قصص

اخــتــفــاء الـــطــفــل….اخــتــفــاء الـــطــفــل

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

صحيت مفزوع على خبطات قوية على باب اوضتي, قومت اتنفضت في لحظة وفتحت الباب لقيت يوسف ابني بيعيط وبيترعش, حضنته بقوة وانا بقوله بكل لهفة:
– مالك يا يوسف, مالك يا حبيبي
– الراجل خطف سيف يا بابا
الكلمة نزلت عليا زي المطرقة, جريت زي المجنون ناحية اوضة ولادي ملقتش سيف في سريره, جريت في البيت كله زي المجنون وانا بدور على ابني وقلبي مفطور, مراتي كانت بتنادي على سيف بصريخ وانا حاسس اني في كابوس رهيب..
طلعت برة الشقة ونزلت للشارع ابص يمين وشمال, بس مفيش أي حاجة اطلاقا, ناديت على يوسف وانا مش قادر اتلم على أعصابي وقولتله:
– ايه اللي حصل يا يوسف
رد عليا يوسف وهو بيبكي:
– الراجل اللي شكله وحش يا بابا جه الاوضة وخد سيف معاه
– خده على فين يا يوسف قول لبابا
لقيت يوسف بيشاور على الأرض, مبقتش مستوعب حاجة, هزيته جامد بس فضل يعيط اكتر وبعدها متكلمش..
فضلت لأكتر من تلت ساعات بحاول أخليه ينطق بكلمة بس الواد كأنه بلع لسانه, حاولت باللين والشدة مفيش, حتى والدته حاولت معاه كتير بس هو منطقش بنص كلمة..
روحت القسم عملت محضر وفضلت ادور طول الليل في الشوارع زي المجذوب, كان قلبي هيتخلع من مكانه من الخوف والقلق على ابني, ومن كتر القلق وصوت مراتي الجيران كلهم اتلموا وتقريبا ساعة واحدة والشارع كله بقا بيدور على ابني سيف, حتى ان بعض الجيران طلعوا سلاح وطلعوا يلفوا في الشوارع عشان يمسكوا اللي خطف ابني..
ليلة كاملة من القلق والتوتر وفي النهاية ابني مظهرش, الشرطة جت وعاينت الشقة اللي مكنش فيها أي دليل على إن حد دخل الشقة, الباب كان مقفول ومفيش فيه أي مظهر للعنف, الشبابيك كلها مقفولة واستحالة حد يعرف يفتحها من برة..
واستمر الوضع طول النهار بين بكاء أمه اللي موقفش وبين خوفي وقلقي على ابني الغريب, وبقول الغريب لأنه فعلا كان غريب من يوم ما اتولد..
كان هو ويوسف توأم, ومع مرور الوقت سيف كان تقريبا ملازم أمه لدرجة انه كان بيصرخ لو بعدت عنه دقايق بس, وكان مستحيل يروح حضانة لأنه فضح الدنيا لما أمه سابته, ووصل بينا الحال اننا قررنا نعلمه في البيت وتتولى أمه تعليمه, أما يوسف فكان طفل عادي جدا, بيروح الحضانة وبيلعب ويخرج, حتى لما كملوا ست سنين يوسف راح مدرسته عادي جدا, أما سيف فضل زي ما هو, ممنوع منعا باتا أمه تبعد عنه, , ولو هتدخل حتى الحمام, حتى انه كان بينام في حضنها وبعدها اشيله بالراحة اوديه سريره عشان أعرف انام جمبها, وديناه لطبيب نفسي ومعرفناش نوصل معاه لأي حل..
وانهاردة وصلوا الاتنين لتمن سنين, بس سيف ضاع, وبقيت هتجنن عليه, وكأنه اختبار عشان اكتشف اني بعشقه عشق مع اني كنت فاكر اني مبحبوش, أو بحب أخوه اكتر منه عشان عاقل, ادي واحد ضاع والتاني فقد النطق خالص..
