فنمقال

الفصل الأول من رواية”ثالث ثلاثة” للكاتب أشرف المسمار

كتبت: حنان محمد

ثالث ثلاثة

في واد ضبابي في جبال الكاربات1، ضمن محيط غابة من الأشجار العالية. تسير ببطء، أمامك سلالم عالية، تزيد عدد درجاتها عن الألف ونيف، تؤدي إلى بوابة القلعة. قلعة بران المشهورة بـ قلعة دراكولا المرتبطة بالأمير الروماني في القرن الخامس عشر، “فلاد المخوزِق” رغم أنه لم يعش هناك أبدًا. وقد عرف بهذا الاسم بسبب قتله وتعذيبه الكثير من مخالفيه وأعدائه بالخازوق.
تصل إلى مدخل القلعة الواقعة على صخرة شاهقة، حيث جدران القلعة القديمة السوداء تطل من علٍ على أبدع منظر من الطبيعة حيث التلال والوديان المجاورة تشبه العيون البشرية. تحيط بها الأشجار العالية المغطاة بالضباب في كثير من أشهر السنة. هي كذلك، ما زالت على حالها على الرغم من مرور مئات السنين.
في ساحتها التي تتوسط القلعة بئر عميق، نُقِش على جداره “لديك الماء، لكن ليس لديك الروح”.
للصعود من طابق إلى آخر نحو الطوابق العليا في القلعة تستخدم دهليزًا ضيقًا جدًا و أحيانًا بعض الأبواب السرية وصولًا إلى إحدى الطوابق، تحتوي إحدى غرفه على ممتلكات دراكولا.
كما تتضمن أصعب الأماكن الموجودة في القلعة، غرفة التعذيب… يخرج الزائرون منها وعلامات الاستياء تظهر على ملامحهم وكأن صور وأصوات المعذبين تملأ المكان ولم تغادره. فيها كل أدوات التعذيب من خوازيق وكراسٍ مليئه بالمسامير وأجهزة لشد أجسام الضحايا وصفائح تستخدم لشواء الناس. سوف تجد فيها أيضًا لوحات مكتوبة على الجدران توثق الكثير من ذلك.
الغرفة مليئة بأدوات التعذيب الوحشي مرفقة بوصف دقيق لسبب استخدام كل نوع منها مع رسومات تظهر كيف كانواموقع يعذبون الناس في تلك الفترة.
يلاحظ دماء حديثة على بعض الأدوات وآثار وبقايا بشرية لم تجف بعد وكأن حدثًا، للتو قد وقع.
نافذة هذه الغرفة الجريرة الآثمة، تطل على الساحة. ستفاجئك تلك الآلة المعدنية غريبة الشكل وكأنها وضعت حديثًا وفي غير مكانها: أشبه بقضيب معدني طويل وحاد يخترق جسد رجل شاب متوسط الحجم من ناحية ويخرج من الناحية الأخرى. هي الخازوق: وسيلة إعدام وتعذيب قديمة.
يلاحظ وكأنها تلافت اختراق منطقتي الكبد والقلب، وهذا ما كان يُعتمد بُغية تأخير موت الضحية وزيادة عذاباتها.
يسود هدوء مريع، وصمت مطبق تقطعه أصوات ضئيلة، وبقايا من أشياء متناثرة. يغلف الجو حالة من الغموض والتوتر يصعب تفسيرها. كان الظلام قد بدأ يتوارى، فيما يتدلى فتيل ضوء من السماء ربما يكشف شيئًا من الالتباس الذي يحيط بالكثير من تفاصيل هذا المكان الذي شهد حدثًا جللًا.
كان قد تجمع نفر من المحققين ورجال الشرطة، منهم من يُبعد غير المعنيين ممن تواجد، وآخرون يلتقطون صورًا وقد أحاطوا هذا المكان المفتوح، ما أطلقوا عليه “ساحة الجريمة”، بشرائط صفراء خاصة، مع الأخذ بالحسبان إمكان وجود عدة مسارح للجريمـة الواحـدة، كأماكن مرتبطة بالإعداد لها أو تهيئة ظروف تنفيذها، وكذلك المكان الذي قد تُنقل إليه الجثة أو مكونات الجريمة وآثارها، بهدف التمويه والتضليل.
يتابع آخرون إقفال جميع المداخل المؤدية إلى مسرح الجريمة وتسجيل أسماء جميع الحاضرين وسبب حضورهم علمًا أنهم قلة، لأن التوقيت هو الصباح الباكر وبالكاد فتحت القلعة أبوابها. يعاينون عن كثب كل التفاصيل، بوجود أخصائيين وخبراء بلباس أبيض. يكشفون على الضحية ويجمعون الأدلة والآثار الممكن تواجدها داخل مسرح الجريمة.
يظهر على الضحية العديد من من السحجات وما قد يشير إلى شجار وعراك ربما قد حدث.
بالإضافة لوشم بارز:
“يام” لديك الماء، لكن ليس لديك الروح.
وندبات لشقوق على الصدر والساعد، بالإضافة لتوزع شعر جسمه وكأنه قد نتف بعضه عشوائيًا أو نبت على عجل.
على الرقبة ما يشبه آثار أنياب.
يتفحصون ما تحت الأظافر علها تخفي أنسجة ممن يُفترض أن يكون الفاعل. يفتشون الضحية ، ويعزلون حاجاته الخاصة والتي كانت من ضمنها أوراق أشبه برسائل.
أول ما تم البحث عنه ومصادرته، وهو أشبه بالصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، الرقيب الذي يوثق كل شيء ويكشف كل مستور: الهاتف المحمول.

كانت قد طرحت شركة سياحية2 مسابقة ترويجية لاختيار شخصين يقيمان خلال الليل في قلعة دراكولا، وذلك لأول مرة على الإطلاق منذ أن طَرد النظام الشيوعي في رومانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مُلاك القلعة؛ الملكة ماريا صاحبة القلعة حتى عام 1920، وهي من عائلة هابسبورغ. ثم ورثتها بعد وفاتها ابنتها.
وقالت إن الفائزين الاثنين المغامرين، سيصلان القلعة بواسطة عربة تجرها الجياد، يدخلاها ويستكشفانها وصولًا إلى متاهة من الدهاليز المظلمة التي تكثر في القلعة وتشتهر بها، ليكتشفا في نهاية الأمر ممرًا سريًا إلى قاعة الطعام الرئيسية. وهناك سيكون في انتظارهما عشاء على ضوء الشموع تم إعداده بالطريقة التقليدية لمصاصي الدماء، مثلما ورد ذكره تمامًا في الرواية الخيالية ل برام ستوكر. وجبة دسمة تُثري الدم من شرائح اللحم البقري والدجاج بالفلفل الأحمر. وأدوات طعام ذهبية. ثم يقضيان ليلتهما في تابوتين مبطنين بالمخمل. وحدث أن غاب عواء الذئاب وطال في هذا الليل نباح كلاب بصوت خاص.

صباح اليوم التالي وعند وصول من يشرف على القلعة والمسابقة، وُجد الضحية الشاب ميتًا على الخازوق..
كما فُقِد أثر مرافقته الألمانية غريبة الأطوار ‘فردفالد’ Verdwaald

تابعونا على صفحة الفيس بوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى