مخططات واشنطن في ليبيا وإرتباطها بالصراع في السودان
كتب أحمد أسامة
تجدد القتال في الجنينة غربي دارفور بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع رغم الهدنة التي تم الاتفاق عليها بين أطراف الصراع في البلاد لمدة 72 ساعة. كما تجددت الاشتباكات في مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري، خلال الساعات الأولى من صباح الخميس.
وتسببت المعارك التي بدأت في 15 أبريل الجاري، في مقتل 512 شخصاً على الأقل وإصابة نحو 4200 آخرين وفقاً لوزارة الصحة السودانية، فضلاً عن تدمير مستشفيات والحد من توزيع المواد الغذائية في الدولة الشاسعة التي يعتمد ثلث سكانها البالغ عددهم 46 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية.
من جهتها، إتهمت الولايات المتحدة الأمريكية منذ اليوم الأول للإقتتال السوداني، قوات الشركة العسكرية الروسية الخاصة فاغنر في تأجيج الوضع دون أي دليل يُذكر على ذلك.
وقد سبق وأن أعرب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن قلقه لوجود مجموعة فاغنر الروسية في السودان، وقال: “مجموعة فاغنر النشطة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والمشاركة في حرب أوكرانيا، تجلب معها أينما تحركت المزيد من الموت والدمار”.
بينما نفت مجموعة فاغنر تورطها فيما يجري في السودان وقالت إن لا علاقة لها بالمعارك التي تدور في البلاد، وكتبت المجموعة على تليغرام “نرى من الضروري إبلاغ الجميع أن أفراد فاغنر ليس لهم وجود في السودان منذ أكثر من عامين”.
كما سبق وأن نفى طرفا الصراع في السودان عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع وجود هذه القوات وتلقي أي دعم منها، أو حتى من دول الجوار.
لم تكتفي واشنطن بتوجيه الإتهامات جزافاً بل حذّر مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية، قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر من زعزعة استقرار الحدود السودانية، وذلك بعد تحقيق أجرته وكالة “سي إن إن” الأمريكية المرتبطة بمركز صنع القرار في واشنطن، زعمت فيه تورط فاغنر بأعمال العنف بين الفصيلين المتحاربين في السودان.
وجاء التحذير في مكالمة مع حفتر أجرتها مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، مؤكدة على “الحاجة الملحة لمنع الجهات الفاعلة الخارجية، بما في ذلك مجموعة فاغنر المدعومة من قبل الكرملين من زعزعة الاستقرار في ليبيا أو جيرانها،
بما في ذلك السودان”، وفقًا لتغريدة من وزارة الخارجية.
لتنفي قيادة الجيش الوطني الليبي من جهتها تقديم الدعم لطرف ضد الآخر من طرفي النزاع الدائر في السودان.
حيث قال أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش في بيان: “تنفي القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية نفياً قاطعاً تقديم الدعم لطرف ضد الطرف الآخر في السودان”.
وأضاف أن القوات المسلحة الليبية “تقوم حاليا بإجراء الاتصالات العاجلة مع الأطراف المعنية”، وأكد استعداد هذه القوات “للقيام بدور الوساطة بين الأشقاء في السودان لوقف القتال”.
ويُشير المحللون السياسيون إلى أن الجانب الأمريكي بدأ يشدد مؤخراً لهجته وتصعيده ضد حفتر، الرجل الذي كان يخلق توازناً تقليديًا بين واشنطن وموسكو، وبالتالي يضمن بقاء مشروعه العسكري السياسي في شرق ليبيا.
ويرجعون ذلك الى تنامي العداء الغربي تجاه الروس في العالم بعد إشتعال الصراع في أوكرانيا ووقوف روسيا في وجه الهيمنة الأمريكية على العالم. وبالتالي تغيرت مخططات واشنطن تجاه مجريات الصراع في ليبيا، وبدأت تعمل على تحييد القوى التي لا تحقق جميع رغباتها لتستبدلها بأخرى.
وهذا ما ينطبق على ما يجري على الأرض حالياً من محاولة لفرض مبادرة مبعوث الأمم المتحدة عبدالله باثيلي القاضية بإجراء إنتخابات في ليبيا قبل نهاية العام الجاري،
رغم عدم توافق الأفرقاء الليبيين الى الآن على قاعدة تُجرى على أساسها مع إستمرار المحاولات لإقصاء شخصيات هامة كالمشير من الترشح فيها ومن المشهد السياسي ككل.
كما أن المبادرة بحد ذاتها، والتي تضغط واشنطن على العمل بها، والتي لم يعلن باثيلي عن آلية تشكيل لجنتها المقترحة ولا صلاحياتها ولا معايير اختيار الأعضاء فيها، خلقت جدلاً في البلاد،
فهي تُقصي مجلسي الدولة والنواب، فقد سبق وأن شدد المبعوث الأممي على أنه لا يجب أن تترك الانتخابات بيد مجلسي النواب والدولة فقط، مؤكداً أن اختصاصات مجلس النواب ومدة انتخابهم انتهت وعليهم تقديم أنفسهم للشعب من جديد لانتخابهم.
وهذا بنظر الخبراء، مخطط أمريكي واضح لإزالة العوائق أمام تنصيب رئيس للدولة في ليبيا عبر إنتخابات مزورة النتائج مسبقاً، يُلبي طلبات واشنطن ويفتح البلاد أمام هيمنة كلية، بعيدة عن النفوذ الروسي،
وبالتالي القضاء على حفتر وجيشه وإطلاق يد الميليشيات على آبار النفط في شرقي البلاد والتي هي بعهدة حفتر الآن.
ومما سبق، يستنتج الخبراء بأن ما يحدث في السودان الآن من إقتتال جاء في مصلحة الإدارة الأمريكية لتوجيه مزيد من الضغط على الليبيين وبث كراهيتهم تجاه قائد الجيش الوطني الليبي، الذي يدعم أحد أطراف النزاع في السودان تحت ضغوط روسية بحسب زعمهم، وهو ما يُنذر بصراع آخر في ليبيا يُمكن أن يؤدي الى إشتعال القتال بدلاً عن الإنتخابات في البلاد.