وجه الليل البائس الحزين, جه عشان يفكرنا بليلة أمس المخيفة, اتصلت برقم الظابط اللي بلغني انهم لسة شغالين, وقعدت في صالة الشقة ودموعي بدأت تنزل في صمت, دموع أب قلبه مفطور على ابنه, مراتي كانت في اوضة النوم لسة منهارة زي ماهي..
بس على الساعة 12 بالليل لقيت يوسف طالع من اوضته مبتسم وبيجري عليا وبيقول:
– بابا بابا, سيف رجع يا بابا
بصتله بذهول وعنيا برقت زي المجانين, جريت على الاوضة لقيت سيف نايم ومتغطي بكل هدوء, جريت عليه وانا مش مصدق اللي شايفه, حضنته بعنف شديد عشان يصحا وأول ما شافني بدأ يعيط كالعادة, وديته لأمه بسرعة لأنه مبيرتاحش غير في وجودها, أمه اللي نزلت سجدت لله أول ما شافته, فضلت قاعد مستني أمه تخلص أحضانها وقبلاتها عشان تسأله هو كان فين..
في النهاية سألته:
– انت كنت فين يا سيف
– كنت نايم يا ماما
– يعني انت مش فاكر أي حاجة
الولد بصلنا بحيرة شديدة وكأنه مش فاهم حاجة..
حاولت أتخطى النقطة دي, المهم ان الولد رجع بالسلامة, وسهل أقول للجيران والشرطة أي سيناريو وخلاص, نمنا الليلة دي كلنا في اوضة واحدة, في اليوم التاني قفلت الموضوع مع الشرطة وطمنت الجيران اللي تقريبا عملوا ليلة في الشارع بمناسبة رجوع سيف, موقف جميل من أهل منطقتك متشوفوش غير في أم الدنيا..
واستمر الحال أيام وتناسينا كل حاجة, بس بعد اسبوعين اتكرر نفس الموقف, خبط شديد على باب اوضتي, ويوسف بيقولي ان سيف اتخطف وبعدها بيفقد النطق, ووقعت من تاني في فجوة من القلق والتوتر, بس المرة دي صعب ابلغ الشرطة أو الناس, كدا هيساء فينا الظن اننا عيلة مجانين..
دورت لحد ما يأست, ومفيش أي جديد, وقعدنا حوالي 24 ساعة من القلق والتوتر مستنيين, وتاني يوم الساعة 12 بالليل ظهر سيف, وكالعادة مكنش فاكر أي حاجة اطلاقا من وقت اختفائه..
مبقتش عارف أروح فين أو اجي منين, حاولنا نكمل حياتنا بأي طريقة لعل وعسى الموضوع ده ميتكررش تاني, بس الموضوع بدأ ياخد منحنى مخيف..
بعد يومين كنت قاعد بقرأ الجرنال كالعادة عشان اسمع صريخ مراتي من الحمام, وكالعادة كان معاها ابني سيف, كسرت الباب عليهم عشان اشوف مراتي حاضنة سيف وبتتنفض بطريقة رهيبة..
شدتهم برة الحمام وانا مش فاهم حاجة, بس بعد شوية مراتي اتكلمت, قالتلي:
– انت كنت بتحمي سيف معايا, ايوة انت, لا لا مش انت
وانهارت في البكاء, مبقتش فاهم ولا مستوعب حاجة وإن كنت مرعوب من فكرة مش عايز حتى أفكر فيها..
عدى الموقف وبقينا كلنا تقريبا بنام مع بعض عشان متحصلش أي حاجة تانية, صحيت في ليلة كنت عايز أدخل الحمام, بصيت على سرير سيف ملقتوش, قلبي وقع في رجليا وطلعت الصالة, بس هديت لما لقيت نور المطبخ منور, يمكن بيشرب ولا حاجة, في اللحظة دي سمعت سيف بيتكلم:
– انا مش عايز أجي معاك
وبعدها سمعت صوت غليظ بيقول:
– هتيجي
في اللحظة دي جريت زي الصاروخ ناحية المطبخ, شديت ابني وبصيت جمب التلاجة, كان فيه جسم ضخم اسود واقف, أول ما لمحته لمبة المطبخ ضربت بصوت عالي, صرخت من الخضة وجسمي كل اتنفض, شديت ابني على برة وفتحت نور الصالة, رجعت المطبخ تاني بس ملقتش أي حاجة خالص, شغلت قرآن في الشقة وفضلت صاحي طول الليل مش عارف انام من الخوف..
وعدى يوم والتاني والتالت, في اليوم الرابع صحيت بالليل مخضوض من كابوس غريب شوفته, بصيت بتلقائية ناحية المكان اللي بينام فيه سيف ملقتوش, خرجت بسرعة ادور عليه في الشقة بس مكنش موجود, في اللحظة دي لمحت نور أحمر غريب جاي من الاوضة بتاعته, كان ظاهر من تحت عقب الباب, قربت وانا قلبي بيدق بعنف ناحية الباب وفتحته بالراحة, كان النور جاي من جمب الدولاب, دخلت الاوضة وقربت من مكان النور بس فوجئت بسيف نايم على السرير و
و
و
وقدامه واحد شبهي بالظبط, كنت انا, كان حاطط ايده على راس ابني النايم وعمال يردد كلام غريب واللون الأحمر بيزيد وهو مغمض عنيه تقريبا, بصتله وانا خلاص هيغمى عليا وقولتله بصوت بيترعش:
– انت مين
وقتها بص ناحيتي عشان اشهق شهقة عنيفة, كانت عنيه فاضية تماما, كأنهم مش موجودين, مجرد فراغ مكان العنين, جسمي كله اتنفض وانا ببص على ابني اللي نايم بكل رعب, عايز اهرب وفي نفس الوقت مقدرش اسيب ابني مع الكائن العجيب ده..
بدأت استعيذ بالله بصوت بينازع عشان يخرج مني, في اللحظة دي ابتسم الكائن ده, ابتسم واتكلم بنفس الصوت اللي سمعته في المطبخ قبل كدا:
– بتستعيذ مني يا علي, مش انت اللي طلبت مني اساعدك, وأعتقد دلوقتي جه الوقت اللي استرد فيه الأمانة
هنا بس جسمي كله مسكته كهربا غريبة خلتني أقع في الأرض, في نفس اللحظة شوفت الكيان ده بيشيل ابني و
وبينزل بيه في أرضية الشقة, كأنهم بيسيحوا زي التلج, وقفت من تاني وجريت على المكان اللي نزلوا فيه وفضلت اخبط عليه وانا بصرخ باسم ابني, في اللحظة دي مراتي صحيت على صوتي وأول ما شافتني فتحت في الصراخ هي كمان..
………………………………………
في الوقت ده اتحولت شقتنا لسوق من كتر الناس اللي اتلمت من تاني, كنت منهار, بصرخ, عامل زي اللي عنده صرع, عمال اردد واقول الشيطان خطف ابني, الشيطان خطف ابني..
في الوقت ده خدني عم حسين اللي ساكن تحتينا وقالي:
– يابني احنا لازم نجيب شيخ ضروري
بصتله وانا بدمع ومنطقتش, قالي:
– سيبها على الله وعليا
تاني يوم لقيته جاي ومعاه راجل وقور عنده دقن بيضا وملامحه مريحة جدا, قرأ الراجل وقتها على جسم يوسف ابني عشان يقدر ينطق, وفعلا اتكلم وحكى للشيخ ده كل حاجة, بعدها اتكلم مع مراتي شوية, وبعدين طلب منهم يخرجوا ونفضل انا وهو بس..
بصلي وقتها في عنيا بقوة, كنت بحاول اتحاشى نظراته ليا بس مكنتش قادر, اتكلم بهدوء وقالي:
– لازم تصارحني عشان أقدر اساعدك, انت مخبي عني ايه
بصتله وفضلت ساكت عشان يكرر كلامه من تاني, في الوقت ده كان لازم أحكي, أحكي كل حاجة عملتها ليلة ولادة مراتي من تمن سنين..
