امبارح بعد ما الأطفال كلهم خرجوا من المدرسة وعلى بعد المغرب كنت بلف في الفصول بطمن ان مفيش أي حاجة مخالفة بطبيعتي كفراش للمدرسة، مريت على الفصول وبعدها مريت على الحمامات بتاعت المدرسة كلها، وفي آخر حمام بتاع البنات بفتش فيه بلامبالاة وإذ كانت المصيبة..
كانت فيه بنت صغيرة مدبوحة جوة الحمام وشكلها في قمة البشاعة، جسمي كله اتعفرت ووقفت بالعافية قدام المشهد ده، طلعت الكارنيه من شنطتها وقرأت، “رحمة محمد سيد سالم”
دي رحمة بنت الحاج محمد، شلت البنت وجريت في البلد وانا بتنفض ناحية بيت الحاج، استقبلوني الناس واتجمعوا وطلعنا على بيت الحاج وكلنا قلوبنا مطعونة بسكين بارد، الناس عمالة تخبط كف على كف ومحدش مصدق إطلاقا باللي حصل ده، وقدام بيت الحاج وصل الخبر، وخرج الحاج ومراته اللي فضلت تصرخ وتشيل وتحط التراب على راسها..
الخبر كان بشع والمُصيبة كانت كبيرة، ايوة الحاج له خلافات كتير مع ناس كتير اوي، بس انها توصل لدبح بنته فده مكانش مفهوم ولا مقبول ابدا، مراته اغمى عليها من كتر الصراخ اكتر من مرة والحاج جاله هبوط وكان هيموت فيها..
وفي النهاية جت الشرطة عشان تحقق في الموضوع وحالتهم للأسف كانت في قمة السوء، خدوا أقوال ابوها الحاج، بعدها أقوال مرات الأب اللي بتعتبر رحمة اكتر من بنتها، وبعدها خدوا أقوالي انا اللي كنت عارف اني هكون اكتر واحد مشكوك فيه في الموضوع، طبعا غير اكتر من حد في البلد تجار كانوا على خلاف مع الحاج محمد..
بس مع كل التحقيقات دي محدش قدر يوصل للفاعل إطلاقا، البنت ماتت ومفيش أي دليل على الفاعل، وطبعا كان لازم إكرام الجثمان بالدفن لأن الحاج مش هيسمح بجثمان بنته يتبهدل كل البهدلة دي من الاساس..
واتدفنت رحمة في جنازة رهيبة، مهيبة، والبلد كلها حزنت عليها، واتعمل حداد في المدرسة على روح البنت وعينوا غفير كمان معايا لأن كتير من الأهالي قلقوا على ولادهم من بعد الحادثة للأسف..
وفضل الموضوع لغُز لمدة يومين كاملين، بس الناس بتنسى، سُنة الحياة زي ما بيقولوا، وحتى الغفير قعد معايا يومين وبعدها معجبوش المرتب واختفى، لدرجة اني بلغت الشرطة لأني شكيت فيه من فعله ده..
وفي نفس اليوم بالليل وبعد ما المدرسة فضيت والليل نزل زي الموت على المكان بدأت أرص حجر الشيشة واجهز كوباية الشاي عشان السهرة اللي بسهرها، ووسط شرودي وهدوئي ده لمحت طفل أو طفلة صغيرة بيبص ناحيتي من المبنى، ورغم الضلمة كانت هيئته واضحة جدا،. وكان بيبص عليا من الدور الثالث، استغربت اوي وناديت عليه بس مكانش بيرد عليا اطلاقا، افتكرت اني ممرتش على الفصول والحمامات من ساعة الحادثة، ويمكن ده طفل لسة مخرجش من المدرسة..
دخلت المبنى وانا معايا الكشاف وطلعت على الدور الثالث على طول، بدأت ادور في الفصول هنا وهناك بس مكانتش فيه أي حاجة مُريبة هيكون راح فين أو راحت فين، بس بعد شوية بدأت اسمع صوت ضحكات طفولية جاية من بعيد، من آخر الدور تقريبا، طول عمري بسمع صوت ضحكهم، انما ان صوتهم يبقا له صدى صوت غريب كدا فالموضوع مُخيف اوي، اوي..
شوية وبدأت اسمع صدى الصوت بيقول:
“خلاويص.. لسة”
“خلاويص.. لسة”
جسمي كلها مع الصوت مسكته كهربا غريبة أوي ومبقتش عارف انا ممكن اعمل ايه، خرجت من الدور وانا قلقان اوي، المكان في قتيلة واكيد المكان اتعفرت بعد الحادثة، بس مسافة ما نزلت الحوش شوفت مشهد خلى جسمي كله يتشل من الرعب، شوفت طلاب كتير اوي، وكأننا في طابور الصباح..
بس الغريب انه مكانش طابور، دي كانت جنازة أطفال، شوفت اربعة شايلين تابوت في نص الحوش والطلاب كلهم عيونهم بيضا وشكلهم عامل زي التماثيل، وعلى التابوت كانت قاعدة البنت القتيلة، وكأنها لسة مدبوحة دلوقتي ولسة الدم بينزل منها..
واتحركت الجنازة كلها لبرة المدرسة، وبالأخص ناحية شارع مقابر البلد، وقتها حسيت اني معدوم الإرادة تماما، وكأن حاجة بتسوقني غصب عني عشان أمشي ناحية الجنازة واشيعها معاهم..
فضلنا ماشيين في البلد اللي كانت فاضية تماما لحد ما وصلنا للمقابر، وبالأخص في المقبرة اللي البنت اتدفنت فيها، حطوا التابوت بالبنت فوق المقبرة ووقفوا يهمهموا زي الحيوانات بأصوات مرعبة وغريبة..
وفي اللحظة دي شاورت البنت، القتيلة، شاورت ناحيتي، واتجهت كل الأنظار ناحيتي، العيون البيضا كلها بقت باصة ناحيتي، وقبل ما أهرب او اتحرك من مكاني لقتهم حاوطوني وشالوني من مكاني، حطوني على التابوت وبدأوا يلفوا بيا في المقابر والبنت فوق المقبرة عمالة تصرخ صراخ هيستيري، مُخيف، ومقدرتش أتحمل اي حاجة تانية اطلاقا..
وقعت مكاني مغمى عليا، وصحيت بعدها، صحيت كانت الشمس طالعة، افتكرت انه كان مجرد حلم، بس للأسف مكانش حلم، لأني كنت مرمي في قلب المقابر، خرجت أجري من المكان وانا حاسس ان جسمي كله متكسر تماما، وكأني كنت في خناقة كبيرة اوي..
فكرت جديا أسيب الشغل بس مكنتش عارف لو سبته هروح فين، ولا فاهم ايه اللي عاوزة البنت توصلهولي، ويمكن كل ده مجرد وهم، بس وهم مُخيف أوي، وتاني ليلة اتكرر نفس الموضوع، بس اتكرر بطريقة مُخيفة اوي، دخلت الحمام وخرجت لقيت نفس الطلاب، ونفس الجنازة، ونفس البنت فوق التابوت، ولقيت نفسي مُجبر امشي ورا الجنازة، امشي وراهم لحد المقبرة إياها، بس المختلف المرة دي ان الطلاب بدأوا يطوفوا حولين مقبرتها وهي عمالة تصرخ فوق المقبرة من تاني..
وبصتلي وشاورت ناحيتي من تاني، واتحرك الطلاب عشان يكرروا نفس الموضوع من تاني، بس في اللحظة دي لقيت ايد قوية مسكتني من كتفي، صرخت واتنفضت عشان اتفاجئ باتنين عساكر ووكيل النيابة اللي كان بيحقق في القضية والتُربي، وكيل النيابة بصلي بشك وقال:
– بتعمل ايه هنا يا عتمان
بصيت بذهول حوليا ملقتش اي حاجة، كأني كنت عايش في وهم كبير، قولتله بتردد اني كنت بقرأ الفاتحة على حد قريبي، ابتسم وقال:
– طيب تعالى معانا
روحت معاهم وانا بترعش وخايف عشان اتفاجئ بيهم بيفتحوا قبر البنت اللي اتقتلت، سألته برعب:
– انت بتعمل ايه يا باشا
– البنت اتدفنت بحلق دهب واحنا شاكين في مرات ابوها وجايين نتأكد من الحلق اللي في ودنها
فتحوا القبر ونوروا القبر بالكشاف وطلب مني وكيل النيابة انزل أجيب الحلق، بصتله برعب بس نظرته كانت قاسية أوي، ونزلت القبر وقربت من الجثة اللي كانت متآكلة ومسافة ما لمستها حسيت بقبضتها بتمسكني من هدومي بعنف، صرخت بأعلى صوت وانا جوة القبر وفضلت انط مكاني من الفزع لحد ما العساكر شدوني لبرة، ووسط فزعي الرهيب ده اتكلم وكيل النيابة وقال:
– انت اللي قتلتها صح
ورديت، رديت بدون وعي وقولت:
– ايوة، ايوة انا اللي قتلتها وهعترف بكل حاجة بس متنزلنيش جوة القبر تاني
وخدوني على النيابة، وملقتش حل غير إني اعترف بكل حاجة، مرات ابوها حملت، وحبت تتخلص من بنت جوزها عشان يروق لها الجو مع ابنها المستقبلي، وملقتش غير انها تديني مبلغ كبير وانفذ،. وبالفعل خليت البنت خارجة يومها من المدرسة وخدتها من وسط الطلبة بهدوء وخلتها تستنا في اوضتي بحجة ان كتاب من كتبها معايا،. لما الكل مشي خلصت عليها وعملت التمثلية اياها، وعدى الموضوع، عدى تماما..
بس يشاء ربك وكيل النيابة تجيله رسايل غريبة، رسايل من البنت في الحلم تطلب منه يروح لقبرها وهيلاقي القاتل هناك، ولما راح مع العساكر اتفاجئ بيا، وجاله الهام يفتح القبر ويطلب مني انزل ويشوف رد فعلي، وفعلا حصل اللي توقعه واعترفت انا، ووقعت في شر أعمالي.. واتحكم عليا بالإعدام..
وكيل النيابة بيقول يوم ما اتعدم وواحنا بندفنه شوفت اطفال كتير اوي وسط المقابر بيشيعوا الجنازة معانا ومعاهم القتيلة، والغريب ان محدش كان شايفهم غيري، وكأن كل قرناء الأطفال اللي ماتوا ظُلم حسوا بانتقام فيه هو، او يمكن الموضَوع له علاقة بالجن، وسبحان الله الذي له في خلقه شؤون..
“وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ”
تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك