كتب فريده الموجى
الباز أفندي”أحلى من الشرف مفيش”
” العلبه دي فيها ايه؟”
” صلاة النبي أححسسسن”
افيهات لن ينساها أحد للفنان الشرير الطيب الجميل توفيق الدقن.
اسمه كاملاً هو توفيق امين محمد احمد الشيخ الدقن
ولد في ٣ مايو ١٩٢٣ توفي في ٢٦ نوفمبر ١٩٨٨ عن عمر يناهز الـ 65 عاماً
حصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية عام ١٩٥٠ .
بدأ حياته الفنية منذ أن كان طالبا في المعهد من خلال أدوار صغيره إلى أن اشترك في فيلم ” ظهور الإسلام” عام ١٩٥١ . التحق بعد تخرجه بالمسرح الحر لمدة سبع سنوات
ثم التحق بالمسرح القومي وظل عضوا به حتى إحالته إلى التقاعد. اشتهر بأدوار الشر
وإن لم يخلُ أدائه من خفه ظل، وكان ناجحاً في أدوار اللص والبلطجي والسكير والعربيد إلى درجة أن بسطاء الناس كانوا يصدقونه فيما يفعله ويكرهونه بسبب تلك الأدوار.
كان متعدد المواهب، فكان رئيس فريق التمثيل بالمدرسة الثانوية وجمعية الشبان المسلمين،
ورياضيًا كان بارعًا فى البوكس ولاعب كرة قدم معروفًا فى فريق نادى المنيا ومنتخب قبلى،
كما كان يتميز بخطه الجميل، ويكتب بيديه اليمنى واليسرى، وهذه الموهبة ساعدته عندما تعثرت ظروف الأسرة،
حيث أخذه والده معه فى الصيف ليعمل كاتبًا ينسخ المحاضر بالنيابة، ليساعد نفسه وأسرته.
والده كان متحفظًا بحكم كونه أزهريًا، كما كان يشعر بأنه كبر ويريد أن يحل ابنه «توفيق» مكانه فى تحمل مسؤولية الأسرة،
وكان يفضل أن يلتحق بوظيفة لها عائد ثابت، فضلًا عن اختلاط مفهوم الممثل وقتها بمفهوم المهرج،
ولكن والدته شجعته، وكان يعمل وقتها موظفًا فى نيابات المنيا، وبدأ يبحث عن فرصة لاستبدال وظيفته مع موظف بالقاهرة،
حتى يمكنه الدراسة بالمعهد والعمل، للوفاء بالتزاماته لأسرته، وبالفعل خدمه الحظ ووجد موظفًا فى السكة الحديد يريد الانتقال للعمل بالمنيا،
فاستبدل وظيفته معه، وصار زميلًا لسعد أردش فى السكة الحديد، واستمرت مساعدة والدته له،
وكانت ترسل له النقود فى الخبز، وبعد وفاة والده تحمل توفيق الدقن مسؤولية الأسرة كاملة،
وكان له عدد كبير من الإخوة والأخوات، حيث تولى رعايتهم حتى زوجهم جميعًا.
عندما تقدم لاختبارات معهد التمثيل فى أول دفعة بعد افتتاحه،
كانت لجنة الاختبار مكونة من نجيب الريحانى، وحسين رياض، وزكى طليمات، فسخر الريحانى من اسمه، وقال له «إيه الدقن دى»
، فرد والدى عليه بحمية أهل الصعيد «وإيه الريحانى دى»، فظنت اللجنة أنه متعال وغير جاد وجاء لمعاكسة الفتيات،
خاصة أنه كان وسيما، ورسب فى الاختبار، وبعدها سأل عليه زكى طليمات، وقال له «تعالى وهات الصور»، لأننا كنا نختبر جديتك،
والتحق بالدفعة الثانية فى المعهد، ولعبت الصدفة دورها معه للمرة الثانية،
عندما شارك لأول مرة فى مسرحية «الناس اللى تحت» بالمسرح الحر مع عبدالمنعم مدبولى،
بعد اعتذار صلاح منصور عن دور الأستاذ رجائى، فأعطى له الدور، ونجح نجاحًا كبيرًا ،
وبعدها شارك فى فيلم «ظهور الإسلام» مع كوكبة من النجوم، وكان الدكتور طه حسين يختار الممثلين بالسمع، فسمعه وأعطاه دور «خباب ابن الأرت»،
وبعدها شارك فى فيلم «درب المهابيل» لنجيب محفوظ، ثم توالت أعماله، وارتبط بالفنان فريد شوقى،
الذى ساعده، وقال له «هاعمل معاك مثلما فعل معى أنور وجدى»، ورشحه للعمل فى 3 أفلام، هى «سلطان، وبورسعيد، والفتوة»، وكانت محطات مهمة فى حياته، وبعدها انطلق فى مشواره الفنى.
كان الفنان محمود المليجى من أقرب الناس إلى قلبه، وكانت والدته تقول له إنها تتمنى أن تراه مثله،
ووقف لأول مرة أمامه فى فيلم «أموال اليتامى»، وكان المليجى معروفًا بتعبيراته ونظرة عينه المميزة،
وكلما نظر والدى إلى عينه توقف عن التمثيل،
وعندما لاحظ المليجى طلب من المخرج التوقف وأخذه وجلسا فى الكافيتريا، وحكى له عن أمنية والدته،
وبدأت بينهما صداقة قوية، وكان يعترف دائمًا بأستاذية المليجى، ويقول «أنا أخذت حاجات كتير من المليجي»، وكان المليجى يرشحه فى الأدوار التى يعتذر عنها،
كما ارتبط بعلاقة صداقة مع الفنان فريد شوقى، ورشدى أباظة، وعبدالمنعم إبراهيم.
كانت زوجته قريبته، ورشحها إخوته له بعد كفاحه معهم حتى زواجهم، فرآها وأعجب بها، وتزوجها ابنه ماضي و ابنتيه فخرالدين و هالة.
من أكبر صدمات حياته وفاة والدته، التى كانت تمثل له الدعم والمدرسة الكبيرة التى تعلم فيها،
فانطلق هذا العملاق الذى يمثل الشر فى السينما يصرخ فى الشوارع كالمذهول، غير مصدق أن والدته توفيت،
وعندما سمع خبر وفاة المليجى ظل يصرخ ويبكى وينادى لاولادة «عمكم محمود مات»، وكان يبكى أيضًا عطفًا على الحيوانات،
وفى إحدى المرات كان يحمل الطعام للقطة فجرت وسقطت من الدور الثالث فظل يبكى كالأطفال حزنًا لأنه تسبب فى سقوطها،
ومن الصفات التى لا يعرفها الناس عنه، الذى قام بأدوار الشرير والبلطجى والصايع، أنه كان شديد الخجل،
وكان يخاف يسلم على شخص حتى بعد شهرته، خوفًا من ألا يعرفه، ويقول «فى ناس ماتعرفش ربنا هتعرف توفيق الدقن».
أنور وجدى نصحه فى بداية حياته بألا يرفض الأدوار التى تعرض عليه، وكان يقبل الأدوار التى تضيف لرصيده،
وهناك مخرجون لم يكن يرفض الأدوار التى يعرضونها عليه لثقته فيهم، حتى وإن ظهر لدقائق،
مثلما حدث فى فيلم «الشيماء»، الذى أدى فيه دور «دريد بن الصمة»،
وحصل فيه على جائزة، فكان يعرف أنه سيضيف للدور الصغير فيخرج المشاهد ولا يتذكر غيره،
ويقول دائمًا «ليس هناك دور كبير ودور صغير، ولكن هناك ممثل كبير وممثل صغير»،
وهو الذى أثبت أن ضيف الشرف ليس كمالة عدد، وكان يقدم رسالة فى أدوار الشر،
ويهرب من الأدوار التى بها مشاهد اغتصاب وعنف وإسفاف، ويقول دائمًا لابناءه «تركت لكم أشياء لن تخجلوا منها طوال حياتك»،
ولم تكن تشغله فكرة البطولة المطلقة، وهكذا كان كبار النجوم، مثل محمود المليجى، وحسين رياض، وزكى رستم،
وكان أول ممثل يؤدى شخصيتين فى مسلسل «القط الأسود»، وبعد نجاحه قلده الكثيرون فى أعمال أخرى، وتنوعت أدواره بشكل كبير فى المسرح والإذاعة.
بعدما كبر عانى من التعامل مع المخرجين الجدد، ومن التجاهل وعدم الاحترام فى كتابة الاسم،
فلم يكن يسأل أين سيوضع اسمه، وكان يعمل بنصيحة الفنان حسين رياض، الذى قال له «إنت لا قبل حد ولا بعد حد.. اكتب زيى بالاشتراك مع الفنان الكبير»،
وحزن وشعر بإنكار الجميل وعدم التقدير، وزاد حزنه بعد رحيل عدد من أصدقائه،
فبدأ يشعر بالغربة، وأن المناخ «مش بتاعه»، وكان يقول «عاوز أعتزل»،
وبالفعل فكر فى الاعتزال قبل وفاته، ولو أمهله القدر كان سيعتزل.
كان مريضًا بالسكر، وأصيب بالفشل الكلوى سنة 86، وظل يغسل كلى لمدة عامين، ورغم ذلك ظل يعمل،
وسافر إلى عجمان ليشارك فى رواية «الوريث» مع المخرج خليل شوقى، وقال له «أنا عندى فشل كلوى، وباغسل مرتين فى الأسبوع، ومش عاوز حد يعرف»،
لأنه لا يحب إحساس الشفقة، وكان خليل شوقى يأخذه للمستشفى ليغسل الكلى، ثم يعود ليؤدى دوره،
ولم يكن يعترف بالمرض، وبعد هذه الرواية ظل لفترة لا يعمل،
حتى عرضت عليه إحدى الشركات مسلسلًا فوافق، وصور بعض المشاهد، لكنه أصيب بذبحة وتحامل على نفسه،
وعندما كلموه فى المساء للاتفاق على المشاهد التى سيؤديها صباحًا أصر على أن يرد بنفسه،
حتى لا يشعروا بأنه مريض، وقال «هاجيلكم بكره بعد ما أروح المطار، ومات فى الصباح»،
وقبل وفاته قال لابنه ماضي «ريحة شبرا فى نخاشيشى، قوم ودينى عند إخواتى»، حيث جاءت أسرته من المنيا لتستقر فى شبرا
وذهب لزيارتهم، وأثناء عودته قال لابنه «يظهر يابنى إنى هاموت أو حد منهم هيموت»، ثم ضحك ساخرًا «ياللا فى ستين داهية».
هذه الرواية يحكيها باستفاضة الماكيير محمد عشوب، الذى كان معه فى آخر أعماله بالخارج لمدة 4 أشهر،
وأكد أنه لم يكن يفارق سجادة الصلاة والمصحف، وكل من تعامل معه يعرف ذلك،
وكان يجلس فى الفجر بأحد أركان المنزل يتغنى بالقرآن، وهو ما منحه قدرة هائلة على تدريب صوته.
حصل الفنان الكبير توفيق الدقن على تكريم شعبى ورسمى، وأكبر تكريم هو حب الجمهور،
وكرمه الرئيس عبدالناصر وأعطاه وسام العلوم والفنون سنة 65، كما كرمه السادات فى أول عيد فن،
وأعطاه شهادة الجدارة، وحصل على العديد من الأوسمة.
توفي الفنان الجميل توفيق الدقن في ٢٦ نوفمبر ١٩٨٨ في مستشفى الصفا بالمهندسين عن عمر ناهز ال65 بعد أن أصابه الفشل الكلوي.
رحم الله العملاق توفيق الدقن صاحب مدرسة الشرير الظريف والافيهات التي بقيت وستبقى على مر الأجيال أظرف شرير فى تاريخ السينما.