وأن وجوده مُحتفى به .

ففي رقصة الحياة الدائرية، حيث تتمايل الأرواح على ألحان الوجود، يكمن السم الخفي في زوايا الإهمال والنسيان ، إنه غياب التقدير، ذلك الغول الذي يتربص في الظلال، ينتظر لحظة الضعف لينقض على الود والاحترام.

كما تتراقص الأوراق الخضراء بخفة ورشاقة على نغمات النسيم العليل، ينبغي أن تتراقص القلوب على ألحان التقدير والثناء. فالتقدير هو الماء العذب الذي يروي ظمأ النفوس، والنور الذي يبدد ظلمة الوحدة، والدفء الذي يحتضن الأرواح في ليالي الشتاء القارس.

ينبت الود في حقول الإنسانية، يزهر بألوان الأمل والمحبة، ينثر عبيره في أرجاء الوجود. ولكن، حين يغيب التقدير، يصبح الود كزهرة الصبار في صحراء قاحلة، تنتظر قطرة ماء تحييها من جديد.

في زحمة الحياة وضجيجها، نتجاهل أحيانًا قيمة الكلمة الطيبة، تلك الكلمة التي تحمل في طياتها القوة لتغيير مجرى يوم، أو حتى حياة. ننسى أن الإنسان، بطبعه الباحث عن الاعتراف، يحتاج إلى الشعور بأنه مهم، بأنه ذو قيمة، بأنه محور في دائرة الحياة.

عدم التقدير هذا السم الخفي يتسلل بصمت إلى شرايين العلاقات، يسمم الأجواء ويذيب الروابط. كقطعة سكر تذوب في فنجان القهوة، تتلاشى العلاقات تحت وطأة الإهمال، وتمحى آثار الأقدام على رمال الوقت.

ليس بالضرورة أن يكون التقدير ماديًا، فالكلمات الصادقة والمشاعر النبيلة تحمل في طياتها ثروات لا تُقدر بثمن. ولكن، حين يغيب التقدير، يصبح الإنسان كورقة خريف تائهة،

تحملها الرياح في فضاء النسيان، وتتركها الأقدار على قارعة الطريق ، فالإنسان بطبعه يحتاج إلي الشعور بأهميته وقيمته في عيون الآخرين .

فلنتأمل في قوة التقدير وأثره العميق في نفوس البشر. لنجعل من كلماتنا جسورًا للود والاحترام، ولنزرع في قلوبنا بذور التقدير لتنمو وتزهر في حدائق الأرواح.

فكم من مواهب ذابت وأحلام تلاشت بسبب نظرة تقليل أو كلمة جارحة. فلنكن النسيم الذي يحمل الأوراق إلى أعالي السماء، لا العاصفة التي تقتلع الجذور من أعماق الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى