ثقافة

الجزء الثاني “الرسالة الثانية” للكاتب أشرف المسمار.

كتبت: حنان محمد

الرسالة الثانية

أزهرت حياتي بذلك الصباح حين كنتَ أنت، حين أصبحتَ ذاك الرجل الرجل الذي طالما كان هاجسي وطالما بحثتُ عنه.
كنتَ أنتَ من سعيتُ أن ينسيني زمنًا مضى، أن يصالح بيني وبين نفسي وصولًا لمحاولة نسيان كل ذلك الألم الذي ألم بي فيما خلا من حياتي وما تعرضت له من صدمات ومآسٍ وأحداث أحالتني إلى نكرة. صرت بعدها أعيش في تيه بلا طريق وبلا خطى وبلا مقاصد، هائمة على وجهي.
وجدت فيك الثقة بالنفس التي بدَّدَتها كل تلك الاهتزازات النفسية التي صارعتني فصرعتني.
وجدت فيك قوةً لمتابعة هذه الحياة، فلا بد للعيش في مجتمع شرقي من رجولة نتمتع بها، حيث امتيازاتها لا تعد ولا تحصى في مقابل الغبن والسطوة والظلم الذي تتعرض له المرأة التي تظل محكومة بضوابط مجتمعية وأعراف لا تواكب عصر التكنولوجيا الذي نعيشه. خلافًا للرجل الغني بقدرٍ أعلى من الحرية والتسلطية والسيادية، خاصة في زمن الحرب الذي أرغمني عنوةً على الهجرة غير الشرعية تاركة هذا الشرق قاصدةً الغرب الحُلُم، الذي سوف يعيد خلط أوراق كياني وذاتي وكينونتي.
رأيت فيك أمانًا طالما أتعبني فقده لحد الضياع في زوايا هذه الدنيا.
أتدري معنى أن تجد المرأة الأمان؟ إنه روحها التي بها فقط تستطيع أن تجد ذاتها..أن تحيا بلا خوف …
أردتك بكل ما يملك قلبي من مشاعر، وأحتاجك كالنَفس، كدقات القلب، كالماء والزاد: لأجد بك “أناي” التائهة.
أردتك لأكسر جليد ذكريات تشعرني بالبرد، وكأن جسدي لعنة لهذه الروح، يرهقها ويتعبها لحد العجز عن تنهيدة حتى.
عشقتك حد الذوبان بك، أسرتني قوة الرجل ونضجه وحيويته، وعضلاته المشدودة، عضلات الكتفين العريضة والذراعين المفتولين، في مقابل كرهي ونفوري الشديد من عضلات الصدر التي قد تعيد الى ذاكرتي صورة ثديي المرأة.
حين صرت منك ولك وجدت نفسي داخل الدوامة ذاتها لا أرى إلا ظلمات…. أيعقل أن عينيّ عاجزتان عن رؤية ألوانٍ تجافي السواد؟
كيف لحلم أردته وحاربت لأجله… أن يخونني؟
أكنتَ سرابَ شدَّة ولهي بك؟ سراب صورٍ كنت أنت فيها النجاة؟ سرابًا استنفد قواي في ملاحقتك حتى أتعبني، وكلما منه اقتربت أجد نفسي أبعد …
لم خذلتني؟ أرأيتني لست أهلًا لهذه الحياة التي حلمت بها؟
أكنت غبيةً جدًا ومتهورة جدًا في رسم قدرٍ تخيلته حتى مللتَ مني ومنه؟
أعلم أنك تتجنبني، تتجنب طيفي حتى وكأن ما يمكن أن يعيدك إليَّ يكاد يفتك بك. تتجنب رؤيتي حتى في الصور الفوتوغرافية، كمتعجرف ينظر إلى طفلٍ رثٍ يبحث عن بقايا طعام في قمامة نتنة. تتجنب أن تشعر بي وإن كانت مشاعري تهاجمك في مواقف شتى فلا ترى إلا نفسك التي تسعى لصقلها وصقل هذا الكائن الجديد الذي صرته أنت.
أشعر بنظرات الشفقة التي تبثني إياها، أدرك وأفهم هروبك مني.
من أنا بالنسبة إليك؟ شخص تحبه وتحترمه وتخاف عليه دائماً؟ لأنني كنت فاقدة الكثير من الأمور والحاجات، وقررت أن تعوضني عنها؟ ربما تحبني كحبك لحيوان أليف أو قطة عايشتها زمنًا ولّى.
“يم” أنا، أتذكُر اسمي؟ ذاك البحر الهائج الذي لا يُمكن للإنسان أن يُدرك قعره الذي امتلأ بالكثير من الاضطرابات حتى ارتبط بمعاني الهلاك والعذاب. وأنا سأسميكَ “يام” على اسم ابن نوح الضال الذي غرق في اليم.
من يا ترى منا يَغرق في الآخر ومن سيُغرق الآخر؟ من سيُهلك من؟ كلانا يعلم أني كنت الأقوى، ولولا أنا ما كنت أنت…
أتدري! بي رغبة قاتلة بالصراخ لحد انقطاع الصوت والنفس. بي رغبة بإحراق الدنيا، ربما بنار عجزي، وهي التي طالما أحرقتني بذاتها وبناسها وأفعالهم تجاهي.
بي رغبة لحد جنون في الانتقام منك، يقينًا سأقتلك كما تكررت محاولاتك قتلي. لا يشوبني الشك أن أحدنا سيقتل الآخر ويجهز عليه نهائيًا.
أغرس في صدرك سكينًا كلما تذكرت ابتسامة مسمومة من وعودك بحياة أفضل. أريد قطع أوردتك، استباحة وتينك ورؤية دمائك تسيل بقدر ما بكيتُ أنا على خيبتي.

ستعاني بقدر ما أحببتك تمامًا…
ثم… أين صغيرتنا ‘نونو’ من كل ذلك.

تابعونا على صفحة الفيس بوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى