كتب حنان محمد
صرخة أنثى
سماح لم تزل طفلة في الخامسة عشرة من عمرها،ولدت في أسرة فقيرة تكدح من أجل لقمة العيش ،أب أقعده الشلل ،وأم أعياها المرض من قسوة العمل كخادمة في البيوت وثلاثة أخوة هي أكبرهن
،تقدم للزواج منها ابن الجيران الذي يقطن نفس المنطقة العشوائية ، والعشوائية في كل شيء وليس مكان الإقامة فقط ، رغم معرفة الأب والأم بسلوكيات الخاطب الغير سوية إلا أنهما أتما الزواج بعقد عرفي لحين بلوغ سماح السن القانوني
ليعقد عليها بعد ذلك الزوج عقدا رسميا،
كانت سماح مثل فراشة تشق طريق النجوم فتاهت في ظلام الكون وهي لا تعي أن الاقتراب من الضوء فيه نهايتها ،
لاقت نفس مصير الأم كخادمة ، كل ليلة ينام جسدها الصغير منهكا ولاينام عقلها من التفكير ولا يجف دمعها حسرة على حياة البؤس،
ماتت أحلام الطفولة ونبتت بدلا منها الآلام من مشقة العمل ومن ضعف صحتها نتيجة حمل وولادة متكررة ، وزد على ذلك آثار ضرب زوج مدمن لكل أنواع السموم المخدرة،
يستولى على ما تحصل عليه من أجر ليبتاع المخدر ،
أصبحت سماح أم لطفلين وهي لم تبلغ السن القانوني للزواج ،لا حظت سماح أن جارتها في السكن تتجنبها
وتتلافى القرب منها أو محادثتها لم تعد تتدخل كي تحميها من صفعات وركلات زوج مدمن عاطل كما اعتادت سابقا ، قد أعيتها الحيرة من أمر نساء وفتيات ورجال الشارع ،
الجميع يتهرب منها ويتلاشى الكلام معها أو القرب منها ويشرن إليها بأصابع اتهام وشفاه مذمومة بهمز ولمز ،عندما نهرتهن متساءلة تجرأت إحداهن
وأخبرتها بأنها ولابد أن تكون مريضة بالإيدز
وأن الجميع يخشى العدوى منها ،أنكرت سماح باكية قائلة هذه إشاعة مغرضة تطلقونها علي،
ردت المرأة قائلة الجميع يعلم أن زوجك مريض بالإيدز إلا أنت ،ولابد أن العدوى انتقلت إليك ، شملتها ارتجافة أرعشت جسدها الصغير المنهك،
اقتربت منها بحذر امرأة عجوز قائلة أنت يابنتي عايشه معاه مغمضة زي القطط اللي لسه مولودة عامله زي أراجوز بيحركه بإيده ملكيش أي رأي
ولا تعلمي عن مرضه شيء
عايزه إيه من واحد مدمن لكل انواع القرف اللي يتعاطاه طالما لاقي واحدة غلبانه زيك تخدم وتديله فلوس ، تركتها لحيرتها وانصرفت دارت الدنيا بسماح وكل ما تراءى لها طفليها ،
ولجهلها وجهل من أخبرنها عن المرض وكيفية نقل العدوى باللمس والكلام ، أصبح عقلها في تيه وهواجسها تحدثها أنها قد نقلت العدوى لطفليها ،
أسرعت وأخبرت زوجها بما سمعت من الجيران مستفسرة ،كان نصيبها علقة أشد قسوة من سابقاتها ، ضاقت عليها الدنيا رغم رحابتها ،انكبت فوق طفليها تقبلهما واحتضنتهما وأفلتت يدها من يد زوجها
الذي يجذبها من شعرها إلى الفراش ،
هرولت بخطوات متثاقلة من حمل الطفلين وصعدت بهما إلى سطح العقار ، السماء رمادية اللون والقمر متوار خلف الغيوم وبرق خاطف يلمع ويخطف أنظارها عن الواقع
مع قعقعة رعد تدخل الرهبة على قلبها ،ينتابها انفجار غضب صامت وتساؤل يلح على عقلها الصغير من سيعتني بأطفالها إن هي ماتت أو ربما يكون أحدهما أصيب أو كلاهما
،تسارعت نبضات قلبها وانقبض وسيطر عليه خوف من المصير القادم ،بدأ المطر في الهطول بشدة وازداد صوت الرعد ، خيوط الماء تنزل بغزارة يخيل إليها أن السماء تشاركها البكاء،
تحتضن طفليها وتضمهما إلى قلبها
بكل ما أوتيت من حنان الأمومة واقتربت من سور السطح المنخفض ،الجميع من وراء زجاج الشرفات يشاهدون المطر ،يشد انتباههم أصوات ارتطام وصرخات مدوية تهتز لها الجدران المتهالكة…