امبارح كُنا في المقابر بعد نص الليل بندفن واحد صاحي، كنت شايف صواعبه بتتحرك كأنه بيستغيث بيا، وشايف صدره بيطلع ويهبط ولسة فيه النفس، بس كان لازم وحتمًا ولابد يتدفن وإلا هتحصل مشاكل في المنطقة كلها..
المدفون ده عربيته عطلت على الطريق ونزل يشاور لأكتر من عربية لحد ما حظه جه قدام عربية نقل، العربية حرفيا هشمت الجمجمة وبقا شكل الوجه غريب، السواق نزل مرعوب واتنين من الغفرا اللي بيحرسوا الجبل نزلوا جري ومسكوا السواق، واتصلوا بكبير المكان الرايس هارون عشان يبلغوا الشرطة، وفعلا جه كبير الغُفرا وكان ناوي نية سودة للسواق، بس السواق فورا طلع من معاه ٢٠ الف واداهم للراجل وقاله نصا:
“خودهم وخرجني من القصة دي خالص”
وبعد تفكير طويل هداهم تفكيرهم الشيطاني انهم يدفنوا الراجل، كدا كدا بيموت، وده لأنه جثته لو فضلت في المكان معناه شرطة وتحقيقات وقصة كبيرة للغفير بتاع المنطقة، يبقا الأحسن نخفي كل حاجة والسواق يروح..
ومفيش أحسن من مقابر أبو عزوز اللي بعد مكان الحادث بخمسة كيلو بس، وانا كنت حارس المقابر دي، وهارون كلمته مسموعة على طول الطريق كله واللي يعاديه يبقا عادى الجن الازرق زي ما بيقولوا، جالي بكل هدوء وقالي انا معايا جثة وعايزين أي تربة فاضية مالهاش أهل ندفنه فيها، كل اللي جه في بالي وقتها انهم قتلوا حد في الجبل او خناقة من خناقات العرب، بس لما شوفت الراجل جسمي قشعر تماما..
الراجل عظام الفك والجمجمة متكسرين، ومع ذلك عنيه بتترعش وصوابعه بتتحرك برعشة كل لحظات، بصيت بخوف لقيت نظرة قاسية في عيون هارون، نظرة معناها متنطقش، طالما قولنا ميت يبقا ميت، رغم انه عنيه وصواعبه بيتحركوا بس هارون قال ميت..
رغم انه مسك كف إيدي كأنه بيستغيث بيا، بس هارون قال ميت يبقا ميت، ودخل المقبرة وحطناه على الرمل وقفلنا الباب الحديد الصغير المصدي، ومن جوة سمعت آهات، وكأنه بينادي عليا، كنت عارف انه حاسس احنا بنعمل ايه، رعشة الجسم المتوتر لما اتحط على الرمل، وحركة العين المضطربة، كل ده أكدلي انه عارف احنا بنعمل ايه..
واتقفل الباب، اتقفل على واحد صاحي، خرجنا لحد الطريق وهارون اداني الفين جنيه ومن غير ما يتكلم فهمت من نظراته انه بيفهمني اني مينفعش انطق ولا اتكلم، الموضوع اتقفل وانتهينا، وقعدت يومها ومشهد عيون الراجل الجاحظة وجمجمته ورعشته مش مفارق ذهني إطلاقا، انا اللي ياما شوفت في المقابر ودفنت ناس لأول مرة بعترف ان الأحياء مؤذيين وأشرار أكتر من الأموات والشياطين مُجتمعين..
ووسط شرودي والألم اللي بيعصر قلبي سمعت صوت غريب جاي من قلب المقابر، بس المُخيف انه مكانش صوت زي الاصوات العادية اللي بتظهر من وقت للتاني، ده كان صوت وكأن حد بيتخانق جوة المقابر نفسها، اتحركت فورا وانا حاسس إن الليلة دي مش هتعدي على خير إطلاقا، مسكت العصاية بتاعتي واتحركت ناحية حارات المقابر أفتشها حارة حارة، ووسط التفتيش والخوف اللي جوايا لأني عامل كارثة وعارف إن انا عامل كارثة..
فوجئت بواحد واقف قدام القبر اللي لسة دافن فيه الشاب اللي عمل حادثة، ومن ذهولي ورعبي كان ابني اللي واقف قدام القبر ده، ابني الشاب عصام، لساني اتعقد وانا مش عارف أنادي على ابني اللي واقف بيبكي قدام القبر..
وفي لحظات اتفتح باب القبر وشوفته، شوفته بيخرج من القبر، بنفس الفك المتكسر والجمجمة المتدمرة، شوفته بيبص لابني بصة شيطان، وكانت في إيده حديدة ضخمة، وبدون تفكير نزل بالحديدة على راس ابني، وشوفت نافورة دم كاملة بتنزل من راسه، وقع على الأرض وصوت غرغرة وشهقات خشنة بتخرج منه، بس المسخ ده مرحموش، ونزل بالحديدة على دماغه، مرة واتنين وتلاتة، شوفت جمجمة ابني بتتكسر، سمعت صوت آهاته، وقتها بص ناحيتي بعيون جاحظة، شكلها مُرعب، وبدأ ينادي:
“يابا الحقني يابا”
ورغم الشلل اللي فيا اتحركت، اتحركت زي الممسوس وجريت ناحيته، ووسط رعبي وفزعي اتخبطت رجلي في حجر ضخم ووقعت، وقعت على ابني عشان في لحظة يختفي من قدام عنيا واشوف نفسي مجروح في رجلي والألم بشع، ومرمي على التراب بموت من الرعب..
قمت من مكاني واتصلت بابني وانا مرعوب، رن الجرس كتير وبعدها رد عليا وهو بينهج وصوته بيترعش اوي، سألته بخوف وتوتر وقلت:
– انت كويس يابني
– ايوة يابا انا كويس بس بس
– بس ايه يابني
– شوفت حلم صعب اوي يابا
– شوفت ايه يابني
– شوفت مسخ ماسك حديدة وبيكسر راسي وانت واقف تتفرج عليا زي الصنم، وصحيت دلوقتي موجوع كأن راسي متكسرة
دموعي نزلت، نزلت من الخوف على ابني، اطمنت عليه وقفلت، كنت واقف قدام القبر اللي لسة دافنين جواه الشاب اياه، انا واقف قدام القبر اللي دفنت فيه انسان حي، وقتها اتنفضت على صوت وشوشة في ودني، صوت مخيف، خشن، كان بيقول كلمة واحدة بس
“طلعني”
“طلعني”
رجعت الاوضة وانا بتنفض، خايف، في صراع رهيب مع ضميري، وقبل ما أقعد سمعت نفس الصوت تاني، صوت الخناقة اياها، جريت وانا بنادي بإسم ابني، وهناك لقيته من تاني، لقيته قدام المقبرة، وجسمي اتشل من تاني وخرج نفس الراجل، المسخ، وبنفس الحديدة نزل بيها على دماغ ابني مرة واتنين وتلاتة، وشوفت الدم، وسمعت الاهات والاستغاثات، وبكيت، وحاولت الحقه بس كان اختفى..
ومسافة ما اختفى اتصلت بيه، وسمعته بيحشرج بصوته وعمال يصرخ ويقول:
– انا هموت يابا حد بيحاول يقتلني وانا نايم، جالي مرتين يابا وكل مرة بتتفرج عليا
كل اللي قولته وقتها جملة واحدة:
– الحقني يابني في المقبرة القديمة اللي جمب مقبرة عيلة ابو عايش، لو لقتني جوة ميت اكرم جسماني وادفني دفنة محترمة
وده لأني فهمت، فهمت اني عملت مصيبة ولازم اداويها وإلا ابني هيدفع الثمن، لو اللي عمل الحادثة حي لازم الحقه، ولو ميت يخرج يروح لأهله يتصلى عليه ويتدفن دفنة تليق بيه، بس انا فاهم، فتح القبر وتحريك الميت عمره ما كان سهل، لازم تحصل مصيبة للي بيعمل كدا، وانا راجل عندي القلب ومش هتحمل أي حاجة من ده اطلاقا، الموضوع صعب..
مسكت حجر ضخم وكسرت القفل وفتحت باب القبر على آخره، وعلى أرضية القبر لقيته مكانه، كان لازم أخرجه واشوف بطاقة او حاجة تدلني على هويته وارجعه، ويولع هارون ومعارفه كلهم، الحق حق..
نزلت القبر وقربت منه حطيت ايدي عليه عشان اشيله، وقتها مسك على معصم ايدي بعنف، وبدأ يترعش ويتنفض، مرة واتنين وتلاتة، وزي ما توقعت قلبي متحملش، وشوفت وقتها خيالات كتير اوي، خيالات كانت بتطير وتدخل في جسمي، وزاد الألم في صدري اكتر واكتر لحد ما وقعت في غيبوبة عميقة..
وصحيت، صحيت بعد ما حسيت اني نمت سنين طويلة اوي، صحيت على ابني بيهزني ويصرخ وبيسألني عن الراجل اللي عامل الحادثة جوة القبر وبيقول “مين ده”
مسكته وانا في شدة الضعف وحكتله كل حاجة، وطلبت منه ياخدنا في عربية على اقرب كمين شرطة ويبلغ بكل حاجة، واديته رقم العربية اللي خبطته لأن السواق جه لحد المقابر وقتها، ووقعت في غيبوبة، غيبوبة طويلة اوي..
كان عندي احساس اني هموت، بس لو هموت يبقا لازم أبلغ، أبلغ واقول ان كتمان الحق وقول الشهادة بسبب الخوف من المخلوق عقابه قاسي اوي، مينفعش تخاف غير من الخالق، الخالق وبس، ابني طمني ان الراجل لحقوه بس هياخد وقت كبير اوي للتعافي، طلبت منه لما الراجل يفوق يطلب منه يسامحني لأني مش هعيش كتير..
وكل اللي فهمته من صديق قديم ان الجن فيه منهم الصالح والطالح، واحد منهم حب يوريني جزاء اللي عملته واحساسي لو كان ده ابني، خلاني فتحت القبر بالعافية وخرجت الراجل، سبحان من جعل في المقابر جن صالح ينجي الراجل لأني عرفت انه لسة جاي من العمرة ولعل ربنا نجاه بسبب العمل ده او عمل تاني..
انا مش قادر اتكلم تاني سامحوني، واتمنى اقدر انطق بالشهادة وقت الوفاة..
بعد اسبوع مات التُربي ونطق بالشهادة بعد عناء، وربك قدر ان الراجل ينجو من الحادث البشع ده، والشرطة قبضت على السواق والغُفرا كلهم واتحقق معاهم وخدوا أحكام تقيلة أوي اوي..
“وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ”
تابعونا على صفحتنا الفيس بك