قصص

رســـالة أخـــــيــــرة….رســـالة أخـــــيــــرة

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

أخويا الصغير مات من أسبوع بطريقة غريبة جدًا، طفل صغير عنده 12 سنة يطلع فوق السطح ويرمي نفسه من فوق، وده اللي قاله واحد جارنا شافه في لحظاته الأخيرة وإنه فضل ينادي عليه ويحذره بس أخويا كان وكأنه زي الممسوس ونط من فوق السطح وللأسف نزل متكسر، شكله ومنظره يومها معتقدش إني هقدر أنساه عُمري كله، ولأن أبويا ميت فكانت كل حاجة على دماغي أنا، أنا البنت الوحيدة وأمي مش هتتحمل، وكان لازم أقف زي الرجالة رغم إن ناس كتير وقفوا معانا وأولهم عمي، وفي النهاية اتدفن أخويا وخد حتة من روحي اتدفنت معاه..
رســـالة أخـــــيــــرة….رســـالة أخـــــيــــرة
وعشنا بعدها أيام صعبة أوي، أمي ليل نهار بتعيط وحالتها النفسية والجسدية بتسوء، وأنا مش عارفة أسيبها ولا أتحرك ولا حتى أعمل أي حاجة في البيت، بس الوحيد اللي كان واقف معانا رغم كراهيتنا له كان عمي، ومعرفش ليه أمي بعد موت أبويا كانت منعاه إنه يدخل البيت أو يقرب مني أو من أخويا، ورغم كدا حفظ صِلة الرحم ووقف معانا يوم موت أخويا وكمان ساب معايا مبلغ كبير عشان لو احتجنا حاجة، ويمكن الفلوس دي اللي كفتنا طول الأيام اللي فاتت دي كلها..
ولما يأست إن أمي تطلع من اللي هي فيه قررت أشوف مصالحنا اللي ممكن تقف، وبقيت بنضف البيت وأحط الأكل للطيور فوق السطح وأنزل اشتري الطلبات وكمان أبيع الأرانب اللي الناس كانت حجزاها، لأننا لو طولنا الطيور هتموت ومش هنلاقي ناكل، وفعلًا ومع الوقت أمي بدأت تخرج من الحالة النفسية دي واحدة واحدة، وده خلاني أحمد ربنا كتير واتفائل إن الأمور هتكون كويسة مع الوقت، وبعد أيام لقيت عمي بيكلمني وبيقولي إنه له رغبة يتجوز أمي، مرات أخوه وهو أولى واحد بيها، وكمان يقدر يراعينا أكتر وأكتر، روحت لأمي اللي كنت عارفة إنه كلمها في الموضوع قبل كدا وحاولت أقنعها بالموضوع لكن أمي رفضت رفض قاطع، وقالت إنها هتعيش عشاني وبس زي ما كانت عايشة ليا ولأخويا..
ولما قولتلها إن أنا نفسي موافقة إنها تتجوزه رفضت وطلبت مني مفتحش السيرة دي مرة تانية، وفضلت الأمور كويسة نوعًا ما لحد مطلعت مرة آخر النهار عشان كان فيه صوت جاي من على السطح، وقلقت يكون حاجة بتأذي الطيور فوق، ولما طلعت وقبل ما أوصل للسطح لمحت واحد واقف في آخر السطح، الشمس كانت غربت ومع ذلك كنت شايفاه، المُرعب إنه كان لابس نفس لبس أخويا قبل ما يموت، أعصابي كلها سابت وقتها ومكنتش قادرة أتحرك ولا أتكلم، فضلت أبص عليه وهو ورغم إنه وشه كان مضلم إلا إني اتأكدت إنه كان أخويا، وأول ما اتحركت ناحيته جري زي الصاروخ وطلع على السور ونط من عليه..
صرخت صرخة مكتومة وجريت وراه وبصيت ملقتش أي حاجة، قعدت على السطح وأنا مش قادرة أقف تاني من اللي شوفته وفضلت اتنفس مرة واتنين وتلاتة، وفجأة سمعت حاجة بتهمس ورايا، وأول ما بصيت لقيت أخويا الصغير غرقان في دمه واتكلم بصوت مبحوح خالص وقال
أول ما سمعت الكلمة فقدت الوعي تمامًا، وصحيت بالليل الساعة 11 تقريبًا على صوت أمي وهي بتنادي وبتقول (أنتي كل ده عندك بتأكلي الطيور)..
رديت عليها ونزلت بسرعة لأني كنت خايفة جدًا، نزلت أوضتي وشغلت قرآن وفضلت قاعدة لحد الصبح مش قادرة أتلم على أعصابي، وتاني يوم كنت خايفة وأنا طالعة للطيور بس استعنت بالله وطلعت، وكانت كل حاجة ماشية بصورة طبيعية تمامًا، وقررت مطلعش تاني بالليل عشان متحصلش حاجة تخوفني، بس بعدها بيومين وعلى الساعة 11 بالليل سمعت صوت أخويا بينادي من على السطح
رســـالة أخـــــيــــرة….رســـالة أخـــــيــــرة
(يا هيام)
(يا هيااااام)
شعر جسمي كله وقف لما سمعت صوته ومكنتش قادرة أنطق ولو بنص كلمة، قمت من مكاني وفكرت أصحي أمي بس مقدرتش، أمي ممكن يجرالها حاجة لو حست إنه ممكن يكون عايش، وأنا ماصدقت إنها بقت كويسة دلوقتي، طلعت وأنا بقدم خطوة وبرجع خطوتين لحد ما وصلت للسطح، وأول ما وصلت سمعت صوت بكاء، كان صوته هو وكان بيعيط، بصتله وأنا عنيا هتخرج من مكانها وبصوت خرج مني بالعافية قولتله
(أنت بتعيط ليه)
لقيته رد بنفس صوت الفحيح وقال
(عشان مبتطلعيش ليا بالليل، وكمان أنا عايز التليفون بتاعي)
وقبل ما أجاوبه سمعت صوت أمي بتنادي عليا، نزلت بسرعة وأنا بترعش لقتها بتسألني بكلم مين على السطح، اتحججت بأي حاجة وحمدت ربنا إن الجو ضلمة عشان متلاحظش جسمي اللي بيترعش، سألتها عن السبب اللي خلاها تصحى في الوقت ده، قالتلي إنها حلمت بأخويا بيعيط وعمال يقول أنا عايز التليفون بتاعي، خدتها عشان تنام مرة تانية وقعدت في الأوضة أفكر، لحد ما قمت من مكاني وقلبت البيت كله على تليفون أخويا، بس للأسف مكنش له أي أثر، ومبقتش عارفة أنا ممكن أعمل أيه..
لحد ما تاني يوم جتلي واحدة صاحبتي، كانت قريبة مني أوي، قعدت معايا أنا وأمي ولما شافتني حيرانة سألتني، ولقيت نفسي بحكيلها كل حاجة، الغريب إني شوفت نظرة غريبة أوي في عنيها، ولما سألتها قالتلي إنها كانت واقفة وسط الناس لما أخويا مات، وشافت عمي بيحضنه ويبكي وخد التليفون من جيبه، الكلمة صدمتني، وفكرت أروح أطلبه من عمي بس مكنتش عارفة هعمل ده ازاي، وتاني يوم قررت أدخل بيت عمي لما راح الشغل، وقابلت مراته اللي استقبلتني استقبال كويس..
فضلت قاعدة معاها لحد ما استغليت الفرصة ودخلت أوضة النوم، فتشت في الدولاب ولقيت تليفون أخويا فعلًا، خدته ورجعت البيت وقررت أطلع واسيبه على السطح طالما هو عاوزه، لكني قررت أفتحه وافتش فيه عشان أشوف أخر صورة وآخر فيديو على موبايله، وكانت صدمة العمر، لقيت فيديوهات وصور قذرة لأمي موجودة في معرض الصور، كنت هتجنن ومش فاهمة ده ايه، الفيديوهات واضحة بزيادة وفيها حاجة غريبة ومش حقيقية..
رســـالة أخـــــيــــرة….رســـالة أخـــــيــــرة
فتحت الواتساب ولقيت رقم غريب باعت الصور والفيديوهات دي لأخويا، وكان كل شوية يقوله أمك ست مش محترمة وبعد موت أبوك بتخرج تشتغل في الحرام، ولازم تهرب من البيت ده أو تمـ ..ـوت نفسك، مينفعش تعيش في بيت زي ده الناس هيعايروك بأمك وأختك بكرة تبقا زيها، الكلام كان بيرعبني وكنت ببكي بجنون، كلمت صاحبتي وحكتلها على اللي حصل قالتلي إن الفيديوهات واضحة أوي معمولة ببرامج هي والصور، بس أخويا عشان صغير متحملش، فيه حد كان عاوزه إما يموت أمك أو يموت أخوكي، ومكنش معانا غير الرقم ده، صاحبتي خدته وقالتلي يومين وهعرف هو مين..
بعد محادثة طويلة بينها وبين الرقم ده طلع رقم جديد لعمي، أيوة عمي اللي كان عايز يتجوز أمي ولما رفضته تمامًا عشان عيالها قرر إنه يأذيها في عيالها عشان توافق، وعمل الخطة دي عشان أخويا طفل ومش هيتحمل حاجة زي دي وإما هيأذي نفسه أو هيهرب ووقتها مش هتلاقي حد تلجئ له إلا عمي، خدت الموبايل ووديته للنيابة وكل حاجة بتثبت الجريمة وإن عمي المسؤول عن موت أخويا، وبعد تلت أيام من التحريات اتقبض عليه واعترف بكل حاجة..
يومها البلد كلها كانت قدام بيتنا بتواسينا وبيعتذرولنا، الغريب شالنا على راسه والقريب كان سبب في أكبر أذى لينا، بس مش مهم، المهم إن ربنا بيكشف المؤذي وينتقم منه ولو بعد حين، واللي بيحاول ياخد حاجة بالغصب مش بتاعته الحاجة دي إما بياخدها وبتأذيه أو بيخلص طاقته كلها ومبيقدرش ياخدها، ببساطة لأن كل حاجة في حياتك مقدرة ومحدش هياخد أكتر من رزقه، الله يرحم أخويا..

تابعونا على صفحتنا على الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى