قصص

سم الأفاعي…سم الأفاعي

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

من شوية كنت راجع البيت متأخر ومعدي وقتها على بيت مهجور من زمان أوي، وفوجئت بأفعى واقفة على شباك البيت، كان شكلها مخيف، مرعب، نصفها العلوي واقف زي الصنم، والعجيب انها واقفة على شباك بيت مهجور مفيش فيه أي أثر للحياة، بيت محدش قرب منه من يوم ما وعيت على الدنيا، الجو كان ليل، والبلد ساكتة بسكوت الأموات، ومسافة ما عديت من قدام البيت ده لمحت الأفعى دي واقفة على الشباك..
وقفت اتأملها برهبة، بخوف شديد، عينيها كانا مشقوقة وواسعة، واسعة زي عيون البشر، حمرا بلون الدم وبتتموج زي المية، وزي المغناطيس اللي بيجذب الحديد لقيت نفسي بتأمل عينيها بهدوء، كأني بنجذب ليها لااراديا، قربت منها وانا حاسس اني بغرق، بغرق في محيط عميق..
كنت زي المنوّم، عمال اقرب منها، اقرب، و
وفجأة اتنفضت على رنة تليفوني، فقت من توهاني وطلعت تليفوني، كان والدي طبعا بيستعجلني، الساعة ١ بالليل وانا لسة سهران برة، قفلت الرنة وبصيت، ملقتش حاجة، الأفعى اختفت، اختفت تماما..
مشيت بسرعة من المكان وانا مذهول، معقولة اكون بتخيل اللي شوفته ده، وليه حاسس اني لسة صاحي من النوم، كأني كنت في عالم تاني..
وصلت البيت واستحملت كام شتيمة من والدي عشان تأخيري ودخلت اوضتي، وفورا اترميت زي الجثة على السرير، الجو برد وكنت تعبان اوي..
العجيب اني شوفت في نومي اني واقف قدام البيت، كنت بتأمله من فوق لتحت، بيت قديم حيطانه متهالكة، كان متكون من دورين والباب بتاعه ضخم عامل زي البوابة، شبابيكه كان عليها خيط عنكبوت والجو جوة البيت ضلمة..
وفجأة ظهرت الأفعي قدام باب البيت، كانت واقفة بشموخ كأنها امبراطورة، وفجأة استدارت ودخلت من البوابة، جريت وراها ودخلت البيت، البيت من جوة كان مظلم تماما، بس كان فيه ضوء جاي من اوضة في اخر البيت، قربت من الاوضة عشان اسمع همهمات غريبة، وكأن حد بيتكلم بلغة عجيبة..
وقفت على باب الاوضة وبصيت منها، كانت فيه واحدة مدياني ضهرها وقاعدة مربعة، وقبل ما ادخل سمعت صوت فحيح بيقول:
– هنا تجد خلاصك
بصيت جمبي وشهقت، كانت الأفعي واقفة جمبي، وكانت هي اللي بتتكلم، وقبل ما انطق كملت كلامها بصوتها الرهيب وقالت:
– وإن لم تأتينا فستجد منا هذا
وفجأة هجمت على فخذي وعضتني بعنف، صرخت زي المصروع وصحيت من نومي، كنت عرقان رغم برردة الجو، قلبي عمال يدق بعنف..
كابوس عجيب، حاولت كتير انام تاني وفي النهاية نمت، صحيت وطبعا تناسيت كل حاجة، انا من النوع اللي بيعرف يكبر دماغه كويس اوي، بس المخيف ان تاني ليلة الحلم اتكرر..
بدخل البيت واقف على باب الاوضة، اشوف الست من ضهرها وفجأة اسمع الافعى بتتكلم:
– هنا تجد خلاصك
وطبعا عرفت انها هتعضني بعد ما تقول:
– وإن لم تأتينا فستجد منا هذا
حاولت اتفادى العضة بس الأفعي كان سريعة، غير اني بحلم ومش متحكم في نفسي، وعضتني، والعضة كانت مؤلمة جدا، وصحيت من نومي اصرخ، اصرخ من الخوف والوجع..
وبدأ الموضوع يتكرر يوميا، يتكرر بطريقة منتظمة، مرعبة، يوميا بدخل البيت، اشوف الست من ضهرها، الافعي تتكلم وبعدها تعضني..
كابوس أصبح ملازمني لفترة طويلة، تلت شهور مبقتش بعرف انام وجسمي بقا بيترعش ويتنفض بطريقة لاارادية، وبدأت فعلا ادرك فداحة الأمر..
فيه شيء بيناديني تجاه البيت ده، شيء مش هيسبني في حالي غير لما اروح، وإلا هتجنن وتبقي نهايتي واحد مجنون بيجري في الشوارع والعيال الصغيرين بيحدفوه بالطوب..
شعري بقا بيقع وبحس اني بكبر، تجاعيد بتظهر في وشي وعضمي بيوجعني وجسمي بقا تقيل، كأن فيه كيان بيتغذى عليا..
وقررت اروح البيت، طالما هنا جنان وهناك جنان يبقا اختار الجنان اللي هناك، على الاقل افهم اللي بيحصلي ده من ايه..
وبالفعل استنيت لما الليل نزل بجبروته على البلد، خدت معايا كشاف كويس وانطلقت ناحية البيت، وعلى منتصف الليل كنت واقف قدام البيت بتأمله، كأني بتأمل وحش نايم، او تنين اسطوري مسترخي وانا متيقن انه شوية وهيصحا..
البيت كانت حوليه طاقة سلبية عجيبة، احساس بيراودني اني قدام كيان بشع، شرير، قبضة غريبة مسكت صدري بشدة، حاولت اتجاهل كل ده واقرب من الباب، او بالأدق البوابة الحديدية..
بس البوابة كانت مقفولة بقفل قديم، في الحلم كنت بقدر ادخل بس حاليا مش هقدر، طيب والحل، ولقيت نفسي ببص للشباك، الشباك اللي كانت واقفة عليه الأفعى لما شوفتها..
بصيت يمين وشمال مفيش حد، بلد مهجورة، غير ان البيت وراه ارض زراعية، وقدامه ترعة صغيرة، قربت من الشباك ومسكت في الحافة بتاعته ونطيت لفوق، وبصعوبة قدرت اطلع وافتحه، كان متهالك مستحملش ضربة واحدة واتفتح..
نزلت بالراحة لحد ما بقيت جوة البيت، اول ما رجلي لمست الأرض شميت ريحة غريبة، ريحة بخور ثقيل، حاولت اتجاهلها ونورت الكشاف، كنت في اوضة واسعة حيطانها قديمة جدا، كنت لابس جزمة ضخمة عشان الافعى اللي شوفتها، الله اعلم ممكن يحصل ايه..
خرجت من الاوضة لقيت نفسي في صالة كبيرة كلها تراب، العنكبوت معشش في في كل ركن فيها، طيب وبعدين، انا المفروض اعمل ايه، واتحقق الحلم في لحظة، شوفت نور ضعيف جاي من الاوضة اللي في اخر البيت..
جسمي كله اترعش وقلبي اتنفض مكانه، توتر، خوف، رهبة، اتقدمت خطوة ورا خطوة في الضلمة لحد ما وصلت للاوضة، وصلت للباب وبصيت بهدوء شديد لمصدر النور..
كان فيه شيء عجيب، عجيب جدا، واحدة ست مدياني ضهرها ومرعبة، وكان قدامها اناء بيطلع منه دخان، وتلت شمعات مولعين حوليها، بس المخيف اني شوفت أفعتين على يمين وشمال الاناء، الست كانت بتقلب بخشبة كبيرة سائل جوة الاناء والافاعي بتبخ سم جوة الاناء، منظر رهيب وعجيب..
مين دي وازاي الافاعي بتعمل كدا، قبل ما اتراجع سمعت، سمعت صوت شبيه بفحيح الافاعي:
– انت جيت
بصيت بذهول لمصدر الصوت، كانت هي الست دي، لفت وبصتلي بعنين بتطلع غضب، وقبل ما استوعب اللي بيحصل لقيتها مسكت خنجر ووقفت، والافعتين بصولي وبدأوا فحيح، فحيح مفزع..
وفجأة هجمت عليا الست والافاعي، جسمي اتنفض وطلعت اجري في الضلمة، لقيت السلم قدامي طلعت عليه وجريت عشان اهرب من المجنونة دي..
دخلت اول اوضة قابلتني واستخبيت في الركن بتاعها، وسط الضلمة، طفيت الكشاف وقعدت اترعش، خايف، بدعي ربنا ينجيني من اللي بشوفه ده..
لحظات بس وشوفت نور شمعة جاي ناحية الاوضة اللي انا فيها، جريت عشان اقفل الباب بس للأسف ملقتش باب من الاساس..
وقبل ما اهرب كانت واقفة قدامي، ماسكة الشمعة ومقرباها من وشها عشان ينعكس الضوء عليها وعلى الافعتين اللي جايين معاها، وقفوا قدام الباب وسمعت صوتها بتقول:
– وقعت في الفخ وحياتك خلاص هتنتهي
رددت بخوف شديد وصوت مضطرب:
– انتي مين وعاوزة ايه
– طبعا من حقك تعرف انت هتموت ليه وانا هقولك، انا مرات سمعان الضو
واتنفض جسمي كله، اتنفض مرة واتنين وتلاتة، سمعان الضو اللي قتله عمي من تلت سنين في خناقة..
– افتكرت ولا لا؟؟
– انتي مرات سمعان
– ايوة مرات سمعان اللي عمك قتله من تلت سنين، بس عشان احنا غلابة عمك مخدش يوم واحد في قتل جوزي، وانا هربت برة البلد عشان مفيش حد يجبلي حقي منكوا
– طيب عمي اللي قتله انا مالي ومالكم
– الطار بيتاخد من اي حد من نفس الدم
– غلط اللي قتل جوزك هو اللي المفروض يموت،. بعدين انتي ايه اللي جابك هنا وازاي مسخرة الافاعي دي
– بعد موت جوزي فضلت اتكوي بنار الغضب تلت سنين، كنت مشردة من بلد لبلد، بتمنى يجي اليوم اللي اخود فيه حقي منكم، في النهاية قابلت واحدة علمتني سحر التسخير، سحر قوي بنستخدم فيه سم الأفاعي، ومن ٤٣ يوم رجعت البلد متخفية ومعايا الافاعي، ودخلت على امك متخفية على اساس اني ببيع هدوم وامك الكفيفة معرفتنيش، وقدرت اخود حاجة من اطرك عشان اجذبك ناحية البيت، وجيت البيت المهجور ده واعتكفت لمدة ٤٠ يوم عشان امارس السحر ده، وفي النهاية انت وقعت بين ايديا وطار جوزي خلاص هاخده
بصتلها برعب ورددت بصوت ضعيف:
– غلط، غلط كبير، كلنا وقفنا ضد عمي لما قتل جوزك، انا نفسي مش راضي عن اللي عمله، وهو اللي يستحق القتل مش انا
– انت او عمك مش هتفرق
– لا استني، انا مستعد اجيب لك عمي لحد هنا بس متقتلنيش
في الوقت ده بدأت الافاعي تصدر صوت فحيح مرعب، بصتلي بعيون ملتهبة وقالتلي:
– ازاي
– هتصل بيه واستدرجه لهنا، بس توعديني انك تسيبيني امشي
– نشوف كلامك صحيح ولا لا
طلعت تليفوني بسرعة واتصلت على عمي..
مرة واتنين لحد ما رد، كان نايم، قولتله اني لقيت صندوق في البيت المهجور اللي على الترعة فيه دهب وفلوس، واني محتاجه عشان يشيل معايا الصندوق، واني خفت اكلم ابويا لانه مش هيصدقني..
وعمي كلب فلوس، راجل جشع، البلد كلها حرفيا بتكرهه لانه مفتري، مسابش حد الا لما عمل مشكلة معاه، وكل ده بيتحامى في العيلة الكبيرة، حتى لما قتل الراجل الغلبان ده مخدش يوم سجن..
يستحق، طبعا يستحق، من قتل يقتل ولو بعد حين، مفيش ربع ساعة ولقيت تليفوني بيرن، عمي كان قدام البيت، نزلت بسرعة للاوضة اللي فيها الشباك وورايا الست بخنجرها والافاعي..
الجو كان مظلم تماما، الافاعي وقفوا علي الحيطة جمب الشباك، عشان لو قررت اهرب يلدغوني، مديت ايدي وشديت عمي لجوة البيت، عمي اللي مسألش حتى عن اي حاجة ولا ليه دخلت هنا..
وبقا عمي جوة الاوضة الضلمة، وفي الركن المظلم كانت الست واقفة بخنجرها والافاعي على الحيطة، وقبل ما عمي يتكلم اتشعلقت في الشباك وطلعت عليه، و
ونورت الكشاف على وش عمي، في نفس اللحظة نطت أفعى وعضته من رقبته بطريقة مفزعة، وعلى نور الكشاف شوفت عمي بيشهق برعب وعنيه بتطلع من مكانها، في اللحظة دي هجمت الأفعى التانية وعضته من دراعه، كل ده وهو بيبصلي بفزع، وانا واقف ع الشباك بتفرج عليه في صمت تام..
وقع علي الأرض عشان تتقدم الست وفي ايدها الخنجر، وشافها، شافها وعرفها رغم الظلام، وابتسمت، ابتسمت ابتسامة رهيبة وقالت:
– فاكر سمعان، فاكر يوم ما قتلته
بصلها وعروقه كلها بتنفر بطريقة مخيفة عشان تنزل بخنجرها على صدره وبالأخص على مكان قلبه، وشهق، شهق شهقة عنيفة، في اللحظة دي بصتلي الست وبصلي عمي، ونطيت لبرة وجريت، جريت لحد البيت، جريت وانا بقول الحمد لله، جريت وانا مش حاسس بأي تأنيب ضمير..
بعد يومين الناس اكتشفت مكان الجثة، اقتحموا البيت ولقوا جسم عمي قرب يعفن جوة البيت، كان شكله مقزز جدا، يستاهل، على اد ظلمه للناس كانت نهايته، واختفت الست، اختفت تماما، وان كنت اظن انها هتتعمق اكتر في نوع السحر ده وهتبقا مفسدة في الأرض، أجارنا الله من الظلم والسحر والقتل، وفعلت بعد سنتين سمعنا عنها، بعض الناس لقوها جثة مرمية على حرف الترعة ومحدش يعرف السبب، انا بس اللي كنت عارف إن اللي هيلعب بالسم أكيد هيدوقه غصب عنه، ومبقتش عارف مين الأسوأ، اللي ظلم، ولا اللي خد طريق الحرام عشان ياخد حقه..
يمكن كان المفروض عمي ميظلمش، ولو ظلم ومقدرتش أخد حقي أفوض ربنا يجبهولي، انما اني أخد حقي بطريقة مُحرمة، يبقا هدوق من نفس الكاس، سُنة الله ثابتة في الكون..

تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى