غير مصنف

شـــــارع المــــقـــابـــر…..شـــــارع المــــقـــابـــر

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

من شوية كنا راكبين العربية انا واخويا الصغير ورايحين عند ناس قرايبنا عشان نُفاجئ بحادثة كبيرة قافلة الطريق كله، كانت عربية ميكروباص راشقة في عربية نقل ضخمة، ومن المشهد البشع كان سهل تتوقع ان كل اللي في الميكروباص ال١٤ شخص والسواق بقوا أموات خلاص..
خدت اخويا في حضني عشان ميشوفش المشاهد دي، وبالأخص لما كسروا الشبابيك عشان يطلعوا الاجسام منها، اجسام مفرومة بين الحديد والدم بيسيل منها في مشهد يخليك تبص للسما وتقول:
“رحمتك يا مالك المُلك”
وبدأت رحلة اننشال الاجسام المفرومة، ومش هوصف لك البشاعة اللي شوفتها واللي وصلت ان فيه جسم طلع من غير رجليه اليمين، يارب لطفك يارب..
ورغم بشاعة المشهد كان فيها حاجة مخلياني مش قادر امشي، حاجة مخلياني افضل اراقب مع كل اللي واقفين اللي بيحصل لحد النهاية، وطلعت جثة ورا جثة من كومة الحديد دي لحد ما وصلوا لأخر شخص في العربية..
كانت واحدة ست وسمعت صوت حد بيصيح ويقول:
– دي لسة فيها الروح
الناس شدوها برة العربية عشان تظهر قدام عنيا، وشها كان كله دم وهدومها متقطعة وعين من الاتنين كانت داخلة فيها قطعة ازاز كبيرة فدمرتها، شكلها كان يخلي قلبك يتنفض وجسمك يرجف..
بصيت ورايا في اللحظة دي ملقتش اخويا الصغير، حسيت بقلق رهيب وبصيت يمين وشمال بخوف عشان اشوفه واقف وسط الزحمة، وبالأخص فوق راس الست دي..
الله يخربيتك، جريت عليه عشان اشوف الست ماسكة في هدومه وبتبصله بعين شكلها مخيف جدا، وهو واقف لا حول له ولا قوة وعمال يترعش، شديته بعنف من ايديها وقولتله:
– يالا نمشي
طلعنا على الطريق المقابل ووقفت عربية ركبنا فيه ورجعنا البيت، مبقاش فيه طاقة نزور حد خلاص، دخلت اخود دش عشان انسا المشهد كله وفتحت نت وحاولت اتعايش..
اطمنت على اخويا انه دحل اوضته ينام ودخلت انام بعده، وفي نص الليل لقيت باب اوضتي بيتفتح في الضلمة وجسم صغير بينط عليا وبيترعش، قمت اتنفضت وفتحت النور عشان الاقيه طارق اللي بيستخبى فيا كأنه بيهرب من شيطان..
سالته بخوف:
– مالك يا طارق
لقيته بيبكي وبيقول:
– هتقتلني يا خالد
– مين دي يا حبيبي اللي هتقتلك وانا موجود
– الست بتاعة الحادثة
لومت نفسي اني انا السبب عشان مراعتش مشاعر طفل صغير انه يشوف حاجة زي دي واني لازم احافظ عليه بعد موت أمي وابويا الله يرحمهم، خدته في حضني وطمنته ان مفيش حاجة تقدر تقرب منه وانا موجود..
وفعلا بعد شوية نام وهو مطمن ونمت انا كمان، صحيت بدري عشان الحق شغلي وسبته نايم، وصلت شغلي وبدأ يوم شغل عادي خالص..
بس لما رجعت وناديت على طارق ملقتوش، نزل راح فين ده وانا مأكد عليه ميسبش البيت خالص طول مانا في الشغل، حسيت بغضب شديد لدرجة اني كنت مستني اشوفه عشان اعاقبه، بس وسط تفكيري سمعت صوت أنين جاي من الحمام..
جريت بسرعة على الباب لقيته مقفول، خبطت جامد بس مكنش فيه أي رد، بدأت انادي بلهفة وخوف:
– يا طارق انت جوة يا طارق
في اللحظة دي سمعت صوت اخويا بيستغيث جوة الحمام وبيقول:
– هتقتلني يا خالد
وقتها اتحولت لوحش كاسر وضربت الباب مرة واتنين لحد ما اتكسر، دخلت بسرعة لقيت اخويا عريان جوة البانيو ومتكوم حولين نفسه وبيترعش..
بصيت في الحمام ملقتش اي حد، خدته. لبسته هدومه وحاولت اطمنه وانا حاسس بتأنيب ضمير رهيب، كان فين عقلي وانا سايب طفل يشوف حادثة زي دي، بس فعلا انا وقتها مكنتش في وعيي من بشاعة المشهد…
قعدت معاه شوية عشان يطمن وقولتله وانا مبتسم:
– قولي بقا مين الست اللي هتقتلك دي
كان لسة بيترعش وماسك في دراعي بقوة وقال:
– الست اللي كانت في الحادثة
– الست دي زمانها في المستشفى دلوقتي وجسمها كان متكسر، يعني صعب تيجي عشان تقتلك، ثم هي هتيجي تموتك ليه
– لا لا لا هي ماتت، وجاية تنتقم مني عشان، عشان
– عشان ايه يا طارق احكي لاخوك حبيبك
– عشان خدت العروسة بتاعتها
– عروسة ايه بقا ؟؟
– احلف انك مش هتضربني
– والله ما هعملك حاجة بس فهمني
– وانا كنت جمب الست شوفت جمبها عروسة لعبة فخدتها وحطيتها في شنطتي من غير ما حد يشوفني
– طيب ممكن توريني العروسة دي
روحت معاه للاوضة بتاعته وفتح الدولاب، فضل يبص يمين وشمال بحيرة كبيرة، في النهاية بصلي وقالي:
ابتسمت له وطمنته انه بيتخيل كل ده وان مفيش حد هيقتله ولا حاجة، وجه وقت النوم لقيته بيقولي انه مرعوب اني اسيبه لوحده في البيت واروح الشغل بكرة، فكرت كتير وفي النهاية قولت مفيش مشكلة اخده معايا يومين لحد ما نفسيته تهدى وبعدها مش هيخاف ويرجع طبيعي..
وفعلا تاني يوم خدته معايا الشغل، صاحب المحل مكنش حابب فكرة وجود اخويا بس مكنش يقدر يعترض بنص كلمة، انا عصبي وهو عارف يعني ايه خالد كويس..
اشترينا اكل وقعدت معاه شوية في الشارع عشان ينسى خالص موضوع الست اللي بتجيله دي، رجعنا البيت كان مبسوط جدا، كلمته بهدوء انه يرجع ينام في اوضته عشان هو راجل والمفروض ميخافش، وكمان بمهد انه يرجع طبيعي وميخافش لأن صاحب الشغل مش هيسكت كتير..
ووافق فعلا انه ينام في اوضته، ودخلت انا انام، فضلت صاحي شوية واطمنت عليه، وكل حاجة مشيت زي الفل، بس في نص الليل صحيت على صراخ واستغاثة رهيبة..
نطيت من مكاني وفتحت الباب وخدت اخويا في حضني، كان عمال يقول:
“هيقتلوني، هيقتلوني”
– مين اللي هيقتلك يابني
في اللحظة دي ووسط ضلمة الصالة لمحت جسم صغير خالص جري ناحية المطبخ، وصرخ طارق وقالي:
– اهي اهي يا خالد
وقتها بس جسمي كله اتنفض وعنيا برقت وحسيت بقشعريرة في ضهري، ايه اللي انا شوفته ده، كأنه جسم عيل صغير ونحيف جدا بيجري ناحية المطبخ..
دخلت اخويا اوضتي وفتحت الدولاب وطلعت منه عصاية غليظة كنت شايلها لحاجة زي دي، قفلت على اخويا الباب وفتحت نور الصالة..
قربت بهدوء وانا كاتم نفسي ناحية المطبخ المضلم، وفي اللحظة دي فعلا حسيت ان فيه حاجة في المطبخ، احساس زمان لما كانت أمي واقفة بتطبخ، بس اللي جوة دي مين..
قربت خطوة كمان وبصيت في الضلمة، بس معرفتش اشوف حاجة، مديت ايدي وقلبي بيدق بعنف وفتحت النور، وصرخت بأعلى صوت..
انا شوفت الست اياها، اللي كانت في الحادثة بعنيها اللي فيها ازازة مكسورة ووشها اللي غرقان دم، بس المرعب اكتر اني شوفتها شايلة حاجة صغيرة شكلها غريب، زي العروسة اللعبة، بس كانت بتتحرك زي الطفل الصغير في حضن امه..
وقعت من طولي وزحفت بهيستريا لحد ما خرجت برة المطبخ، مكنش ينفع اقع اطلاقا او استسلم للغيبوية الغريبة اللي مسكت عقلي واخويا لوحده..
قمت بالعافية وجريت على الاوضة وقفلت عليا الباب، لقيت اخويا مستخبي جوة الدولاب. بيترعش، جسمي كان عرقان وعمال يرجف من كل مكان، شغلت قرآن على الموبايل وطلعت تاني للصالة شغلت التلفزيون على القرآن..
رجعت تاني للمطبخ بعد ما اطمنت شوية بس مكنش فيه أي حاجة في المكان، ناديت على طارق وقعدت معاه وقولتله احكيلي كل حاجة حصلت..
وبتلعثم واضح بدأ يحكيلي
“يوم الحادثة روحت اقف جمب الست دي، وقتها لقيتها بتبصلي في عنيا وبتشاور جوة العربية، بصيت للمكان اللي بتشاور عليه لقيت عروسة، خدتها وحطتها في شنطتي عشان انت بعدها تاخدني ونمشي..
بس بعدها الست جتلي وانا نايم وطلبت مني اروح اودي العروسة للمكان اللي كانت رايحة توديها فيه، ولما خوفت وقولتلها اني هقولك قالتلي انها هتقتلني وتاخدني معاها..
سالته بقلق كبير، والمكان ده فين:
– المقابر اللي جمب المكان اللي حصلت فيه الحادثة
بصتله وفضلت ساكت عمال افكر، قرب مني اوي ودموعه على خده من الخوف وقالي:
– انت مش هتسبها تقتلني صح
– ياض انا مش هخلي حاجة في الدنيا تلمسك بس
– طيب هنعمل اللي قالت عليه
– مش هينفع نعمل كدا يا طارق
– انت مش عارف هي ممكن تعمل ايه ولازم ننفذ كلامها
– لا مش هننفذ كلامها ومتخافش
أول ما نطقت الجملة دي لقيت النور طفى والقرآن وقف، سمعت اخويا بيهمس برعب وقالي:
– ليه خلتها تغضب
في اللحظة دي سمعت صوت خربشة جاية من ناحية الحمام، وشوفت في الضلمة نفس الجسم الصغير بيجري قدام المطبخ، حاولت اتماسك وان كنت بنهار من الرعب، شديت اخويا اللي فضل يبكي ومكنش عايز يخرج معايا:
– ابوس ايدك يا خالد قول انك هتعمل اللي هي عايزاه
شديته اكتر وحاولت معاه بس كان واقف متخشب وعمال يردد:
– هتعمل اللي هي عايزاه صح
غصب عني قولتله:
– ماشي يا طارق انا موافق
وقتها النور رجع للشقة واشتغل القرآن من تاني، خدت نفسي بالعافية وقررت بكرة اني اروح ادفن العروسة دي في المقابر زي ما طلب مني اخويا الصغير..
طلبت منه يجبلي العروسة وفعلا طلعها من الدولاب، كان شكلها بشع، معمولة من خشب لونه اسود ومنحوتة بطريقة مرعبة، حتى لما بتبص لعنيها بتحس انها صاحية وشايفاك..
فضلنا طول الليل صاحيين لحد تاني يوم، طبعا غبت من الشغل وفضلت قاعد بفكر لحد الضهر، انا قرأت قصص وروايات رعب كتير، وعارف انك لما تنفذ أمر عفريت أو شبح ده مش هيحل المشكلة اطلاقا..
وطبعا اخويا عمال يلح اننا ندفن العروسة في المقابر، فكرت كتير وعلى العصر قولتله ماشي انا هروح ادفنها، فضل يبكي بهيستريا عشان اخده معايا، وقالي انه هيموت لو سبته لوحده، وغصب عني وافقت، نزلنا القهوة اللي تحت البيت طلبت من صاحبها يخلي باله من طارق نصف ساعة هروح مشوار صغير وارجع اخده، وحلفت لاخويا اني هعمل حاجة بسيطة وهرجع..
وبعد نصف ساعة فعلا رجعت وخدته معايا وخدنا العروسة في شنطة، ركبنا العربية عشان نوصل للمقابر، وللأسف شارع المقابر اللي على الطريق هو نفس المكان اللي حصلت فيه الحادثة، نزلنا عنده انا واخويا ونزل معانا شخص تالت وبعدها اختفى، وقفت اراقب المكان وافتكرت كل التفاصيل اللي حصلت يوم الحادثة، هنا كانت الست على الأرض، وهنا كانت العربية مقلوبة..
وقتها كانت الشمس بتغيب وانا واقف في المكان الواسع اللي عامل زي أرض الخراب، كأنك في ارض الشيطان نفسه، وقتها خرجت العروسة من مكانها وطلعت ازازة بنزين، دلقت منه شوية على العروسة و
وسمعت صوت صراخ اخويا وقالي:
– هتقتلنا يا خالد
بصيت على أول شارع المقابر لقيت نفس الست واقفة، والمرعب ان العروسة تحت رجلي كانت بتتنفض وتتحرك، وقتها بس حسيت بوجع رهيب في صدري، وتحديدا في قلبي، وكأنها أزمة قلبية رهيبة..
وقعت على الأرض وانا بحاول اخود نفسي بالعافية، بس الموضوع كان صعب جدا، والألم بقا شديد، شوفت اخويا بيبكي وعمال يهز فيا وانا مش قادر حتى انطق، حاسس بثقل رهيب فوق صدري، ونفسي مش عارف اخده حتى..
في اللحظة دي ظهر الراجل اللي نزل معانا في نفس المكان، ظهر الشيخ عبدالبر، استعاذ بالله من همزات الشياطين وراح مولع في العروسة اللي كانت بتتهز..
وقتها شوفت غضب رهيب في عنين الست وفضلت تصرخ لحد ما اختفت مع تفحم العروسة تماما، وبكل تعب الدنيا بصيت للشيخ وابتسمت..
……….
نص ساعة وهجيلك يا حبيبي متخافش، روحت للشيخ عبدالبر وقتها وحكيت له على كل حاجة، ولما شاف العروسة استعاذ بالله وقالي ان جواها سحر معمول بالموت والخراب لصاحبه، وان العمل كمان بيكون موكل معاه جن خبيث..
وقالي ان الحل ان العروسة تتحرق مكان موت الست، عشان ندمر قوة قرينها وفي نفس الوقت نحرق الجن الموكل على السحر، بس عشان متحصلش مشاكل قالي انت هتروح عادي لحد المكان اللي حصلت فيه الحادثة وانا هراقبك عشان لو حصلت مشكلة اتدخل..
وفعلا مقدرتش احرق العروسة عشان يتدخل الشيخ ويحرقها، وعرفت منه ان الست دي كانت والعياذ بالله رايحة تدفن سحر في المقابر، وان الشر اللي كانت شايلاه ده ممكن اوي يكون هو سبب الحادثة اللي حصلت، وان الموضوع كان معقد جدا لان فيه قرين شرير عايز السحر يتدفن، وفيه جن موكل على العروسة، يعني بنحارب شر كبير..
وبعدها جه الشيخ قرأ الرقية على اخويا وفي البيت عندي، ومن فضل الله الحياة رجعت طبيعية نوعا ما، بس مكدبش عليكم اوقات كتير بحس بحد واقف قدام سريري، واوقات بشوف الست بتطلب مني اروح ادفن العروسة، بس الحمد لله الحياة رجعت كويسة من تاني..

تابعونا على  صفحتنا الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى