دار الأوبرا السلطانية مسقط تحتفي بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب

في إطار موسمها الفني لعام 2024-2025، تنظم دار الأوبرا السلطانية مسقط احتفالية مميزة تكريمًا لإرث الموسيقار المصري العربي الكبير محمد عبد الوهاب، وذلك من خلال سلسلة من الفعاليات الثقافية والفنية الممتدة من 16 يناير حتى 28 فبراير.
معرض محمد عبد الوهاب
انطلقت الاحتفالية بافتتاح معرض فني في 16 يناير، يُسلط الضوء على حياة وأعمال عبد الوهاب. يضم المعرض مجموعة من الصور والوثائق والمقتنيات الشخصية النادرة، بالإضافة إلى استخدام تقنية الهولوجرام لتقديم تجربة تفاعلية مميزة للزوار. يستمر المعرض حتى 28 فبراير في قاعة المعارض بدار الفنون الموسيقية.
إرث لا يندثر
في سجل الموسيقى العربية، يظل اسم محمد عبد الوهاب محفورًا بأحرف من ذهب، ليس فقط كملحن ومطرب، بل كمجدد ومبتكر ترك بصمته على الألحان العربية، فاستحق بجدارة لقب “موسيقار الأجيال”. في كل نغمة من ألحانه، وفي كل مقام موسيقي سلكه، نجد روح الحداثة ممتزجة بأصالة الطرب العربي، ليخلق فنًّا خالدًا يعبر الأزمان ويظل حاضرًا في وجدان المستمع العربي.
عبد الوهاب.. البداية والانطلاقة
وُلد محمد عبد الوهاب في 13 مارس 1902، ونشأ في حي باب الشعرية بالقاهرة، حيث ظهرت موهبته الموسيقية مبكرًا. انضم إلى فرقة سيد درويش متأثرًا بمدرسته التجديدية، لكنه سرعان ما شق طريقه الخاص، ليصبح أحد أعمدة الموسيقى العربية في القرن العشرين. بدأ بالغناء والتمثيل، لكنه وجد شغفه الأكبر في التلحين، فأصبح الملحن الأول لكبار نجوم الغناء في العالم العربي.
رائد التجديد في الموسيقى العربية
ما يميز محمد عبد الوهاب هو قدرته الفريدة على المزج بين الأصالة والتجديد. فقد أدخل آلات غربية مثل الجيتار والأكورديون والساكسفون إلى الأغنية العربية، مما أعطاها بعدًا حداثيًا دون أن تفقد هويتها الشرقية. كما أنه كان أول من قدم الأغاني ذات الإيقاعات السريعة، مبتعدًا عن التطويل التقليدي في الزمن الطربي، ليواكب تطورات العصر.
لم يكن عبد الوهاب مجرد ملحن، بل كان صاحب رؤية موسيقية متكاملة، يفهم جيدًا روح الكلمات ويمنحها اللحن المناسب. سواء في القصائد الفصحى أو الأغاني العامية، استطاع أن يخلق تناغمًا استثنائيًا بين الكلمة واللحن والأداء. ومن أشهر أعماله:
• النهر الخالد
• الجندول
• كليوباترا
• بفكر في اللي ناسيني
• لست أدري
• عندما يأتي المساء
ملحن العمالقة وصانع النجوم
لم يقتصر إبداع محمد عبد الوهاب على غنائه الشخصي، بل قدّم ألحانًا خالدة لأهم نجوم الطرب، مثل أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، فايزة أحمد، نجاة الصغيرة، وردة الجزائرية، وليلى مراد. وكان أبرز ما في مسيرته هو تعاونه مع كوكب الشرق أم كلثوم في سلسلة من الأغاني التي أعادت صياغة الأغنية العربية بشكل عصري، ومنها: إنت عمري، فكروني، هذه ليلتي، وأمل حياتي.
صوت عبد الوهاب.. بصمة لا تُنسى
إلى جانب براعته في التلحين، كان عبد الوهاب مطربًا استثنائيًا بصوت رخيم وأداء تعبيري مميز. ورغم اعتزاله الغناء في سن مبكرة نسبيًا، إلا أن أغانيه التي سجلها في شبابه ما زالت تُطرب المستمعين، ولا تزال أجيال جديدة تكتشف عبقريته الصوتية والفنية.
إرث مصري عربي يستحق التكريم
برحيله في 4 مايو 1991، فقدت الموسيقى العربية أحد أعظم روادها، لكن أعماله لم تفقد بريقها، بل لا تزال حاضرة في ذاكرة الفن العربي. يُعاد توزيع ألحانه، وتُدرَّس موسيقاه، وتظل أغانيه تُذاع في الإذاعات والاحتفالات، ليبقى اسمه خالدًا كرمز للعبقرية الموسيقية.
تحية إلى محمد عبد الوهاب، الموسيقار الذي أعاد تشكيل الموسيقى العربية، فأعطاها روحًا جديدة دون أن يجردها من أصالتها. هو الملحن الذي عبر الأزمان، فكان صوتًا للماضي والحاضر والمستقبل، وسيبقى موسيقار الأجيال ما بقيت الموسيقى لغة تعبر عن الوجدان.