ثقافةقصص

“انا بشوف واحد ماسك صليب وواقف قدام سريري بالليل”

بقلم الكاتب/ أحمد محمود شرقاوي

“انا بشوف واحد ماسك صليب وواقف قدام سريري بالليل”
شعور مخيف جدا بيخلي قلبك يرجف جوة صدرك، وأنفاسك تتسارع، وشعر جسمك كله يقف، بتحس بكهربا بتجري على جلدك اللي بيصاب بالشلل وقتها..
وللأسف دي بقت حياتي، عبارة عن جحيم مقيم بعد ما وقعت في أصعب موقف ممكن تقع فيه بنت لسة مكملتش عشرين سنة، وعرفت وقتها ان فيه مشاعر الألم والخوف والرعب ميقدروش يوصفوها، ومن هنا كانت حكايتي..
بنت حساسة زيادة عن اللزوم، اقل موقف ممكن يأثر فيها وياكل من مشاعرها ويخليها تبكي لساعات طويلة، شايفة الدنيا قاسية جدا وانها جت في المكان الغلط، أضعف من انها تتعامل مع العالم والناس دول..
روحت زورت دكاترة نفسيين كتير اوي، بس دايما كان جوايا حاجز تجاه الناس، مش قادرة اشوف منهم غير الشر والكره والحقد والغل، اقل كلمة كانت بتأثر فيا زي الخنجر اللي ممكن يقطع في جسمك..
والناس كانت بتبدع في انها ترمي كلام قاسي جدا، بل كانوا بيستغلوا صمتي وهدوئي عشان يضايقوني، وصلت لمرحلة اني بقيت مبتكلمش غير كام كلمة كل يوم، مريضة نفسها تموت وتمشي من العالم كله..
في اليوم ده رجعت متأخرة من الكلية بسبب زحمة المواصلات، أو بسبب اني مكنتش عارفة أحارب وسط الناس عشان الحق كرسي في العربية، واتأخرت عن ميعادي يجي ساعتين..
وقابلني والدي يومها بالزعيق والاستهجان، كلامه كان قاسي جدا، استحملت دقايق من الكلام الجارح لحد ما في النهاية هربت، هربت لمملكتي اللي دايما كانت بتحتويني مهما كانت حالتي..
سطح البيت بتاعنا، وبما اننا في الأرياف فمن بعد المغرب المكان كله بيبقا صامت كأنك في أرض الأموات، وكان ده ملاذي الأول والأخير، عملت زي خيمة صغيرة مفتوحة وبقيت اقعد فيها بالساعات..
اذاكر
اتأمل الصمت والهدوء
حتى اني كنت بكلم نفسي
وجريت على السطح، وقعدت في الخيمة والحزن بياكل في قلبي، كانت كل كلمة قالها والدي محفورة جوايا وعمالة تتعاد في ذهني مرة واتنين وعشرة، وبدون وعي مني ووسط الهدوء وظلام الليل قعدت أبكي..
بكيت كتير اوي وانا ببص لنجوم السما واشتكيلها من قسوة العالم اللي انا عايشة فيه ده، وفضلت الدموع تنزل من عيني وانا شاردة وببص للسما..
بس اللي حصل كان مخيف، فجأة لمحت زي طائر ضخم عدى من قدام عنيا بسرعة البرق، جسمي كله اتنفض وقلبي دق بسرعة، انا واثقة من اللي انا شوفته ده، فضلت ابص يمين وشمال مشوفتش أي حاجة غير فراغ، وده لأن بيتنا كان أعلى بيت في المنطقة، غير ان المكان كله ضلمة، مغيش غير ضوء النجوم الضعيف..
فضل قلبي يدق وانا خايفة بس بعد دقايق هديت كتير، بس الموضوع اتكرر من تاني، في لمح البصر عدت حاجة في الفراغ، حاجة ضخمة كأنه نسر بجناحات كبيرة اوي..
وقتها حسيت بجسمي بيتقل ورجليا منملة اوي، مش قادرة حتى اقف مكاني، مفيش لحظات وشوفت طائر ضخم جدا بيقف على سور السطح وبيبصلي، انكمشت مكاني في زاويا السطح وانا مبرقة ناحيته وجسمي عمال يتنفض من الرعب..
كان شبه النسر بس كبير جدا، وكان فارد جناحاته وهو واقف على السور، كانت جناحاته ضخمة وكأنها بحجم السطح، ولما ركزت في وشه شوفت وش بشري مش وش طائر، لونه كان أبيض بلون التلج وكان مبتسم وهو بيبصلي..
الموقف كان مفزع، كنت مشلولة مكاني مش قادرة اخود نفسي حتى، نط على ارض السطح ومشي ناحيتي في هدوء، عينيه وقتها ظهرت ليا، استحالة تكون عين طائر، دي كانت عين انسان، وشه نفسه كان شبه وش القرد، فضل يقرب ويقرب وانا عايزة حتى أصرخ بس مش قادرة..
وشوفته بيحاوط جسمي بجناحه، وقتها بس وقعت في غيبوبة من كمية الرعب اللي كنت حاسة بيه، فقت من نومي على نور الشمس اللي كان صعب اوي، قمت لقيت نفسي مكاني على السطح، كنت حاسة بصداع غريب وارهاق في جسمي كله..
نزلت بسرعة بعد ما افتكرت الموقف اللي شوفته امبارح، حاولت أوهم نفسي انه كان مجرد حلم، ونزلت وروحت على الكلية، بس بسبب الصداع مقدرتش أكمل اليوم ورجعت بدري..
ومن شدة الارهاق دخلت عشان انام، وفي نومي شوفت نفسي واقفة في أرض واسعة جدا، وكانت كلها من الجليد ولونها ابيض، فضلت ادور حولين نفسي وانا متعجبة من وجودي في المكان ده..
وفجأة ظهر نفس الطائر، بس وقتها مكنتش خايفة بقدر ما كنت متعجبة وعايزة أفهم ده ايه، لقيته قرب مني وفرد جناحه عشان اطلع عليها، وفعلا عملت اللي طلبه مني، وكل اللي قاله:
– انا الحارس، تسمحيلي أدخل حياتك
وبابتسامة واسعة هزيت راسي ووافقت..
صحيت من نومي حاسة اني مبسوطة جدا، كأني كنت في مملكة في عالم تاني، وقتها كانت الساعة ١٢ بالليل، قمت شربت وقعدت شوية وبدأ النعاس يهاجمني، دخلت اوضتي وحاولت انام..
بس بعد شوية صحيت على صوت غريب جمب سريري، الصوت كان عامل زي الترانيم، وكانت فيه حرارة غريبة جدا في الاوضة، فتحت عنيا وبصيت قدام السرير، وشهقت شهقة موت..
عنيا برقت وجسمي كله اتشل حرفيا، شوفت واحد لابس اسود في اسود وماسك صليب مشتعل في ايده وبيلف حولين سريري، ومن جسمه كانت فيه حرارة وكأنها طالعة من فرن مولع بالنار..
كنت بتشنج، بشهق بصوت خشن، وبتحرك زي المعاقين بعشوائية شديدة، وهو كان مستمر في انه يلف حولين سريري، حاولت اردد أي حاجة من القرآن مقدرتش أهمس بحرف واحد، وبقيت أراقبه بعنيا وبس..
وفي النهاية قرب مني وحط سن الصليب على دراعي، وحسيت بنار بتاكل في جسمي كله، حفر صليب على ايدي ووقتها بس قدرت أصرخ بأعلى صوت..
أمي جتلي فورا واترميت في حضنها وفضلت أصرخ واتنفض بين ايديها، ابويا جه بعدها وهو مش فاهم حاجة، في النهاية قولتلهم اني شوفت كابوس، ولقيت نفسي بخبي ايدي اللي كان محفور عليها صليب..
تاني يوم كنت مرهقة جدا، وجسمي كله بيوجعني كأني عجزت عشرين سنة، مقدرتش أروح الكلية بتاعتي خالص، وفضلت يومها في السرير من التعب، شوية انام واشوف كوابيس مخيفة، وشوية أصحا، وفضلت كدا كتير لحد ما جه الليل..
بس بالليل كان عندي ميعاد مع الفزع، بعد منتصف الليل ظهر نفس الكيان الأسود وهو شايل نفس الصليب وفضل يدور حولين سريري، جسمي مبقاش قادر يتحمل موقف جديد من الرعب ده، القشعريرة اللي بتمسك جسمي وقلبي اللي بيبقا عايز يخرج من مكانه من الرعب..
شكله كان مخيف وصوت الترانيم كان بيخلي جسمي يتنفض مرة واتنين وعشره، وشوفته من تاني بيقرب مني، وقتها صرخت من تاني بأعلى صوتي، صرخة رهيبة خلت ابويا وامي ييجوا من تاني، فضلت أبكي واتنفض بين ايديهم وانا خايفة حتى ابص عشان مش عايزة أشوفه..
وقرر والدي ياخدني لشيخ بعد ما اتصدم بشكل الصليب على ايدي، وفعلا تاني يوم خدني وروحنا لشيخ معالج، وأول ما عنيا وقعت عليه شوفت كائن شكله غريب، كأني شوفت سحلية على شكل بني آدم، حسيت برعب وقتها وبدون وعي مني شوفت حجر ضخم، مسكته وحاولت أضرب بيه الكائن المخيف ده..
بس والدي مسكني بالعافية وحسيت بضربة عنيفة بتنزل على دماغي، الحجر وقع من ايدي ولقيت دموعي بتنزل بغزارة من عنيا، بعدها لقيت نفسي قدام راجل عجوز عنده دقن بيضا ومبتسم..
مبقتش فاهمة انا شوفته بالشكل المخيف ده ازاي، وليه كنت هضربه بالحجر كمان، بصلي الشيخ بكل هدوء وقالي:
– ازيك يا رحاب
رديت عليه ودموعي لسة بتنزل:
– مش كويسة خالص
– طيب ممكن تحكيلي عن حياتك شوية
قالها وبص في عنيا بصة قوية اوي، بصته ليا خلت شعور يتولد جوايا اني عايزة احكي، احكي كل حاجة في حياتي..
حكتله عن كل الظلم اللي اتعرضت له في حياتي، واني مبعرفش اتعامل مع الناس وخبثهم وصفاتهم الوحشة، واني دايما الكلام بيأثر فيا ومبعرفش اتعامل أو ارد على حد..
ابتسم بعدها ابتسامة مريحة جدا وقالي:
– يا بنتي ربنا حرم الظلم، ومن أشد أنواع الظلم هو ظلم النفس، وانتي كدا بتظلمي نفسك، لازم تتعلمي توازني بين انك متظلميش الناس وفي نفس الوقت متظلميش نفسك أو تسمحي لحد انه يظلمك
لازم تعرفي ان ربنا خالق كل حاجة بمقدار، خلقك قلبك ابيض عشان يجازيكي خير، وفي نفس الوقت خلق لك عقل بيفكر، ومينفعش نستسلم للحياة وصعوباتها بالبساطة دي
كلامه كان مريح جدا، انا ليه بظلم نفسي وبسمح للناس تظلمني طالما مبظلمش حد، حكيتله عن اللي حصلي من يوم ما شوفت الطائر ده والراجل اللي بشوفه ماسك صليب، بصلي وقال:
– ده من هوام الجن اللي صادف وجوده وقت بكائك فقرر انه يقرب منك وللأسف حصلك مس
– والصليب
– ماهو نصراني يا بنتي، الجن زينا منهم المسلم والنصراني واللي ملوش دين كمان
– وهتعالجني منه
– العلاج سهل بس بدايته في ايدك انتي
– ازاي
– لازم تتيقني ان ربنا خلقك عشان تتحكمي في حياتك، حتى لو شيطان حاول يخترق حياتك مينفعش تستسلمي ليه بالبساطة دي، ولازم يكون ظنك في ربنا كبير، بلاش الضعف والانهزامية دي للحياة، الضعف اللي خلاه يضحك عليكي ويقولك انا حارس وانتي توافقي انه يدخل حياتك، ولازم زي ما دخلتيه حياتك تطرديه منها
ويمكن ده كان أكبر درس قاسي اتعلمته، اقوى من الف جلسة عند طبيب نفسي، انا ليه ضعيفة كدا وانهزامية، انا ليه بظلم نفسي ومبحطش حدود في حياتي..
وبدأت أعنف جلسة علاج في حياتي، قرأ عليا الرقية وبدأت أدوخ واشوف نفسي في نفس الارض البيضا، كان هناك بيحاول يتودد مني ويخليني اتمسك بيه لأنه هيحميني ويساعدني في حياتي..
بس انا كنت قررت، واستحالة استنا الدعم من حد غير ربنا، وحاولت اقاومه بكل قوتي والشيخ قدر انه يتعامل معاه وعالجني، ويمكن التجربة دي علمتني كتير اوي، بقت مقاومتي للحياة أكبر وبقيت عارفة أرد على الناس واخود حقوقي مع مراعاة اني مظلمش ولا اخود حاجة مش من حقي..
يمكن كانت تجربة صعبة جدا جدا، بس علمتني حاجات كتير، أهمها اني أعرف أعيش..
“من مذكرات رحاب عبدالجليل”
…………..

تابعونا علي صفحة الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى