مقال (من تكريم الهلس إلى مسيرات إيران) للمفكر الكبير الدكتور أمان قحيف.
كتب حنان محمد
من تكريم الهلس إلى مسيرات إيران
عندي أن ما حدث في جامعة بالقاهرة عندنا وتكريمها لناشري الهلس لم يأت من فراغ ولم يكن ضربة لازب .. إنه أمر مخطط له ومدروس بعناية فائقة ،
وله أهدافه ويحمل دلالاته التي لا تخفى على عقلائنا ، هذا إذا كان فينا – كشعوب – مَن يتعقل الأحداث ويعي مراميها .
إن هذا الحدث يشير إلى أن الغرب لا يقبل لنا إلا أن نكون كذلك ..
أي أن يكون نجوم مجتمعاتنا هم أمثال كزبرة ، وحمو بيكا وشاكوش ، وأبو حمالات ، والملاحدة ، والقمني .. وغيرهم من لاعني ثقافتنا ، وكارهي تراثنا ، وناقدي ديننا ، والناقمين على حضارتنا ، وقوميتنا ، وكل ما يمثل هويتنا.
وللحق أن الغرب لا يريد هذا بالعرب أو بالمسلمين وحدهم بل يريده للشرق عمومًا ، فقد قرأت أن سفير بريطانيا كان يمر في سيارة مع قنصل بلاده بأحد شوارع نيودلهي عاصمة الهند ،
فرأى هذا السفير شابًا هنديًا يركل بقرة ،
فلما رأى السفير هذا المشهد نزل من سيارته مسرعًا، ونهر الشاب ، ووقف أمام البقرة يعتذر لها ،
ويطلب منها المغفرة لهذا الشاب الذي وصفه بالأحمق حيث لا يعترف للبقرة بقدسيتها ، ولم يدرك مكانتها ، لم يذق طعم بركتها .. ولما بالت البقرة ،
وقف السفير يلتقط بعض بولها في يده ويمس به بعض أجزاء من وجهه . فاندهش القنصل – الذي كان يرافقه في السيارة – لذلك الموقف وسأله ، هل تؤمن بأن البقرة مقدسة فعلًا ؟ !! .
فقال السفير : لا طبعًا .
فقال القنصل باندهاش : إذا لماذا فعلت هذا ؟. فرد السفير قائلًا : لنرسخ في الهنود تقديس البقرة ؛ لأن تقديسهم للبقر يعد من الأسباب التي تضمن لنا أن نظل على قمة العالم حضاريًا !!.
إن ركل الشاب للبقرة يمثل ظهور حالة من الوعي الجديد ، إنه يمثل التمرد على الخرافات والترهات .. والغرب لا يرضيه أن يمتلك الشرق وعيًا جديدًا على الإطلاق ، بل يريد له الانغماس في التفاهة والأضاليل ، والعيش في الاعتقادات الفاسدة ، والأجواء المثبطة للفكر الحر ولأساليب التفكير النقدي .
من هنا يسعى دائمًا إلى دعم السطحية ، ونشر الخرافات ، وتكريم مغني المهرجانات ، وإشاعة الخزعبلات ، ودعم ناشري المثبطات الحضارية ، والمتطاولين على العقائد الصحيحة .
لقد تسبب سلوك السفير البريطاني – بحسب الرواية – آنذاك في أن اندفع الهنود نحو الشاب الواعي وأشبعوه ضربًا ، ثم سجدوا معتذرين جميعًا للبقرة ، طالبين منها العفو على نحو ما فعل السفير البريطاني أمامهم وقتذاك .
وما حدث من تكريم الجامعة الألمانية لمغني لا صلة له بأسس الفن
ولا بأصول الإبداع ليس أكثر من وجه آخر من وجوه دعمهم لسيادة التفاهة في مجتمعاتنا ، وهو أيضًا تكريس لرغبتهم في سيادة وانتشار العبث والعدمية في ديارنا العربية .. بل في مختلف المجتمعات الإسلامية والشرقية بشكل عام .
يحدث هذا منهم ليظل أقصى إنجاز للأمة أن تتفق إيران مع أمريكا على الانتقام لقتلاها عبر إرسال مجموعة مسيرات محددة المسير ، ومعلوم توقيت انطلاقها بالدقيقة والثانية ،
ويتم الاتفاق على أنه سيتم تفجيرها في الفضاء قبل أن تصل أراضي أبناء العم سام ، ولو وصلتهم لا قدر الله ، فمرسوم لها بدقة أن تسقط في مناطق صحراوية قاحلة ،
على أن يكون ذلك مصحوبًا بإعلان إيران الفوري والسريع
بأنها قد انتقمت كل الانتقام لقتلاها ، وأنها لن تعود لمثل هذا الفعل مرة أخرى !! .. وإلا سيكون العقاب الغربي لها أشد بكثير من قتل القادة الذين تم اغتيالهم والقضاء عليهم في السفارة الإيرانية بدمشق بدم بارد .
من هنا – وإن صح هذا – فإياك أن تحدثني عن وجود صراع بين إيران وهؤلاء القوم مرة أخرى .. إنها تقر لهم بأن يفعلوا ما يشاءون ، وأن يقتلوا مَن يريدون مقابل ما تحصل عليه من منافع ومكاسب أيديولوجية / أي نشر الانتماء الشيعي ..
على أن يتمثل آخر رد فعل منها في إطلاق مجموعة من البمب يتم تفجيرها في الفضاء ، ولا يتجاوز الأمر ذلك على الإطلاق .
ومعلوم أن ثمن هذا هو صمت الأمريكان أو دعمهم لنشر المشروع الصفوي الشيعي – بحساب – لتخويف بعض الدول العربية في الخليج من إيران ،
وبناء عليه يتم تقاسم ثرواتهم معهم – ومعها –
تحت ذريعة حمايتهم ، وتنميتهم ، وتحقيق استقرارهم ، وفق شروط غربية معلومة ، أهمها الانغماس في اللهو الفكري ، والعيش في العبث السياسي ، والعيش على الاستيراد دون الانتاج .
وإياك قارئي الأعز – إن صح هذا – أن تحدثني عن قيادة إيران لجناح المقاومة في المنطقة بعد الآن .. إنها قوة تعمل بالاتفاق مع الغرب على تنفيذ أجندة خاصة لها وللغرب في بلاد العرب ،
تلك البلاد التي لا تسعى جديًا إلى كسب طاقات أو صناعة قدرات ذاتية تعينهم على مواجهة قوة خصومهم أو مناهضة المتربصين بهم من أعدائهم .. وينشغل دعاتهم وقادة رأيهم بالكلام ليلًا ونهارًا في قضايا الحيض والنفاس .
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
وهناك جزئية مهمة تقتضي الموضوعية الإشارة إليها والتنبيه إلى إمكانية وجودها ، وهي أن الإيرانيين ربما رأوا أن من العقل عدم الإصرار على مواجهة الغول الأمريكي المتحفز والمتأهب – بدعم أوربي –
لمواجهتهم ومنازلتهم مسخرًا كل إمكانياته العسكرية والمادية والإعلامية ضدهم ، مع تراجع الدعم الإسلامي عن دعمهم ومؤازتهم في موقف كهذا الموقف الذي لا يتحمله إلا الكبار في كل شيء .