
قصة قصيرة “نص بطيخه” الكاتب محمد على عاشور.
كان رمضان منذ أكثر من ثلاثين عاماً يأتى فى الصيف ، كنت وقتها أبلغ من العمر سبع سنوات ، كانت كل دور القرية بلا استثناء، الغنى والفقير من الطوب النىء أو اللبن كما نقرأه فى الكتب ، قبل أن تتحول القرية إلى البيوت الخرسانية التى إرتفعت إلى دورين وثلاثة وربما أربعة، كنا فى الإفطار نتناول لقيمات صغيرة، ثم نخرج على نداءات بعضنا دون مبالاة من الأهل، حاملين الفانوس أبو شمعة الملون لنجمع العادة .
والعادة هى نوع من التسول من الأهل والأقارب والجيران.
كان لنا كبير يسير أمامنا ، وكبيرنا هذا عمره عشر سنوات ، يتقدمنا بفانوسه إلى الدور ، ويطرق الأبواب ويقول : عايزين العادة.
ينظر إلينا أصحاب الدور بابتسامة ، ثم يدخل و يتود ومعه أى شيء فى طبق او فى كف يده ، بعض حبات الفاكهة ، أو طبق به أرز يضع منه فى يد كل واحد ملعقة ، أو طبق به طبيخ بامية أو ملوخية وبعض لقم الخبز فنأكلها سعداء ، وأحسن دار كنا نذهب إليها كانت تعطينا قرش تعريفة .
وهناك دار كنا لا نأخذ منها شيئاً ، ومع ذلك نذهب إليها كل يوم فنشتم ونطرد شر طردة ونمشى ، وكانت الدار لامرأة عجوز وأولادها .
فى يوم من الأيام ذهبنا إلى هذه الدار كالعادة ، وتقدم كبيرنا ، وطرق الباب ، وانفتح الباب وإنفتح معه سيال من الشتائم من العجوز : روحوا يا ولاد الكلاب يا شحاتين ، هو إنتم أهاليكم فقرا ….. ياللايا …..
وتستمر الشتائم ونحن نجرى ، وكبيرنا يستدير ويشتمها ويجرى ونضحك، وكم من فوانيس تكسرت عند هذه الدار .
فى هذا اليوم لمح كبيرنا فى شباك هذه المرأة نصف بطيخة قد وضعته فى الشباك ليبرد لانه لم يكن هناك و لا حتى الكهرباء قد دخلت ، وضعته حتى تأكله بعد الإفطار فقال كبيرنا : والله لازم نربى الولية دى ، تعالوا ورايا ، وانسقنا وراءه كلنا ، ثم سحب نصف البطيخة من الشباك ووضعها وسطنا وقال : كلوا بطيخة بنت الكلب اللى عمرنا ما خدنا منها حاجة .
سمعت صياحنا وهرجنا ونظرت إلينا ، ثم إلى مكان البطيخة فى الشباك وقالت يا حرامية يا ولاد الكلب يا جعانين ، فانطلقنا نلوك ما تبقى فى فمنا تاركين نصف البطيخة كالحلة الفارغة ، فأنطلقت وراءنا ونحن نضحك ، وكانت هذه أخر مرة نذهب إليها أو نمر حتى من شارعها نطلب العادة .
تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك