كتب حنان محمد
الڤسبا
••• توالت التهاني علي صلاح من الأهل والأحباب والجيران والأصدقاء ، فقد استلم اليوم الڤسبا التي اشتراها بالتقسيط والتي ستكون عدته وعتاده ووسيلة انتقاله ،
في ذهابه إلي عمله وإيابه ، وفي حِلِّه وترحاله ، وعليها سيحمل متاعه وحاجياته ، وسيذهب بأولاده إلي مدارسهم ، وزوجته إلي عملها ، وستكون له كالفرس للفارس زمن الفروسية ، أو السلاح للجندي عند القتال .
… . امتطي صلاح فسبته وأردف خلفه صديقه (نبيل) وسارا بها في شوارع المدينة احتفالا بامتلاكها ، مسرعين ومبطئين معتدلين ومتمايلين ، يعلوان ويهبطان ، ويضحكان ويصيحان سعيدين كأنهما علي متن طائرة .
… لاحت أمامهما محطة بنزين فجنح صلاح إلي حيد الطريق ثم دخل المحطة بفسبته ليملأ ( التنك ) بالبنزين ، ثم نزل وصديقه عنها وتركاها حتي يصيبها الدور وذهبا ليشتريا بسكويتا ومشروبا ،
فما راعهما إلا رجل قد تزيا بثياب عمال النظافة ـ تمويها ـ قد امتطي الفسبا وانطلق بها وهما واجمان مشدوهان لايُثبتان ولاينفيان حتي غاب الرجل بالفسبا عن الأنظار .
… استفاق صلاح من الصدمة بعد ثوان ، فراح يجري ويقف ، يقف ويجري ، يصيح ويبكي ، ثم راح يلطم خده ويضرب صدره وينثر شعره ، ويستغيث بالناس والناس لاحول لأحد منهم ولاقوة .
وعامل المحطة يطلب ثمن البنزين الذي ملأ به التنك ، وليس له بما حدث سبيل .
••• انبري رجل ذو سمت الصالحين ، ووجه الطيبين ( أولاد البلد الجدعان ) الذين يغيثون الملهوف ويَسدون للناس المعروف ، وراح يهدئ من روعهما ويربِّت علي كتفيهما ،
ويقول لهما لاتحزنا فهؤلاء اللصوص محترفون وهم لنا معروفون ، وكم فَجعوا الناس في أشيائهم ، بالله لتكونَنَّ الفسبا تحت أيديكم بعد حين لايتجاوز ساعة من الزمان .
… استوقف الرجل الشهم ( تاكسي ) وقال لصلاح اركب معي ودع زميلك ينتظر هنا حتي نعود إليه بالفسبا ، ثم تحسس جيوبه وملابسه وتردد قليلا ثم قال ولكن يلزم مبلغ من المال قليل لإرضاء أسياد هؤلاء اللصوص ، مطلوب لهم ألفا جنيه ،
.. فتش صلاح جيوبه فلم يَخرج بكل المطلوب ، فنظر بأعين دامعة لصديقه الذي أخرج كل ماجادت به جيوبه . فتجمع لهما ألف ونصف من الجنيهات ، فقبل الرجل الشهم المبلغ وقال سأكمل الباقي من جيبي علي أن يكون قرضا يسدَّد عندما يتيسر لك بعد حين . ثم تلا قوله تعالي :
{ وإن كان ذو عُسرة فنَظِرةٌ إلي ميسرة }
… . انطلق التاكسي بصلاح والرجل الشهم يسير من شارع إلي شارع ومن ميدان إلي ميدان حتي توقف علي مشارف حي شعبي ناءٍ ، فنزل الرجل علي أن يعود بالفسبا بعد دقائق معدودات .
… انتظر صلاح والأمل يراوده أن يري فسبته الحبيبة السليبة وهي مُقبلة عليه .
.. طال الانتظار ولكن الرجل لم يعد ، ولن يعود إلي يوم القيامة .