قصـــة قصـــيرة”ثمنٌ بخس”… جلس الشاب الأنيق الذي اتسق ثيابه وهندامه ، وحَسُن مظهره ، وبَرَق شَعرُه ، ولَمَع حذاؤه ، وطابت رائحة العطر الذي يفوح منه ، جلس علي المقهى يحتَسي الشاي ويدخِّن النَّارجيلة وقد أسند ظهره إلي الكرسيّ يتأمل ويرقُب دراجته التي أوْقَفها علي حَيْدِ الطريق ، دراجة جميلة مُزَركشَة مُنمَّقة أنيقة تكاد من حُسْنها وجمالها أن تبتسم وتتكلم ، فهي الصديقة المخلصة التي لم تخذله ساعة ولم تخالف له أمرا ، ولاتكلفه بنزينا ولاتجديدا لرخصة ولاشيئا من هذه الأعباء الثقال .
تمضي سريعا في الشوارع والأزقة وبين السيارات والمشاة لايوقِفُها شئٌ ولايعوقها عائق ، ركوبها بمثابة تمرينات رياضية لتقوية عضلات الساقين والفَخِذين والعُجز ، ولاتُشكِّل عِبْئا عليه ولاعلي غيره .
دار هذا كلُّه برأسه وهو جالس يتأملها سعيدا وبها قريرا ولو نطق شعرا لقال فيها من الغَزَل مالم يقلْهُ جميل في بثينة ولا كثير في عَزَّة .… بينما هو غارقٌ في تأمله سابحٌ في معشوقته ــ دراجته ــ إذ هو بفتاة تَمرُّ من أمامه تكاد تضئ من فَرْط الحُسن والجمال ، ترتدي من الثياب أبهاه وأجمَلَه ،
وقد انْحسَر عن ساقيها إلي ركبتيها ، وانْسدل شَعرها علي كتفيها كأنها ماء مُنْهمِر ، وتَتَحلَّى بالحُلِيِّ والزينة مايأخذ بالقلوب ويَسحَرُ الألباب ، وقد ظهرت مفاتنها سافرةً تدعو الناظر إليها للفتك بها ، تخطو أمام الناظرين بخطواتٍ رشيقة تهتَزُّ لجمالها قلوب الناظرين من المراهقين والماجنين والعابثين ، بل وبعض الصالحين ، وكأنها تجسيد لقول الشاعر :لو أنها عرضت لأشمطَ راهبٍ عبد الإلـه صرورة متعبّدِ لرنا لرؤيتها وحُسنِ حديثها ولخاله رُشْدا وإن لم يرشدِ
… تحول بنظره عن دراجته شيئا فشيئا إلي الفتاة ينظر إليها مقتحما بنظراته وجهها وجسدها ، مُرسِلا إليها من عينيه سهام الوَلَه والشوق والشَّبَق ، وكلما سارت استدار بعنقه متتبِّعا خطواتها التي تباطأت وتدللت حتي انزوت وبعدت عن متناول سهام عينيه ، ولم يعد يراها ، فعاد بعنقه ونظَرِه إلي دراجته الجميلة التي غاب بوعيه عنها قليلا ، فلم يجد لها أثرا ، وكأنما انشقت الأرض وابتلعتها ، لقد كان شِراكا نُصِب له ليقع في حبال غَيِّه ومُجُونه وشَبَقه ، لقد باع دراجته بثمن بخس .. نظراتٍ مجنونة