الـرهـاب الاجتماعي والـسـادية الـعـاطـفـية فى رواية أمـنـيـجا الناقد أحـمـد ابراهـيـم عـيـد.
كتبت حنان محمد بعرور

بداية ً”هل هناك قواعد معينة – يتم اختيارها – قبل الشروع فى كتابة مثل هذه الروايات؟ ؟.. أم أن هذه القواعد ربما تُكتشَف أثناء القراءة ، أو بعد الانتهاء من متابعة سياقات الأحداث ؟؟
أما قبل .. فلنطرح هذا التساؤل جانبا ً ، ولندخل إلى تحليل هذا النص الروائى ، بروية ٍ وهـدوء .
أولا ً : تصنيف الرواية :
(1) إذا تتبعنا شواهد وإشارات السيكولوجية الإبداعية بالرواية والمستمدة من الأحداث والشخصيات التى لها صفة الواقعية – بشكل ٍ كبير – وسنجد فى تشابكات الأحداث بينها أن الرهاب المجتمعى والإنسانى المُتبادل ما بين الشخصيات الكثيرة يرتكز مباشرة ً على الاضطرابات السلوكية القلقة فى معظم العلاقات الاجتماعية القائمة على تحكـُّم الشهوات وصعوبة التواصل الوجدانى الاجتماعى العائلى كما يجب أن يكون ، مما يؤدى إلى كم ٍ كبير من التشابكات الدرامية المرتكزة على المفارقات الحادة – بنسب متفاوتة – فى ممارسات من السادية العاطفية عبر الأحداث .. ولذا فإن الرواية بملابساتها الدرامية يمكن تصنيفها فى المقام الأول أنها رواية سيكولوجية ، بمعنى أنها ترتكز على كم ٍ كبير من الحراك النفسى ، أو بالأحرى على ما يُسمى فى علم النفس بظاهرة ( النفس حركية ) التى تتحكم فى مسارات العلاقات الداخلية والخارجية سلوكيا ً ، ولذا .. فإنها أيضا ً تُعد من ( روايات الحالة ) .
(2) ارتكزت البطولة المكانية فى المقام الأول على الدال المكانى الأهم دراميا ً ( دار المسنيين ) والتى بدأت واستمرت وانتهت به أحداث الرواية ، ثم تتشعب الدوال المكانية المساعدة بمختلف أبعادها ، لتُشكـِّل دوائر العلاقات الاجتماعية القائمة ما بين الشخصيات على اختلافات مستوياتهم ، مع التركيز الدائم دراميا ً فى محيط دار المسنيين ليتحقق بذلك التصنيف الثانى للرواية ، حيث يمكن تصنيفها كـ ( رواية المكان الأوحد ) على الرغم من التفاوت دراميا ً ما بين طبقات الشرائح المجتمعية المتباينة واستدعائها بالفلاش باك ، مما يضفى على الأحداث أبعادا ً درامية مُشوِّقة ، مع تقديم ما يُسمى حركيا ً بمسرحة الرواية أى جعلها تدور معظم أحداثها فى هذا المكان الأوحد ( دار المسنيين ) .
(3) تنوعت واختلفت أنماط الشخصيات بتشابكاتها الكثيرة عبر الأحداث ، وكأنها ( رواية شخصيات وأحداث ) أيضا ً، حيث ارتكزت الكاتبة / عبير حافظ على شخصيتها المحورية كمُرتكز درامى ، ثم تعددت الشخصيات الرئيسية والثانوية والهامشية ، والتى لكل ٍ منها تأثيرها المباشر فى الأحداث ، وتأتى أطروحاتها الموضوعية المتشابكة كالتالي :
أولا ً : ( الشخصية المحورية ) : –
” فريـدة ” : نزيلة دار المسنيين ( صغيرة السن نسبيا ً ) ، والتى تعانى من فقدان الذاكرة الجزئي ( أمنيجا ) ، وهى تعانى – بداية ً – من التطرف وجدانيا ً ما بين العاطفة الجارفة تجاه الآخرين ، وبين رغبات الانتقام والثأر ، ثم أنها تعانى من الفراغ العاطفى فى سياق التحولات الدرامية المتواترة ، ويصل بها الحال إلى التشتت والانهيار النفسى ، وذلك بسبب نشأتها كطفلة وهى تعانى من إهمال وعدم رعاية الوالد لها ( المتزوج من أخرى غير أمها ) وتعانى وبشدة من مشاعرها تجاه أمها المقهورة والمستسلمة لواقعها الأسرى ، ولحزنها الشاهق المدمر.. ولذا .. فإنها على مدار علاقاتها بالآخرين وتواترات الأحداث تُمارَس عليها بمستويات مختلفة ( السادية العاطفية ) منهم .. وتمارس هى أيضا ً تلكم السادية فى مواقف متعددة ، لينتهى بها الحال وتصبح فريدة ووحيدة بعد هجران أولادها لها .. ثم تصبح فريدة ووحيدة ( داخل دار المسنيين بعد فقدان ” نزيه ” الداعم لها نفسيا ً فى نهاية الأحداث .. والسؤال الذى يطرح نفسه ( كيف انتهت سيدة الأعمال القوية ، إلى أنثى فاقدة بشكل كبير للهوية وللتذكـُّر وللذكريات ؟؟ ) .
ثانيا ً ) : الشخصيات الرئيسية ) : –
1- حنان : الابنة الكبرى لـ ” فريدة ” ، والتى فجـَّرت بدايات الحراك الدرامى بإيداع أمها بدار المسنيين ، رغم مقدرة الأم المادية العالية ، وعلى الرغم من متاهات فقد التذكر ، إلا أن الأم لم تتذكر من أبنائها إلا إياها .. وعلى الرغم من أن أسماء الشخصيات غالبا ً لا تُعلـَّل إلا أن الكاتبة وصَّفَت هذه الـ ” حنان ” – عمليا ً- بافتقادها للحنان كما يجب أن يكون ، حيث أنها تشابكت سلبيا ًمع حال الأم معنويا ً على المستويين ( البيولوجي والوجدانى ) حيث أنها أودعتها دار المسنيين لتحقق لزوجها رغبته فى التخلص من عبئها ، وعندما زارتها واستنجدت الأم بها لتخرجها من الدار وعدتها وهى تنوى عدم تنفيذ ذلك ، لتنسف تماما ذلكم المعنى الإنساني فى مثل هذه الحالات والمتحقق فى أنه ( كلما اشتدت حالات الضعف ، استوجبت شدة وتمام الرعاية ) وهى بذلك أيضا ً نسفت القيمة المعنوية للحبل السرى المعنوى الذى يربطها بأمها .
2- رائـد : المعالج النفسى لـ ” فريدة ” وهو الشخصية الوحيدة التى تتذكرها – مع ابنتها – فى أثناء غياهب التذكـُّر ، فهى تستحضره بداية ً كشخصية ٍ ضبابية ، ثم عندما تتماثل لبعض شفائها ، يهاتفها لتنفعل بمهاتفته لها وتبدأ فى التذكـُّر ، ليطور هذا الـ ” رائد ” من الأنساق الدرامية المتتالية ، بتشابكاته النفسية والعاطفية الإيجابية مع ” فريدة ” ، وذلك بمعالجته لها بعد تجربتين من الفشل فى زيجتين متتالتين ، بأن نصحها بإهمال واستبدال حالات التعاسة الماضية ، بلحظات ٍ سعيدة لاحقة .. ولكنه أيضا ً – بعد شفائها – يمارس معها تلكم اللعبة النفسية الشهيرة ( لُعبة لـمَّـا ) أو لُعبة عندما ، حيث أنه بعد استقرارها النفسى والوجدانى العائلى ، ورغم استقراره العائلى هو أيضا ً .. وعندما تماثلت للشفاء ، صادقها وارتبط بها عاطفيا ً ، يريد أن يحتويها وجدانيا ً ، ولكنه يشترط ألاّ تعلم زوجته بذلك وإلاّ أنه سيتركها ، ولذا فإنها تحرص على أن ( يتواجد فى محيط حياتها ، دون أن يصبح أبدا ً مركزا ً لها ) .
3- سليم : رجل الأعمال العملى جدا ً ، والذى يظهر فى حياة ” فريدة ” بعد استقرارها ماديا ً ، ويعرض عليها أن تصبح زوجة ثالثة بهدف الإنجاب لوريث له ، فى مقابل أن يؤمِّنها ماديا ً ، وبعد إنجابها لـ ” تامر ” يمارس شهواته مع سكرتيرته لتـنهار نفسيا ً من جديد ، ثم يموت تاركا ً لها ميراثها وفيلتها التى كتبها باسمها ، لتصبح مطمعا ً كأرملة ثرية ، فيطاردها ” محب ” زوج صديقتها ” نجوى ” ، لترتبط به بعقد زواج ٍ عرفى ، لتبدأ من جديد حلقة الانهيارات النفسية القاسية بتخلى الجميع عنها ، ليتحقق من خلال الأحداث ذلكم المعنى الهام ( أن حد الكفاف أو الكفاية المادية والمعنوية ، هو خير الوسائل لتحقيق التوازن النفسى والمعنوى ) .
4- ” نـزيـه ” :
شخصية غير نمطية على المستويين الإنسانى والدرامى عبر الأحداث ، فهو قد حرك الأنساق الدرامية من منطقة الإلغاز والتعتيم إلى جانب الايضاح والإفصاح بتبنيه لـ ” فريدة ” نفسيا ً.. فهو رجل أعمال على الرغم من نجاحاته لم تفتنه كثرة الأموال ، وعندما أدركه الكبر وبعض العجز الجسمانى ترك ما لديه لأولاده الذين هاجروا خارج البلاد ، فآثر أن يدخل إلى دار المسنيين التى استكمل بها – بشخصتيه الخدومة للآخرين – رعايته للنزلاء ، حتى لو بالاستماع الجيد لمشكلاتهم ، وعندما يلتقى بـ ” فريدة ” يهتم بها اهتماما ً خاصا ً ، ليشتبكا معا ً فى حالة ٍ من التوحُّـد المزدوج المقترن بحالة ٍ من الاحتياج النفسى والروحانى ، كلاًّ منهما للآخر ، لتحدث بينهما حالة من التحليلات العاطفية ليلا ً عبر الرسائل الإلكترونية ، ثم حالة من المساج النفسى المشترك فى لقاءتهما نهارا ً ، ومن الرسائل التى لم يبعثها ” نزيه ” لـ ” فريدة ” تلك الرسالة الدالة على نزاهته الروحية والوجدانية ، والتى لم يبعثها لها ومزق الورقة التى كتبها فيها ، حيث قال فى نهايتها ” تجاعيد كفوف يدى تجد الحنان والعناية بين يديك ِ ” .. لتستمر بينهما تلك العلاقة من المحبة الغير نمطية ، المُعَبَّر عنها على لسان البطلة .. ” تشعر أنه نهرٌ من الرفق ، تُلقى به أحجارا ً جاثمة على صدرها ، فتهدأ ” صـ ٧٦.. هذه العلاقة المفضية فى النهاية لما يُسـمى بـ ( لعبة الحبيب الشبح ) الذى يغادر قبل أن تبدأ شواهد تحَقـُّـق العلاقة المتطورة والمنشودة ، نفسيا ً ووجدانيا .
ثالثا ً : ( شخصيات ثانوية وهامشية ) : –
تتفاوت هذه الشخصيات فى تأثيراتها فى السياق الدرامى ، وهى :
1 – عفاف : صديقة وجارة ” فريدة ” فى الدار والتى حاولت تهيئتها لتقبُّـل أوضاعها خاصة ً مع ذاكرتها المنقوصة ، ومارست معها كل أنواع التعارف على المحيطين بها ومنهم ” نزيه ” ، ومارست معها أيضا ً فضفضة المشاعر مع الحكى المتبادل ، للتخفيف عنها ، فقصت عليها قصة زواجها العجيب من ذلكم الزوج الذى فرضته عليه أمها بمقولتها العجيبة ” ما فيش ملكة تغلى على عبد ” ( تلك المقولة التى تهدم مبدأ التكافؤ الهام فى بناء أسرة كريمة .. هذا الزوج الذى راوغهم فى السؤال عن عمله ، وبعد الزواج يغيب عنها طويلا ً طويلا ً ، ولا تعرف له عملا ً محددا ، ويُكتشف فى النهاية أنه يمارس التسول ويبخل بما يكسبه من تسوله .. ثم تنتهى حياته وهو ملقى ً فى عرض الطريق فى حالة ٍ يرثى لها … (( وقد مارست الكاتبة تقنية الحكى الخاص داخل سياق الحكى العام ، فى قصة ” عفاف ” وفى مواضع أخرى )) .
٢ – سالم : الزوج الأول لـ ” فريدة ” ، تزوجها بعدما فارق زوجته الأولى ، وأنجبت منه توأمها ” حنان ” و ” محمود ” .. ثم عادت زوجته .. ثم جمع بينهما فى مكان ٍ واحد ، لتتحرك داخل فريدة ( غواية الأنثى الضد ) فتمارس ساديتها العاطفية على زوجها فيستجيب ، وتمارسها أيضا ً على ضرتها فتُقهر ، ولا تستمر الحياة بصورتها السوية فيتم الانفصال .
٣ – بـسـامـ : الذى قام بتحريك فعاليات الأنثى الضد فى أعماق فريدة مرة ً أخرى ، بعد فشلها فى زواجها الأول ، وتعاطف زوجته / صديقتها ” فايدة ” معها ، فيساعدها ” بسام ” عمليا ً لترعى توأمها ، ولكنه يظل يطاردها عاطفيا ً ، وعندما تشعر زوجته بذلك تشكل ” فادية ” لـ ” فريدة ” محاكمة عائلية وتهاجمها بضراوة ، فتنتقم ” فريدة ” لذاتها كأنثى وتتزوج ” بسام ” لينتهى هذا الحراك الدرامى الحاد بطلاقها أيضا ً منه .
٤ – مـحـب : زوج صديقتها ” نجوى ” ، الدنجوان/ العملى ، والواثق من ذاته بشكل مبهر ، والانتهازى العاطفى الذى ظل يطارد ويناور فريدة لسنوات للفوز بها كزوجة بعقد عرفى ، لتتصاعد توترات صراعات الدراما النفسية على يد ” سـهير ” المُفجِّـرة للأحداث النهائية .
٥ – سـهـيـر : بشخصيتها الحَديَّة المسالمة والمستسلمة لواقعها ، والانقلابية المتمردة بشكل ٍ مفاجئ : حيث أنها وقعت فى بداية حياتها فى عشق ٍ هادئ لـ ” محب ” ، ولكنه فضَّل الارتباط بأختها ” نجوى ” فاحتفظت بحبها وبسرها طوال حياتها ، وتزوجت من ” سليم ” وصممت على عدم الإنجاب منه ، وبعدما تُوفى ، صادقت ” فريدة ” تماما ً ، ثم صرحت لها بعشقها الخاص لمحب ، وعندما اكتشفت زواجها العرفىّ به ، ثارت عليها وفضحتها أمام ” نجوى ” وأبنائها ، فكان الانهيار النفسى الأخير لـ ” فريدة ” .
٦ – رضوى و محمود و تامر : أبناء ” فريدة ” الغير أشقاء ، بأدوارهم الهامشية المؤثرة بتقنية ( المسكوت عنه دراميا ً ) فمحمود : يزور والدته زيارة عابرة وتنفعل باكية ً : انت مش ابنى ، أنا مش فاكراك ، ويختفى دراميا ً فى بقية الأحداث ، رغم أنه ذُكر على لسانه أنه السبب فيما أصابها .. ورضوى : تتصل تليفونيا ً بأمها فتجيبها : أنا فاكرة الاسم لكن الصوت لأ ، وتطلب ” فريدة ” منها رؤية أمها التى توفت !!! ثم تختفي هى أيضا ً دراميا ً .. وتامر : يهجر الجميع مكتفيا ً بأمواله من والده المتوفى … ولا يجتمع هؤلاء الأبناء إلا لمناقشة أمر الفيلا وتركة الأم التى مازالت تعانى فى دار المسنين .
٧ – أحمد أم حسام : الشخصية الهامشية التى ساهمت إلى حدٍّ كبير فى سير الأحداث حيث أنه أوعز لزوجته ” حنان ” بإيداع ” فريدة ” دار المسنين .. ثم أنه.. ” بخياله أفكار جهنمية ، يحلم ويخطط لاستغلال منزل العائلة ( الفيلا ) .
٨ – الدكتور إيهاب و سـناء : يعملا على رعاية ” فريدة فى دار المسنين ، وعندما تعترض أنا مش مسنة ومش مريضة ، يخبراها بفقدانها للذاكرة جزئيا ً .
(( مـفـتـاح الـســر ))
عندما تتشابك الأحداث والشخصيات فى مثل هذه الروايات ، نبحث بشكل ٍ موضوعى عن مفاتيح السر لهذه التشابكات .
ويتشكل مفتاح السر على المستوى السيكولوجى فى هذه العبارة الدالة والتى وردت على لسان البطلة فى مونولوجها الداخلى صــ ١٢٩:
” كنتُ ( ضُرة ) أمى فى حياة ٍ موازية ، وكان ذلك ينهش جانبا ً كبيرا ً من هدوئى ورضاى عن نفسى ” .
وعلى المستوى المادى الاجتماعى ، جاء مفتاح السر ممثلا ً فى صــ ٧٠ ، ٧١ .. حيث اجتمع الأبناء غير الأشقاء لبحث ما يتعلق بالفيلا وباقى التركة ( فى حياة الوالدة ) ، وحيرتهم ، لأن ” تامر ” الوريث الشرعى لذلك ، لو علم بذلك لبادر ببيع كل شئ .. وحياة ” فريدة ” وسلامتها ، هى الحل لما يريدون .
(( ولنتخيل.. تأثير ذلك على ” فريدة ” ، وتبعات ذلك نفسيا ً عليها ))
التوصيفات النفسية وتأثيراتها التفاعلية :
لنعد الآن للتساؤل الأول عن بعض القواعد النفسية المتعلقة بالنص الروائى .
وللإجابة على هذا التساؤل نتناول بعض هذه التوصيفات :
( ١ ) ميكانيزم الدفاع النفسى ( سلبيا ً ) :
تنامَى هذا الشعور بالدفاع النفسى لدى البطلة بعدما عانت من إهمال والدها لها بعدما تزوج من غير أمها ، وبعدما عانت من الحزن المقيم فى ملامح أمها وتصرفاتها ، فوقر فى أعماقها أن الزوجة الثانية هى الأكثر سيطرة وجدانيا ً على الزوج ، فترفض كل الخطاب الشباب لتتزوج من ” سالم ” المتزوج والذى يكبرها بـ ( ١٥ ) عاما ً، ولكنها تفشل فى زيجتها هذه ، وفى زيجاتها المتتالية ، لينتهى بها الحال بعد أن صارت سيدة أعمال ناجحة ، إلى أن تصبح أنثى فاقدة للذاكرة وقد فارقها كل الأزواج والأبناء وحتى الأصدقاء .
( ٢ ) الشخصية الحَـديِّـة :
تسبب الفشل المستمر وعدم الاستقرار العائلى لدى ” فريدة ” فى أن تتكون فى أعماقها هذه الشخصية الحَديّة التى تبالغ فى تصرفاتها وأفعالها العاطفية والوجدانية ، فتارة ً تبالغ فى عواطفها ، وتارة تبالغ فى ردود أفعالها الانتقامية ، لينتهى بها الحال إلى معايشة الجميع فى حالة ٍ هى الأقرب إلى التوتر النفسى المتواتر وإلى حالة مزاجية غير مستقرة ، واضطرابات فى مجمل علاقاتها الأسرية والاجتماعية ، خاصة ً مع اصطدامها قبل نهاية الأحداث مع الشخية الحَديّة الأخرى ” سـهـير ” .
( ٣ ) الرهـاب الاجتماعي :
أدت حالة القلق الشديد والخوف الباطنى وعدم الاستقرار العائلى خاصة ً مع تشابكات علاقات ” فريدة ” بالآخرين وتواترات الأحداث المتلاحقة ، إلى أزمتها النفسية بدلالاتها الإيحائية التى قادتها إلى حالة مُتبادَلة من الرهاب الاجتماعى السيكولوجى مع المحيطين بها ، أى حالة من القلق الاجتماعى المتبادل ، حتى مع طبيبها النفسى ” رائد ” الذى حاول احتوائها عاطفيا ً لصالحه ، محققا ً لفكرة لعبة عندما السيكولوجية ، وهى امتداد الاحتواء المُرضِى لذات المُعالِج ، بعدما يُشفى المريض نفسيا ً ، وذلك بعد شفائها من اكتئباها على يديه .
( ٤ ) السـادية العـاطـفـية :
تحركت النوازع النفسية لتلقى بظلالها على تشابكات الأنماط المختلفة للشخصيات المحيطة بـ ” فريدة ” فهى قد مارست ساديتها العاطفية على الزوجات الُأوَل ، بالتلذُّذ بعذاباتهم ، وقد تمت ممارسة هذه السادية العاطفية – أيضا ً- من قِبَل أزواجها عليها بأشكال متباينة .
٥ ( ثمن الوعى الزائد )
خلاصة المعنى النفسى الهام من هذا العمل الروائى ، أن الوعى النفسى العميق قد يكون بالانفصال الذاتى عن ما هو قديم ومقيم فى الذات بصورة غير صحية ، بمعنى تغيير الوظيفة النفسية ، أو اعتزال بعض الناس وليس جميعهم ، بعدما يكتشف الشخص أن اختيارات حياته السابقة كانت خاطئة ومتسرعة .. وبمعنى آخر أيضا ً وهو أن العلاج الناجع يكون (( بتفكيك البناء النفسى المَرضِـى ، وأعادة التأهيل من جديد )) .
الملامح الأسلوبية والموضوعية :
١ – التدقيق اللغوى والمراجعة العامة قبل النشر من الأهمية بمكان للأعمال الأدبية.
٢ – تقسيم أجزاء الرواية ، وبدايات الفصول بمقولات لرموز المبدعين والمفكرين محليا ً وعالميا .
٣ – الارتكاز سرديا ً على تقنية المونولوجات الداخلية للشخصيات ، وتناسُـب ذلك مع الدلالات الإيحائية الوجدانية والفكرية داخل السرد .
٤ – تقنية المُؤجَّلات المتواترة فى الأحداث وأطروحاتها المتباينة واستدعائها مرة ًأخرى عبر السياق السردى ، مما يضفى حالة ً من التشويق المستمر .
٥ – ظاهرة الغرائبية فى الحكى الخاص داخل الحكى العام بالرواية والمستمدة من الأحداث والشخصيات النمطية واللانمطية .
٦ – المسكوت عنه وعدم اكتمال الطرح الموضوعى أحيانا ً لترك مساحة للمتلقى النابه ، للإرتباط وجدانيا ً وفكريا ً بخط سير الأحداث .
٧ – التحول سرديا ً من المشهدية المرتكزة على المفارقات ، إلى الفلاش باك واستدعاء الذكريات .
٨ – كسر المُتوقَّع دراميا ً للمتلقى فى مواضع مفصلية عبر الأحداث ( موقف تعارف ” سليم على ” فريدة ” ) على سبيل المثال .
٩ – الكتابة لتفريغ شحنات أعماق الذات تأتى بديلا ً هاما ً عن حالات الاكتئاب الذى يمكن أن تصل لحد الانتحار .
معلومة علمية تتعلق بالسياق الروائى :
تختلف إمكانيَّةُ استعادة الذكريات فى افتقاد الذاكرة الجزئى باختلاف شدَّة الضرر وسببه ، ولا يكون الضَّرر شديدًا غالبًا أو يكون السببُ مؤقَّتًّا. وفي مثل هذه الحالات ، لا يستمرُّ فقدان الذاكرة سوى دقائق أو ساعات وغالبًا ما يستعيد معظم الأشخاص ذاكرتهم دون معالجة.
تابعونا على صفحة الفيس بوك.