
مكتبة النساء الغائبات
كلّ الكتب مصطفّةٌ بعنايةٍ
وفوضى
كأنّ النساء مشين على رؤوس أصابعهن
وتركْن الهواءَ مفتوحًا ..
…على أسرارٍ لا تقال
في الرفّ العلوي…
نساءٌ تعلّمن أن يكتبن رسائل حبّ ولا يُرسلنها
وفي الأسفل… أراملُ العزلة
كلّ واحدةٍ تحتفظ بفصلٍ ناقص من حياةٍ أُخرى
في الزاوية…
دفترٌ أزرق عليه غبارٌ أنيق
كتبت فيه امرأة…
“كنتُ أكتب… كي لا أموت”
الكتب هنا تُصنّف حسب الدموع التي بَلّلت هوامشها
وكم تنهيدةٍ سقطت بين فاصلتين
مثل كلّ المكتبات المنسية
الباب لا يُفتح من الخارج
ولا يُقفل
بل يُفتح من الداخل فقط
في المنتصف…
خزانةٌ زجاجيّة مغلقة…
لا مفاتيح لها
داخلها كتب مكتوبةٌ بخيوطٍ خفيفة
كأنّ من كتبْنها…
خشين أن يُزعجن أحدًا بالعبارات الثقيلة
كلّ صفحة… تشبه تنفّسًا مكتومًا
كلّ فاصلة… تنهيدةٌ مؤجّل
وكلّ نقطة… نَفَسٌ أخير
كتابٌ بلا عنوان …
على غلافه جملة واحدة
“لم أكتب لأشرح…
كنتُ أختبر قدرتي على الصمت”
وفي ركنٍ بعيد …
سجلّ قديم مكتوب بلغةٍ لا تُترجَم
لغةٍ تشبه ما قبل البكاء..
.. وما بعد الخذلان
النساء الغائبات لم يختفينَ تمامًا
هنّ فقط
اخترن أماكن لا يُسألُ فيها أحد…
..”لماذا لم تقولي؟”
ثمّة رفّ لا يصله الضوء..
تُرتّب فيه النساء كتبًا عن أنفسهن
بأسماءٍ مستعارة..
خشية أن يعثر النسيان على فرارهن
فيه قصائد بخطٍّ مرتجف
كُتبت حين كنّ على وشك..
.. أن ينسين أصواتهن
ومذكّرات تحوّلت إلى مرايا
لا تعكس الوجوه
بل قلوبًا تأخّرت في أن تنسى
في درجٍ صغير …
بطاقاتٌ أُعيدت لأصحابها
كُتب على بعضها….
“العنوان غير موجود”
وعلى الأخرى…”لا أحد ينتظر”
لا صوت للمكتبة…
لكنّ الجدران تحفظ الهمس
عن خيباتٍ نُسي نصفها
والنصف الآخر يُعاد ترتيبه كلّ ليلة
النساء الغائبات…
يكتبن
كي يظلّ في الكون أثرٌ
لمن مشين على أطراف الحكاية
دون أن يكسِرن السرد
في الطابق السفلي…
ممرّ ضيّق يشبه الذاكرة
فيه كتبٌ بلا تواريخ..
دفاترُ تفوح منها رائحة الأمكنة الأولى
وصوت امرأة تقول في كل صفحة
“لم أعد كما كنتُ…
… ولا أريد العودة”
ثمّة رفّ للأمنيات غير المكتملة
رسائل لم تُكتب… أغانٍ لم تُغنَّ
وأمهاتٍ …استيقظنَ من أحلامٍ طويلة
…إلى نهاراتٍ لا تنتهي
وضِعن في الضجيج
الكتب هنا لا تُقرأ …
بل تُلامَس كما يُلامَس جرح نازف
ليس في المكتبة باب خلفي…
لكنّ في الجدار درج صغير
حين يُفتح
يخرج منه هواء برائحة الأمل
فيه كتابٌ واحد…
كُتب بالحبر والدمع
صفحاته لا تُقلّب… إنما تُحتضن
عنوانه…
“حين نعود… لا نعود كما ذهبنا”
وفي الصفحة الأخيرة…
بصمة إصبع وهمسة…
“إلى كل امرأةٍ عبرت من هنا
وكتبت… ولو بصمت”
كان عبورك صدى لذاكرة الغياب
تركت فراغا يتسع لندبة
ويبرأ الوقت من خدعة النسيان”
تبعونا على صفحتة الفيس بوك