ثقافة وفنقصص

الحبكة الدرامية في”سيسامنيس” للأديب أحمد إسماعيل..الناقد الأدبي زكريا صُبح.

كتبت حنان محمد بعرور

 

تُظهر الحبكة في رواية

“سيسامنيس” براعة الكاتب في بناء تسلسل درامي مشوق يعتمد على الخيال المحكم والمفاجآت المدروسة. عن طريق خلق “واقع موازٍ” يتماشى مع أحداث الرواية، واستخدام تقنيات التشويق والمفاجأة، تمكن الكاتب من إبقاء القارئ متحفزًا ومرتاحًا في ملاحقة الأحداث حتى النهاية.

لا يقتصر الفن الأدبي على مجرد نقل الواقع كما هو، بل هو عملية تحويله إلى “واقع موازٍ” من خلال الخيال، وهو ما يتطلب بنية سردية محكمة ومتماسكة. في “سيسامنيس”، استطاع الأديب أحمد عبدالله إسماعيل أن يخلق حبكة درامية قوية أثرت في تجربتي كقارئ، وجعلتني منسجمًا تمامًا مع الأحداث والمفاجآت التي انكشف عنها النص.

 

1. الخيال والحبكة المحبوكة

• كما أن الفن ليس مجرد محاكاة للواقع، فإن الخيال هنا لعب دورًا حاسمًا في صياغة الواقع الموازي. يواجه القارئ عالمًا يبدو مألوفًا ولكنه مشوَّق وغامض، ويتنقل بين أحداث وحوارات تبدو مشوقة وجذابة من أول وهلة.

• الحبكة هنا متماسكة بحيث يبني الكاتب الأحداث بذكاء ويترك تفاصيل متفرقة تثير فضول القارئ دون أن يكشف كل شيء من البداية. يتطلب هذا النوع من الحبكة مهارة عالية في إدارة التفصيلات الصغيرة التي تساهم في بناء النهاية المشوقة.

 

2. عنصر المفاجأة والتشويق

• من أبرز ميزات الحبكة في هذه الرواية هو قدرة الكاتب على إخفاء بعض الحقائق حتى اللحظة المناسبة للكشف عنها. أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو الكشف المتأخر عن هوية أم ماجد، التي اكتشفنا في النهاية أنها ليست “نادرة هانم” كما ظننا، بل هي “أم عمرو الخادمة”.

• هذه المفاجأة تعد من تقنيات التشويق الفعّالة التي جعلتني، كقارئ، أقوم بتخمين الاحتمالات طوال الرواية بينما يقودني الكاتب عبر مسارات متشابكة ليكشف لي الحقيقة في اللحظة التي ترفع من قوة الحبكة وتزيد من إثارتها.

 

3. التيمة المستهلكة ولكن المدروسة

• على الرغم من أن التيمة (التي تجسد شخصية الأم التي كانت خادمة ثم أصبحت جزءًا من النخبة) قد تكون قديمة بعض الشيء، إلا أن الكاتب استخدمها بشكلٍ ذكي لإضافة عنصر الإثارة داخل الحبكة. لا تقتصر قوتها على المفاجأة فقط، ولكن على الطريقة التي تم من خلالها ربطها بحياة “ماجد زاهر أبو المجد” وتوجيهاتها المختلفة في الرواية.

• هذه التيمة تخلق تعقيدًا إضافيًا يسلط الضوء على البنية الطبقية في المجتمع، وهو أمر يضيف بُعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا للرواية، مما يعزز من تشويق القارئ طوال أحداثها.

 

4. التواطؤ السري بين الكاتب والقارئ

• من أهم مميزات الحبكة في “سيسامنيس” هو ما يسميه الكاتب “التواطؤ السري” بينه وبين القارئ، حيث يعمل الكاتب على بناء التشويق بشكل متصاعد، دون أن يفرض على القارئ المعلومات، مما يدفعه لمتابعة النص بشغف.

• هذا التواطؤ يخلق حالة من التعاون غير المرئي بين القارئ والنص، حيث يتسنى للقارئ اكتشاف الحقائق مع تقدم الأحداث، ولا يتم الأمر فجأة بل على مراحل مدروسة، مما يعزز الصدق الفني للعمل.

 

 

الدراما والتصوير في ” رواية سيسامنيس ”

 

الدراما الأدبية هي ليست مجرد سرد للأحداث أو تقديم تقرير عن الواقع؛ بل هي عملية فنية ترتكز على التصوير البصري والوجداني للأحداث، بحيث يندمج القارئ مع الأحداث والشخصيات. في ” رواية سيسامنيس “، تجنب الأديب أحمد عبدالله إسماعيل الوقوع في فخ “نقل الأخبار” أو تقليد الواقع بطريقة جافة، بل حرص على خلق عالم حي يتحرك فيه القارئ من خلال التصوير الفعلي للأحداث.

 

1. التصوير بدلاً من التقرير

• الفن ليس مجرد تلاوة للأخبار، كما أن الأدب الحقيقي ليس نقلًا باردًا للوقائع، بل هو عملية تصوير تخيلية تُحاكي الواقع وتُظهره بشكل فني. في ” رواية سيسامنيس “, تمكن الكاتب من أن يجعلنا نرى ونتابع الأحداث كما لو أننا جزء منها، دون أن يقتصر على تزويدنا بمجرد معلومات سطحية.

• بدلاً من مجرد سرد الحكاية أو نقل الأخبار، كان الكاتب يقدم لنا مشاهد حية تنبض بالحياة والتفاصيل. عندما يصف القاضي ماجد زاهر أبو المجد في مواقف معينة، لا نجد مجرد سرد لما يفعله، بل نشهد التوتر في عيونه، والتردد في خطواته، مما يجعلنا نعيش الموقف كما لو كنا فيه بالفعل.

 

2. التأثير العاطفي على القارئ

• في ” سيسامنيس “، يتجاوز الكاتب مجرد إخبار القارئ بما يحدث، بل ينقل إليه مشاعر وأحاسيس الشخصيات بشكل عميق. عندما يتوتر ماجد أبو المجد، نكتشف التوتر الذي يشعر به القارئ، وعندما يشعر بالسعادة أو القوة، نجد القارئ يبتسم أو يندفع عاطفيًا مع الأحداث.

• هذا التفاعل العاطفي من القارئ يعكس قوة التصوير الفني الذي استخدمه الكاتب. عندما يغضب القارئ من تصرفات القاضي أو يشعر بالندم من قرار اتخذته الشخصية، يكون ذلك نتيجة قدرة الكاتب على تصوير الدراما بطريقة تجعلنا نتماهى مع الشخصيات.

 

3. التماهي مع الشخصيات

• من أهم جوانب فن التصوير في ” رواية سيسامنيس ” هو قدرته على خلق علاقة خاصة بين القارئ والشخصيات. كقارئ، شعرت وكأنني جزء من محيط الشخصيات، أشعر بما يشعرون به، وأتفاعل مع أفعالهم.

• هذا التماهي مع الشخصيات لم يقتصر على تصرفاتهم فحسب، بل شمل أيضًا عواطفهم الداخلية، صراعهم النفسي، وتوتراتهم المستمرة. بدلاً من أن نكون مجرد متفرجين على الأحداث، نجد أنفسنا مندمجين بشكل كامل في الدراما التي يتصورها الكاتب.

 

4. تصوير الأحداث الحية

• في الرواية، لم يكن الكاتب مجرد ناقل لوقائع فاسدة أو أحداث مأساوية، بل كان يصور تلك الأحداث بصورة تجعل القارئ يشعر وكأنه يحضرها بأم عينه. عندما يتعرض القاضي لضغوط أو يتخذ قراراته المصيرية، فإن الكاتب لا يكتفي بسرد تلك القرارات، بل يصورها من خلال تفاصيل صغيرة تبين التفاعلات النفسية والوجدانية للشخصيات.

 

في ” رواية سيسامنيس “، نجح الأديب أحمد عبدالله إسماعيل في استخدام التصوير الفني ليخلق عالمًا أدبيًا حيويًا، يتجاوز حدود السرد التقليدي. بدلاً من نقل الأخبار، كان الكاتب يعبّر عن أفكار وأحداث بطريقة تجعل القارئ يعيش التجربة بكافة تفاصيلها العاطفية والجمالية، مما يعزز من قرائتها.

تابعونا على فيس بوك

 

https://www.facebook.com/share/1FAhUw3TMZ/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى