كتب حنان محمد
ثمنٌ بخس
… جلس الشاب الأنيق الذي اتسق ثيابه وهندامه ، وحَسُن مظهره ، وبَرَق شَعرُه ، ولَمَع حذاؤه ، وطابت رائحة العطر الذي يفوح منه ،
جلس علي المقهي يحتَسي الشاي ويدخِّن النَّارجيلة وقد أسند ظهره إلي الكرسيّ يتأمل ويرقُب دراجته التي أوْقَفها علي حَيْدِ الطريق ، دراجة جميلة مُزَركشَة مُنمَّقة أنيقة تكاد من حُسْنها وجمالها أن تبتسم وتتكلم ،
فهي الصديقة المخلصة التي لم تخذله ساعة ولم تخالف له أمرا ،
ولاتكلفه بنزينا ولاتجديدا لرخصة ولاشيئا من هذه الأعباء الثقال .
تمضي سريعا في الشوارع والأزقة وبين السيارات والمشاة لايوقِفُها شئٌ ولايعوقها عائق ، ركوبها بمثابة تمرينات رياضية لتقوية عضلات الساقين والفَخِذين والعُجز ، ولاتُشكِّل عِبْئا عليه ولاعلي غيره .
دار هذا كلُّه برأسه وهو جالس يتأملها سعيدا وبها قريرا ولو نطق شعرا لقال فيها من الغَزَل مالم يقلْهُ جميل في بثينة ولا كثير في عَزَّة .
… بينما هو غارقٌ في تأمله سابحٌ في معشوقته ــ دراجته ــ
إذ هو بفتاة تَمرُّ من أمامه تكاد تضئ من فَرْط الحُسن والجمال ، ترتدي من الثياب أبهاه وأجمَلَه ، وقد انْحسَر عن ساقيها إلي ركبتيها ، وانْسدل شَعرها علي كتفيها كأنها ماء مُنْهمِر ،
وتَتَحلَّي بالحُلِيِّ والزينة مايأخذ بالقلوب ويَسحَرُ الألباب ، وقد ظهرت مفاتنها سافرةً تدعو الناظر إليها للفتك بها ، تخطو أمام الناظرين بخطواتٍ رشيقة تهتَزُّ لجمالها قلوب الناظرين من المراهقين والماجنين والعابثين ، بل وبعض الصالحين ،
وكأنها تجسيد لقول الشاعر :
لو أنها عرضت لأشمطَ راهبٍ
عبد الإلـه صرورة متعبّدِ
لرنا لرؤيتها وحُسنِ حديثها
ولخاله رُشْدا وإن لم يرشدِ
… تحول بنظره عن دراجته شيئا فشيئا إلي الفتاة ينظر إليها مقتحما بنظراته وجهها وجسدها ، مُرسِلا إليها من عينيه سهام الوَلَه والشوق والشَّبَق ،
وكلما سارت استدار بعنقه متتبِّعا خطواتها التي تباطأت وتدللت حتي انزوت وبعدت عن متناول سهام عينيه ، ولم يعد يراها ، فعاد بعنقه ونظَرِه إلي دراجته الجميلة التي غاب بوعيه عنها قليلا ،
فلم يجد لها أثرا ، وكأنما انشقت الأرض وابتلعتها ، لقد كان شِراكا نُصِب له ليقع في حبال غَيِّه ومُجُونه وشَبَقه ، لقد باع دراجته بثمن بخس .. نظراتٍ مجنونة .