“وقتها كنت عارف ان مراتي هتولد توأم, بس يوم الولادة حصلت مشكلة كبيرة ومراتي تعبت جدا, حتى ان الدكتور خرج وقالي ان احتمال كبير يموت طفل من الاتنين عشان ينقذوا مراتي, كنت ساخط وقتها جدا ومش متقبل ان حد من ولادي يموت, كنت وقتها قارئ عن سحر معين بيسبب الاجهاض على صفحة معالج روحاني, كلمته وقتها فورا وحكيت له كل حاجة, رد عليا وقالي عندك استعداد تعمل اللي هطلبه منك فورا, رديت وقولتله طبعا وحالا, بعدها طلب مني أكتب حروف معينة بتسلسل معين, وأجيب بخور اسود ودم أي حيوان, واخلط البخور مع الدم في الورقة, وأحاول اقف على راس مراتي واحط الورقة في هدومها واردد
“أقسمت عليك بحق فلان وفلان وفلان أن تدخل الى الرحم, وتنقذ الولد, وتحرق المرض, وتُسكن الألم”
كان مطلوب مني اردد ده سبع مرات, وقتها طلبت من الممرضة أدخل لمراتي بأي طريقة عشان ارقيها, وعرفت فعلا أدخل, ووسط شغل الدكتور اللي بصلي بتعجب حطيت الورقة في هدومها, وحطيت ايدي على راسها ورددت الكلام بصوت واطي وكأني برقيها, في الوقت ده فعلا الولادة اتسهلت والطفلين نزلوا ومحدش منهم مات”
– ابوس ايدك قولي انا عملت ايه ؟؟
– انت وكلت قرينك يابني يبقا حارس لابنك اللي كان عنده مشكلة وهو بيتولد واللي هو سيف, بس بما ان القرين مجرد شيطان فهو نفذ المهمة وفضل وكيل على ابنك, عشان كدا ابنك كان دايما مع امه وبيخاف منك انت, لأنه كان بيشوف قرينك اللي هو شبهك كتير جدا, وفضل القرين متربص بابنك لوقت معين عشان ياخده منك, وكان أنسب وقت هو لما يكمل تمن سنين, خطف ابنك مرة ورجعه لان الجسم البشري صعب يتأقلم على عالمهم وممكن ينهار ولازم يتعود..
وخطفه تاني ورجعه, وكانت المرة التالتة هي الأخيرة, لأنه طالما اتمكن منه وانت اللي اديته الفرصة فهو هياخده منك للأبد..
وقتها اترميت على ايد الشيخ وانا منهار:
– ابوس ايدك اتصرف بالله عليك
– يابني اهدى وقول يارب, روح صلي ركعتين توبة الأول قبل ما أعمل أي حاجة
وفعلا جريت وصليت, بكيت كتير أوي في صلاتي وطلبت من ربنا يسامحني اني استعنت بالشيطان ومستسلمتش لقدره يومها, واشتغل الشيخ بعدها, الأول قرأ عليا عشان قريني اللي متحرر من يوم ولادة ابني يرجع لجسمي, وبعدها دار بينهم حوار طويل انتهى بقراءة آيات الحرق على القرين اللي استسلم في النهاية وقال اننا هنروح الاوضة هنلاقي الطفل وانه مش هيخطفه تاني..
طبعا انا وقتها كنت في غيبوبة, بس لما فقت اتحكالي كل ده, وفعلا ابني رجع, والشيخ قرأ بعدها في البيت كله وطلب مننا نعمل كذا حاجة للتحصين, وفي النهاية بصلي بصة مخيفة, اللي هو اياك تسلك الطريق ده تاني, لإن طريق الشيطان أخرته سودة, أخرته جهنم وبئس المصير
أحمد محمود شرقاوي
“تمت بحمد الله”

للمزيد من الأخبار يُمكنكم متابعتنا عبر صفحاتنا الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى