ثقافة

قصة قصيرة “بلاغ كاذب” للكاتب الأستاذ محمد نجيب الجزار.

كتبت حنان محمد بعرور

بلاغ كاذب… أزعجه اتصال أتاه من جيران ابنته في مدينة بورسعيد يُهِيبون به ويستحثونه أن يأتي سريعا لإنقاذ ابنته التي تَلاحَى معها زوجها ، وقد سُمِعَت أصوات الشجار والصَّفع والرَّكل ، وأصوات الأواني والمقتنيات التي ترتطم بالأرض وتتهشّم مُحدِثةً صوتا مخيفا ، وكذا صراخها المتواصل وهي تستغيث .
وقد طال الشِّجار بما يقطع الأمل في نهايته إلا أن تكون نهاية سوداء لاتُحمد عقباها .
هُرِع الأب سريعا وهو يُلملِم أشلاءه ، لايدري قميصه من حذائه ولا جَوْربه من منديله ، وقلبه يكاد يتفطَّر هلعا وخوفا أن يُدرك ابنته وهي جثة هامدة ، وقد تماثلت أمامه قصصٌ للشجار بين الأزواج قرأها ، وأخبار للصدام سمعها ، وحكايات تناثرت على صفحات الجرائد وفي وسائل التواصل الإجتماعي كانت نتيجتها فاجعة لجميع أطرافها .
انطلق الرجل مسافرا إلى حيث تعيش ابنته وزوجها وهو يدعو الله أن لا يُفْجَعَ في ابنته التي يحبها من سُوَيْداء فؤاده والتي هي به بارَّة ، وهو بها قرير العين ، وأن يمرّ الحدث على خير دون أن يُسفِر عن إصابات بدنية أو خسائر بشرية ،
وراح يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويردِّد أدعية السفر التي لايحفظها إلا بالكاد . ويسأل الله العفو والعافية والسلامة في الأموال والأبدان .
وصل الرجل بعد حين إلى مسكن ابنته ، وصعد إلى شقتها على السلم إذ لاصبر له ولا طاقة على انتظار المِصعَد ، ولما كان على باب الشقة تصَنَّت وتجسّس وتحَسَّس الأخبار وتسَمَّع الأصوات فلم يسمع شيئا إلا صوت التليفزيون .
دقَّ جرسَ الباب فلم يُفتح له ، فتوالت دقاته وضرباته بيده على الباب فلم يستجب له أحد ، فأيقن أن محظورا قد وقع ، وربما تكون ابنته في عداد الأموات ، أو طريحة الأرض فاقدة للوعي .
.. استرسل الرجل في قرع الباب ، وقد علا صوته رجاء أن يَفتَح له أحد .
.. وبعد فاصل طويل من الصِّياح والنداء وقرْعِ الباب ودقِّ الجرس سَمِع صوت صِهرِه ( زوج ابنته ) يقول : من ؟
… أنا صِهرُك
. .. وماذا تريد ؟
… أين ابنتي
… موجودة بخير
… افتح الباب
… لن أفتح ، انصرف إلى حالك .
… انطلق الرجل على عَجَل ، وقلبه مفعَمٌ بالرعب والوجَل إلى أقرب قسم للشرطة وقد أيقن أن ابنته قد فارقت الحياة ، أو على الأقل أصابها ما أفقدها النطق أو الوعي والإدراك .
.. استقبله الضابط النوبتجي بالقسم استقبالا حسَنا مُراعِيا كِبَر سِنِّه واتكاءه على عصا ، وأجلسه على كرسي أمامه ، وراح يهدئ من روعه .
… سمع الضابط مقالته وتفَهَّم حالته ، وطلب منه رقم هاتف زوج ابنته ، وقام بنفسه بالاتصال من هاتفه به .
رَدَّ المذكور بكل أدب ولَبَاقة ، فقدَّم الضابط نفسه له وسأله عن فحوى شكوى صِهره ، فأفاد بأنه وزوجته في خير حال ولم يحدُث بينهما مايعكر الصفو ويشغل البال ، وأنه وزوجته ليس بينهما إلا كل مودة ورحمة فهي حبيبته وأولى الناس برعايته ، وجديرة بحبه وحسن مودته .
تعجَّب الضابط وطلب منه أن يدفع الهاتف إلى زوجته وأن تتكلم هي بنفسها وتُسمِعَه صوتها ، فتكلمت وصَدَّقَت وأكدت ماقاله زوجها وأنْ ليس بينهما إلا رباط الحب ووثاق الود ، ولم يحدث بينهما أي شجار من أي نوع .
أعطى الضابط المحمول إلى الرجل ـ أبيها صاحب الشكوى ـ ليسمع بنفسه ابنته التي صدمته بكلامها وجعلته في موقف غير محمود يندى له الجبين ، ويُريق من وجهه ماء الحياء .

التقط الضابط هاتفه من الرجل ، وجلس على مكتبه يخط بقلمه على الورق ، فلما فرغ قدَّم المكتوب للرجل ليُوقِّع عليه .
قال الرجل : ماهذا ؟
قال الضابط : محضر بلاغ كاذب وإزعاج للسلطات .

تابعونا على صفحتنا الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى