اخبار

تطور السياسات الداخلية في مصر في عهد الرئيس السيسي

بقلم: عبدالله سليم

منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عام 2014، دخلت مصر مرحلة مختلفة في إدارة شؤونها الداخلية. فبعد سنوات الاضطراب والانقسام، كان لزاماً على الدولة أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتثبت أركانها، وتضع أسساً جديدة للحوار مع المجتمع. لم يعد الهدف مجرد الحفاظ على مؤسسات الدولة، بل بناء جسور من الثقة بين القيادة والمواطنين، وإعادة إدماج الفئات التي ظلت لعقود خارج دائرة صناعة القرار، وفي مقدمتها الشباب.

الشباب من التهميش إلى صدارة المشهد

ما يميز التجربة المصرية في عهد السيسي أن الشباب لم يُنظر إليهم كعنصر ثانوي أو قوة مؤقتة، بل كشريك أصيل في صناعة القرار. لذلك جاء إطلاق المؤتمرات الوطنية للشباب ليشكل نقطة تحول كبرى، حيث أصبح الشباب يطرحون أسئلتهم وينتقدون السياسات أحياناً بشكل مباشر أمام الرئيس نفسه. هذه الحالة من المكاشفة العلنية أرسلت رسالة قوية بأن حرية الرأي والتعبير لم تعد مجرد شعارات، بل جزءاً من المعادلة السياسية الجديدة التي تتبناها الدولة.

مؤتمرات الشباب ساحة للمكاشفة والنقد

المؤتمرات الوطنية لم تكن لقاءات دعائية، بل منابر سياسية حقيقية، جلس فيها الشباب إلى جوار المسؤولين. وبحضور الرئيس، تحولت الجلسات إلى حوار مفتوح يشارك فيه الجميع، ويُسمح فيه بالنقد الجريء والمكاشفة بلا خطوط حمراء تقريباً. هذه التجربة الاستثنائية في المنطقة عززت شعور الشباب بأن صوتهم مسموع، وأن الدولة تستمع بجدية وتترجم التوصيات إلى خطوات عملية مثل تأسيس الأكاديمية الوطنية للتدريب، وفتح برامج لتأهيل الكوادر الشابة لتولي المسؤولية.

مصانع إعداد القيادات الجديدة

إدماج الشباب لم يتوقف عند حدود الحوار، بل امتد إلى العمل التنفيذي. فقد أُطلق البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، الذي أفرز دفعات شابة التحقت بمواقع مؤثرة في الجهاز الإداري للدولة، ثم جرى تأسيس الأكاديمية الوطنية للتدريب لتكون مصنعاً لإعداد قيادات جديدة. الهدف لم يكن فقط تكوين كوادر إدارية، بل غرس ثقافة سياسية جديدة قائمة على التعددية والقدرة على الحوار والنقد البناء. هذه التجربة أعادت الثقة لدى الشباب بأن المستقبل ليس حكراً على النخب التقليدية.

لغة سياسية جديدة أقرب إلى الناس

ما عزز هذا التوجه هو التحول الكبير في لغة الخطاب السياسي. فقد اعتاد المصريون لسنوات طويلة على لغة رسمية جامدة، لكن الرئيس السيسي أدخل أسلوباً مختلفاً يعتمد على المصارحة. لم يتردد في الحديث علناً عن حجم التحديات الاقتصادية أو عن أخطاء الماضي، بل دعا المواطنين، وخاصة الشباب، إلى المشاركة في تحمل المسؤولية وصياغة الحلول. هذه اللغة الواقعية عززت الإحساس بوجود عقد اجتماعي جديد يقوم على المكاشفة والتشارك في القرارات المصيرية.

الحوار الوطني خطوة نحو التوافق

إعلان الحوار الوطني في عام 2022 كان تجسيداً لرغبة الدولة في إشراك كل التيارات، بما فيها المعارضة والأحزاب والمجتمع المدني، في وضع تصور مشترك للمستقبل. ما يميز هذه التجربة هو أنها أتاحت مساحات واسعة للنقد والمراجعة، وجعلت الحوار السياسي جزءاً من السياسات الداخلية الرسمية. وقد جاء ذلك ليؤكد أن الجمهورية الجديدة ليست مجرد مشروعات عمرانية وتنموية، بل أيضاً بناء حياة سياسية أكثر شمولاً يشارك فيها الجميع.

الحريات الشبابية في صلب السياسات

من أبرز ما يميز المرحلة الحالية أن الدولة سمحت للشباب بممارسة النقد في إطار مؤسسي منظم. في المؤتمرات والحوارات، تحدث شباب عن قضايا الفساد والبيروقراطية والبطالة أمام الرئيس مباشرة، دون خوف من عواقب سياسية. هذا المناخ الجديد عزز الثقة في أن حرية الرأي والتعبير أصبحت مكفولة في حدود القانون، وأن الشباب لم يعودوا مجرد متلقين للقرارات بل فاعلين في صياغتها. كما أن مؤسسات الدولة بدأت تُشرك الشباب في المبادرات المجتمعية والسياسية، ما جعلهم جزءاً من الحلول لا مجرد ناقمين على المشكلات.

الاقتصادكلمة السر في حوار الدولة مع شبابها

التحديات الاقتصادية الكبرى لم تغب عن هذا الحراك السياسي. فقد كان الرئيس حريصاً على أن يضع الشباب أمام الحقائق كاملة: من صعوبة الإصلاحات، إلى تبعات القرارات الاقتصادية على حياة المواطنين. وبذلك تحول الاقتصاد إلى قضية نقاش عام، حيث أصبح الشباب يناقشون خطط الإصلاح، ويقترحون حلولاً بديلة، ويعبرون عن مخاوفهم بحرية. هذه الشفافية صنعت حالة جديدة من الوعي السياسي والاقتصادي، وأسست لثقافة المشاركة في مواجهة الأزمات، بدلاً من انتظار الحلول الجاهزة.

خاتمة: شراكة من أجل المستقبل

في المحصلة، فإن السياسات الداخلية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي لم تقتصر على الأمن والاستقرار أو بناء البنية التحتية، بل امتدت إلى بناء جسور من الثقة مع المواطنين، وعلى رأسهم الشباب. من المؤتمرات الوطنية إلى الحوار الوطني، ومن حرية النقد العلني إلى إشراك الشباب في صنع القرار، كلها مؤشرات على تحول سياسي عميق يضع الحريات الشبابية في قلب الجمهورية الجديدة. وبين التحديات المتبقية والإنجازات المحققة، تبقى التجربة المصرية مثالاً على أن الحوار والانفتاح هما الطريق الأمثل لبناء مستقبل مستقر ومتوازن.

تابعونا علي صفحة الفيس بوك 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى