
بلاغ كاذب… أزعجه اتصال أتاه من جيران ابنته في مدينة بورسعيد يُهِيبون به ويستحثونه أن يأتي سريعا لإنقاذ ابنته التي تَلاحَى معها زوجها ، وقد سُمِعَت أصوات الشجار والصَّفع والرَّكل ، وأصوات الأواني والمقتنيات التي ترتطم بالأرض وتتهشّم مُحدِثةً صوتا مخيفا ، وكذا صراخها المتواصل وهي تستغيث .
وقد طال الشِّجار بما يقطع الأمل في نهايته إلا أن تكون نهاية سوداء لاتُحمد عقباها .
هُرِع الأب سريعا وهو يُلملِم أشلاءه ، لايدري قميصه من حذائه ولا جَوْربه من منديله ، وقلبه يكاد يتفطَّر هلعا وخوفا أن يُدرك ابنته وهي جثة هامدة ، وقد تماثلت أمامه قصصٌ للشجار بين الأزواج قرأها ، وأخبار للصدام سمعها ، وحكايات تناثرت على صفحات الجرائد وفي وسائل التواصل الإجتماعي كانت نتيجتها فاجعة لجميع أطرافها .
انطلق الرجل مسافرا إلى حيث تعيش ابنته وزوجها وهو يدعو الله أن لا يُفْجَعَ في ابنته التي يحبها من سُوَيْداء فؤاده والتي هي به بارَّة ، وهو بها قرير العين ، وأن يمرّ الحدث على خير دون أن يُسفِر عن إصابات بدنية أو خسائر بشرية ،
وراح يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويردِّد أدعية السفر التي لايحفظها إلا بالكاد . ويسأل الله العفو والعافية والسلامة في الأموال والأبدان .
وصل الرجل بعد حين إلى مسكن ابنته ، وصعد إلى شقتها على السلم إذ لاصبر له ولا طاقة على انتظار المِصعَد ، ولما كان على باب الشقة تصَنَّت وتجسّس وتحَسَّس الأخبار وتسَمَّع الأصوات فلم يسمع شيئا إلا صوت التليفزيون .
دقَّ جرسَ الباب فلم يُفتح له ، فتوالت دقاته وضرباته بيده على الباب فلم يستجب له أحد ، فأيقن أن محظورا قد وقع ، وربما تكون ابنته في عداد الأموات ، أو طريحة الأرض فاقدة للوعي .
.. استرسل الرجل في قرع الباب ، وقد علا صوته رجاء أن يَفتَح له أحد .
.. وبعد فاصل طويل من الصِّياح والنداء وقرْعِ الباب ودقِّ الجرس سَمِع صوت صِهرِه ( زوج ابنته ) يقول : من ؟
… أنا صِهرُك
. .. وماذا تريد ؟
… أين ابنتي
… موجودة بخير
… افتح الباب
… لن أفتح ، انصرف إلى حالك .
… انطلق الرجل على عَجَل ، وقلبه مفعَمٌ بالرعب والوجَل إلى أقرب قسم للشرطة وقد أيقن أن ابنته قد فارقت الحياة ، أو على الأقل أصابها ما أفقدها النطق أو الوعي والإدراك .
.. استقبله الضابط النوبتجي بالقسم استقبالا حسَنا مُراعِيا كِبَر سِنِّه واتكاءه على عصا ، وأجلسه على كرسي أمامه ، وراح يهدئ من روعه .
… سمع الضابط مقالته وتفَهَّم حالته ، وطلب منه رقم هاتف زوج ابنته ، وقام بنفسه بالاتصال من هاتفه به .
رَدَّ المذكور بكل أدب ولَبَاقة ، فقدَّم الضابط نفسه له وسأله عن فحوى شكوى صِهره ، فأفاد بأنه وزوجته في خير حال ولم يحدُث بينهما مايعكر الصفو ويشغل البال ، وأنه وزوجته ليس بينهما إلا كل مودة ورحمة فهي حبيبته وأولى الناس برعايته ، وجديرة بحبه وحسن مودته .
تعجَّب الضابط وطلب منه أن يدفع الهاتف إلى زوجته وأن تتكلم هي بنفسها وتُسمِعَه صوتها ، فتكلمت وصَدَّقَت وأكدت ماقاله زوجها وأنْ ليس بينهما إلا رباط الحب ووثاق الود ، ولم يحدث بينهما أي شجار من أي نوع .
أعطى الضابط المحمول إلى الرجل ـ أبيها صاحب الشكوى ـ ليسمع بنفسه ابنته التي صدمته بكلامها وجعلته في موقف غير محمود يندى له الجبين ، ويُريق من وجهه ماء الحياء .
التقط الضابط هاتفه من الرجل ، وجلس على مكتبه يخط بقلمه على الورق ، فلما فرغ قدَّم المكتوب للرجل ليُوقِّع عليه .
قال الرجل : ماهذا ؟
قال الضابط : محضر بلاغ كاذب وإزعاج للسلطات .
تابعونا على صفحتنا الفيس بك