التشابه بين التعامل الروسى- الصينى مع (المعارضة السورية والأوكرانية)،
تحذير أوكرانيا من الوقوع فى "فخ الديمقراطية الغربية"
تحليل: الدكتورة نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
ربما أعادت الأزمة الأوكرانية الحالية مع روسيا إعادة رسم النظام الدولى، وجعلت التحليل الأبرز هنا ينصب على ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشن (هجوم معاكس على مجموعة معاهدة شنغهاى، والتى تحتفظ روسيا والصين بعضويتها)، بحيث أن الدعم الأمريكى لأوكرانيا فى مواجهة روسيا، سيمكن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى “حلف الناتو”، من إعادة التنظيم والإنتشار من (شواطئ البحر المتوسط إلى بحر قزوين والقوقاز حتى بحر الصين الجنوبى).
ركز الرئيس الروسى “بوتين“ على الجوانب الإقليمية والتجمعات الدولية لتقوية شراكاته وعلاقاته الإقليمية والدولية، مثل العضوية الروسية فى تجمعات: (البريكس، منظمة شنغهاى، منظمة التعاون الإسلامى)، وفى المناطق المجاورة المباشرة لروسيا، فقد مارس الدبلوماسية (فى روسيا البيضاء وكازاخستان وتركمانستان)، وأثار المتاعب (فى أوكرانيا ودول البلطيق) أو إستخدام القوة المباشرة (فى جورجيا).
هناك بدء إعادة رسم خرائط، وهناك تبدلات فى الحكم المحلي وتعديلات وإن بطيئة، في السلطة العالمية. ومع مثل هذه السيولة الشديدة، يعد أهم ما يمكن القيام به، هو الحذر الشديد فى تقييم الأمور فى الوقت الراهن. فنحن نعيش فعلياً فى حالة “إنقسام عالمى”، بمعنى أن العالم قد إنقسم إلى معسكرين، فى ما يشبه (الحرب الباردة الجديدة)، بمعنى وجود معسكرين، هما: (معسكر الممانعة ومعسكر المقاومة)، أى روسيا والصين وأصدقائهما فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها.
– فلقد برزت العديد من النقاط الخاصة، بشأن:
– أبرز الفرص التى يمكن أن تجنيها الصين من أى مواجهة محتملة قد تحدث في ازمة أوكرانيا (حال اقتحام روسيا لأوكرانيا). وهنا تحدث المراقبون عن (ثلاثة فرص بالأساس)، هى:
أ– تخفيف الضغط الأمريكى على الصين (مع التركيز على التوتر بين روسيا والغرب)
ب– إختبار صينى لردة فعل الغرب (لدراسة إمكانية تحقيق الأمر ذاته فى ملف تايوان)
ج- تأسيس لنظام عالمى جديد
– فضلاً عن التساؤلات الدائرة، حول:
إلى أى مدى يمكن للصين دعم روسيا فى أزمة أوكرانيا، وهل ستغامر الصين إقتصادياً؟
وهنا تعتقد الباحثة المصرية، بأن الأزمة الأوكرانية، تحمل فى طياتها ملامح لنظام عالمى جديد، وإنقسام عالمى حاد يشهده العالم فى الوقت الراهن، ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها والصين وروسيا. وبالأخص بعد تقسيم الولايات المتحدة الأمريكية العالم إلى معسكرين (دول ديمقراطية وأخرى إستبدادية شمولية غير ديمقراطية)، وذلك فى مؤتمر القادة الديمقراطيين فى ديسمبر ٢٠٢١. ومن هنا، يمكننا فهم طبيعة المشهد العام على النحو الآتى:
١) هناك إتفاق صينى روسى على ضرورة مواجهة واشنطن وحلفاؤها وسعيهم لتقويض مناطق نفوذهما، لذلك يقوم الطرفين الروسى والصينى بلعب دور بديل للتحالفين العسكريين الغربيين اللذين تقودهما الولايات المتحدة الأمريكية، وهما: حلف شمال الأطلسى “حلف الناتو”، وحلف “أوكوس“، والذى أنشئ بعد توقيع إتفاقية أوكوس الدفاعية الأمنية الجديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا عام ٢٠٢١، بإعتباره يقوض “الإستقرار والسلام العادل” فى العالم.
٢) ومن هنا، تكمن أوجه الإستفادة الصينية – الروسية فى “توحيد جبهة المطالب”، بإصدار بيان مشترك تم فيه التأكيد على أن (موسكو وبكين تعارضان أى توسيع لعضوية حلف شمال الأطلسى “الناتو” مستقبلاً). بملاحظة التخوف الصينى – وهو الأمر الجديد- من تحركات أمريكية مريبة فى منطقة “الإندو-باسيفيك” بالمفهوم الأمريكى أو (منطقة آسيا-المحيط الهادئ) بالمفهوم الصينى، لإنشاء مكتب عسكرى جديد وإفتتاح فرع جديد لحلف الناتو فى المنطقة القريبة من النفوذ الصينى، مع التأكيد بأن تلك المنطقة الآسيوية بعيدة تماماً عن مناطق نفوذ الناتو، وهى تلك الدول التى تطل بالأساس على المحيط الأطلسى. ولكن لوحظت تحركات أمريكية مريبة أواخر عهد الرئيس الأمريكى السابق “ترامب” لضم كلاً من (أستراليا واليابان) إلى عضوية حلف الناتو، مع زيارات سرية كشفت عنها الصين لوزير الدفاع الأمريكى “مارك إسبر” إلى أستراليا، ولقائه بوزير الدفاع الأسترالى للإتفاق حول عضوية أستراليا فى حلف الناتو فى المستقبل، وهو الأمر الذى يثير حفيظة الصين بالأساس. وستتصدى له بشدة فى حالة مناقشته علنياً ودولياً وبشكل مستفيض، نظراً لبعد أستراليا واليابان عن مناطق نفوذ حلف الناتو، لذلك تشترك المطالب الروسية الصينية فى عدم السماح بضم أوكرانيا إلى عضوية حلف الناتو، وعدم توسع حلف شمال الأطلسى “الناتو” فى المستقبل. وذلك منعاً لعدم إستغلال الولايات المتحدة الأمريكية لذلك الأمر بالمطالبة بضم دول أخرى لتقويض النفوذ الصينى وعلى حدودها، مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى مناطق نفوذ روسيا فى أوروبا الشرقية. لذلك، كان المطلب الأول لروسيا والأساسى للصين من أجل خفض حدة التوتر بينهما وبين الغرب حول أوكرانيا، هو وضع “ضمانات أمنية” تسمح بعدم توسع عضوية حلف الناتو، وعدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو وإلحاقه بالمعسكر الغربى المناوئ والمعارض لحكم الرئيس الروسى “بوتين“.
٣) وتأتى أهم الفرص للصين من الأزمة الأوكرانية، هى إيجاد مطالب أمنية، لحماية أمن روسيا بعدم توسع عضوية حلف الناتو، وعدم الشعور بالتهديد من قبل الحلف الأطلسى، لذلك يتفق الطرفين الصينى والروسى بوقف (سياسة توسيع الحلف وسحب قوات الناتو من أوروبا الشرقية)، وهو ما يعتبره الأوروبيون والأمريكيون غير مقبول.
٤) ونلاحظ الفرصة الروسية الصينية المشتركة فى تأييدهما مبدأ “أمن واحد لا يتجزأ”، وهو المبدأ الذى يستند إليه الروس والكرملين الروسى مع الصين كى يطالبوا من خلاله بإنسحاب الحلف الأطلسى من محيط روسيا، وتأكيدهما الدائم، بأن “أمن البعض لا يمكن أن يتحقق على حساب البعض الآخر، رغم حق كل دولة، وبالتالى أوكرانيا أيضاً، فى إختيار تحالفاتها”.
٥) كذلك تسعى الصين من ناحية أخرى لتخفيف الضغط عليها من ناحية تايوان، خاصةً مع الدعم الغربى والأمريكى لأوكرانيا فى مواجهة روسيا، وهو الدعم الذى سمح لأوكرانيا مثلما أكدت فى بياناتها الرسمية بإفشال “إستراتيجية الترهيب” التى تمارسها موسكو ضدها منذ بضعة أشهر. وبالتالى، فإن روسيا والصين يرفضان سوياً مبدأ التدخلات الغربية والأمريكية فى مناطق نفوذهما المجاورة المباشرة.
٦) وتخشى روسيا والصين خسارة أول مواجهة حقيقية مع حلف الناتو والغرب بقيادة واشنطن بالأساس، بالنظر إلى أنه لو إنضمت أوكرانيا إلى حلف الناتو، ربما سيحاول حلف الناتو بموجب إلتزاماته تجاه الدول الأعضاء بالتواجد بإستمرار فى شرق أوروبا وإعاقة التبادل والشراكة بين روسيا والصين، وربما فإن إستعادة “شبة جزيرة القرم” من روسيا، سيضعف التحالف الروسى والصينى المشترك عالمياً. لذلك، تزايدت إتهامات روسيا والصين لدول الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بتزيد أوكرانيا بالأسلحة، ويتهموا فى الوقت ذاته الولايات المتحدة الأمريكية التوترات والثورات الملونة لعرقلة التطور الروسى وكبح وتقويض وتحجيم التعاون الصينى الروسى لصالح زيادة النفوذ الأمريكى والغربى فى مناطق نفوذ روسيا فى أوروبا الشرقية ومنطقة “الإندو-باسيفيك” القريبة من مناطق النفوذ المباشر للصين، خاصةً بعد توقيع الولايات المتحدة لإتفاقية أوكوس الدفاعية مع أستراليا وبريطانيا.
٧) وتحاول الصين إكتساب موطئ قدم ونفوذ فى تلك الأزمة ولعب دور لصالح حليفتها الروسية بالمطالبة بضمانات لعدم توسع حلف الناتو فى إتجاه الشرق، وإنهاء النشاط العسكرى للناتو فى شرق أوروبا، وهو ما يعنى سحب الوحدات المقاتلة من دول، مثل: (بولندا، دول البلطيق الثلاث “إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا”)، فضلاً عن المطالبة بعدم نشر صواريخ فى دول، مثل: (بولندا ورومانيا).
٨) ومن هنا نفهم أننا أمام نظام عالمى جديد بدأ يتشكل بدعم بكين للموقف الروسى بشكل صريح، مع حرص الرئيسان الصينى “شى جين بينغ” والروسى “بوتين” على إظهار تحالف مواقفهما عالمياً فى مواجهة الضغوط الغربية والأمريكية التى تفرض عليهما. وهو الأمر الذى دفعهما لتوقيع إتفاق غاز ضخم وصلت قيمته إلى ٤٠٠ مليار دولار فى ذروة إشتعال الأزمة بشأن أوكرانيا.
٩) مع محاولة الصين تأكيد رفضها لعقلية الحرب الباردة، والمطالبة بتخلى جميع الأطراف تماماً عن عقلية الحرب الباردة، بالتوازى مع “إنشاء آلية أمنية أوروبية” تكون متوازنة وفعالة ومستدامة من خلال المفاوضات وليس الحرب أو التدخل لصالح دعم أحد الأطراف، مع مطالبة الصينى بضرورة أخذ مخاوف روسيا الأمنية المشروعة على محمل الجد.
١٠) وهنا، يتم الضغط على الصين من خلال “الورقة الأوكرانية”الخاصة بها تحت إسم “التهديد بغزو صينى لتايوان”، كمحاولة غير مباشرة للفت أنظار العالم إلى تايوان فى مواجهتها مع الصين.
١١) وهنا فإن بكين وموسكو متفقتان على أهمية تنسيق أفعالهما المشتركة بشأن الأزمة الأوكرانية، ولكن رد الفعل الأمريكى، سيتم كالعادة عبر إعلان أن الروس والصينيين يمثلون تهديداً للنظام العالمى والإستقرار الدولى والإقليمى. فتلك هى الإستراتيجية الأمريكية الحالية للمواجهة.
١٢) وفى إعتقادى الشخصى، فإن روسيا والصين أذكى من أن تجعلان وحداتهما ضمن نفوذ خصومهما، ولن تسمحان لواشنطن من تحقيق مآربها وخططها وأهدافها باللعب بالورقة الأوكرانية والتايوانية معاً فى ذات الوقت لحشد العالم فى مواجهة الصين وروسيا.
١٣) كما أن بكين لا ترغب فى تعقيد علاقاتها مع موسكو بشكل لا داعى له بالرضوخ للعبة الأمريكية للتدخل الصينى فى الأزمة الأوكرانية مع حليفتها الروسية. فروسيا تعد شريكاً هاماً للصين فى مجالات إستراتيجية، مثل: (الطاقة، التعاون فى مجال الأسلحة، الغاز، الحدود المشتركة فى سيبريا، مبادرة الحزام والطريق الصينية، المشاريع المشتركة…. إلخ). وعلى المستوى السياسى والدولى، فهناك مواقف مشتركة بينهما بشأن التحديات الإقليمية والعالمية، مثل: قضايا إيران وسوريا وكوريا الشمالية، وتجمعهما معارضة لتجاوزات الولايات المتحدة الأمريكية ورغبتها فى الهيمنة على جميع أنحاء العالم. كما أن الصين لا تريد فقدان الزخم الإيجابى المكتسب من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين.
١٤) ووفقاً لإعتقادى، فلم تغب إطلاقاً أهمية أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا على المراقبين الصينيين. فعلى سبيل المثال، فقد إعتبر “وانغ هايون”، وهو مستشار بارز سابق مع مؤسسة بحثية تابعة لجيش التحرير الشعبى أى الجيش الصينى، بأن:
“أوكرانيا تشكل مصلحة أساسية بالنسبة لروسيا، وأنه يتعين على الصين تعزيز المشاورات مع روسيا بشأن هذه المسألة”
١٥) وكما لاحظت بحكم تخصصى الأكاديمى فى الشأن السياسى الصينى، فإنه من ناحية ثانية، يبقى لدى الصين مصلحة ملحة فى البقاء على الإستقرار فى أوكرانيا على المدى الطويل. فالصين لديها حوافز لمنع حالة الفوضى التى من شأنها أن تقوض العلاقات الإقتصادية والإستراتيجية مع العاصمة “كييف”. فالصين تعد ثانى أكبر شريك تجارى لأوكرانيا بعد روسيا. كما تمتلك للصين حصصاً كبيرة فى القطاع الزراعى فى أوكرانيا، وتردد أنها وقعت صفقة لإستثمار وزراعة ما يصل إلى خمسة فى المائة من الأراضى الصالحة للزراعة فى أوكرانيا.
١٦) بالإضافة إلى ذلك، عمقت الصين علاقاتها بأوكرانيا فى ديسمبر ٢٠١٤، من خلال “الشراكة الإستراتيجية”، والتى وقعها الرئيس الصينى “شى جين بينغ” مع الرئيس الأوكرانى المخلوع “فيكتور يانوكوفيتش”. وبات هذا الإتفاق صالحاً لمدة خمس سنوات والسعى الصينى لتجديده، وهو يتضمن خطة بنحو ٣٠ مليار دولار لتعزيز الإستثمارات الصينية فى بعض المناطق الأوكرانية، بما فى ذلك تحسين البنية التحتية، التعاون فى مجالات الطيران والفضاء، والطاقة، والزراعة.
١٧) وهنا، فإنه وعلى الرغم من رحيل الرئيس الأوكرانى “يانوكوفيتش”، فقد أكدت وزارة الخارجية الصينية من قبل بأن الشراكة الإستراتيجية وأحكامها لا تزال سارية المفعول مع أوكرانيا.
١٨) وبناءً على ذلك، فإنه لدى الصين مصلحة أوسع وقناعة فى الدفاع عن قاعدة “عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول”. وذلك على الرغم من أن الصين قد إعتمدت تفسيراً أكثر مرونة لهذه القاعدة فى السنوات الأخيرة، فإن بكين مترددة فى أن تتغاضى عن أى تدخل عسكرى خارجى فى أوكرانيا من (دون الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولى). والسبب هو أن بكين تخشى أن أى خرق لهذه القاعدة، يمكن أن تكون له آثاره المحتملة بالنسبة لإمكانية التدخل الخارجى فى الأراضى التى تدعى الصين أنها يجب أن تكون تابعة لها الصين، بما فى ذلك (التبت وتايوان).
١٩) لذلك، فالصين لا ترغب فى التحرك لمنع التدخل العسكرى الروسى، ولكنها ربما ستضطلع بأداء أدوار إيجابية لحل الازمة الراهنة فى أوكرانيا لصالح حليفتها الروسية.
٢٠) وعلى الرغم من أن الأدلة حتى الآن لا تظهر أى حركة فى هذا الإتجاه الصينى لتخفيف الأزمة بين أوكرانيا وروسيا. إلا أن مواقف الصين قد إقتصرت على التعبير عن قلقها إزاء التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا، لكنها لم توجه الملامة لروسيا او تحثها على الإمتناع عن خطوة كهذه خوفاً من أن تتدهور العلاقات مع موسكو، وهى أساسية بالنسبة للنظام الصينى.
٢١) فبدلاً من ذلك، ركزت بعض المصادر الصينية على (نظرية المؤامرة، وعلى الإعراب عن التخوف الصينى من وجود أيادى غربية خارجية)، تهدف إلى تخريب أوكرانيا والزج بروسيا لإشعال الصراع. ففى خلال إفتتاحية سابقة فى صحيفة الشعب اليومية والناطقة بلسان الحزب الشيوعى فى الصين، طلبت فيها الصين من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيين بضرورة التخلى عن نهج “عقلية الحرب الباردة” فى الأزمة الأوكرانية، بينما حذرت فى الوقت ذاته أوكرانيا من الوقوع فى “فخ الديمقراطية الغربية”.
٢٢) وهنا سنجد، بأنه لا شك أن هذه المواقف الصينية، باتت تتشابه إلى حد كبير مع المواقف الصينية السابقة فيما يتعلق بثورات الربيع العربى وكافة الثورات الملونة فى أوروبا الشرقية.
٢٣) ففى الحالة السورية، فقد (إستطاعت روسيا القضاء على المعارضة المدعومة من أمريكا)، فقد تضمن النهج الروسى المرونة السياسية والدبلوماسية الذكية، لكن فى جوهره تضمن الدعم لنظام “بشار الأسد” من خلال القصف للمناطق المدنية.
٢٤) كانت قوات الأسد فى مواجهة قوات عربية سنية تسعى لإسقاطه، لكن التدخل الروسى أكسب قوات الأسد اليد العليا من خلال حملات قصف منهجية ضد أماكن تمركزهم، وإستخدمت روسيا عدد من التكتيكات العسكرية لدعم “بشار الأسد“بمساعدة الإيرانيين، وتوفير الغطاء السياسى للأسد، كما إعتمدت روسيا (إستراتيجية سياسية ضد المعارضة الداخلية المسلحة فى الأراضى السورية بتهمة دعمها من الخارج)، الأمر الذى نتج عنه نزوح العديد من السكان وقوى المعارضة الداخلية وأسرهم إلى دول الجوار، وكلفت إستراتيجية روسيا بالتهجير القسرى دول الجوار والمجتمع الدولى أكثر من ١٠٠ مليار دولار من المساعدات.
٢٥) وسنلاحظ هنا، تعامل روسيا مع المعارضة بمرونة سياسية من خلال التعامل مع المعارضة المهزومة والجهات الراعية لها، حيث خرقت روسيا عدة إتفاقيات موقعة مع تركيا فى أربع مناطق وسمحت للأسد بالسيطرة عليهم، بإستثناء (إتفاقية إدلب)، والتى أجبرت أنقرة على إدخال آلاف الجنود لحمايتها من روسيا. وكانت دبلوماسية روسيا تكتيكية بارعة، بتنسيق دبلوماسيتها مع الدعم العسكرى لسوريا، بالسعى إلى إضعاف معنويات المعارضة المسلحة من خلال تصوير موسكو أنها عاصمة الحل للقضية السورية وكانت روسيا تلعب أيضاً على حبل المخاوف الأمنية للدول الجوار لسوريا، مثل: (حزب العمال الكردستانى، مخاوف اسرائيل من الميليشيات الإيرانية، وقلق الجميع من تدفق اللاجئين).
٢٦) بإختصار، كان نهج روسيا فى مكافحة التمرد عكس نهج الولايات المتحدة الأمريكية فى أفغانستان، بمعنى أنها كانت ذو أثر صغير وليس كبير، عبر إتباع تكتيكات متنوعة ومتعمدة أمام المعارضة السورية المسلحة المعارضة لبقاء حكومة “بشار الأسد”، بدلاً من القلق بشأن الخسائر فى صفوف المدنيين، والتسامح مع نقاط ضعف الأسد أو القبول بدولة مشوهة، ثم محاولة روسيا لإستمالة المعارضة الداخلية والدولية بعد ذلك، من خلال التعاملالروسى وفق ثنائية “نحن في مواجهة هم“، والنتيجة النهائية لهذا كله، صار الإقرار بوجود “بشار الأسد” على رأس السلطةحتى الآن بمساعدة روسية، وهو الأمر الذى يعرف، بأنه “النجاح على الطريقة الروسية” عبر تكتيكات متنوعة ومختلفة.
٢٧) وعليه يمكننا التنبؤ، بأن أى تمرد أوكرانى سيكون الرد الروسى عليه شرساً وذكياً عسكرياً وسياسياً، ومع ذلك هناك عامل إيجابى وإن كان مصحوباً بالمخاطر، وهو أنه عندما واجهت روسيا قوات عسكرية قوية، مثل: أمريكا وإسرائيل وتركيا تحاول الدفاع عن أمنها فيما يتعلق بالشأن السورى، كانت موسكو تمسك العصا من المنتصف، وتتعمد تغليب مصالح الآخرين بمرونة سياسية كبيرة، وهذا كان واضحاً فى الحالة التركية، وإتفاقها بعد ذلك على تفهمها للموقف التركى بضرورة إحترام كل طرف مصالح الآخر.
٢٨) ونجد أن الرئيس الروسى “بوتين” قد إستغل إنشغال العالم بحرب التصريحات والإدانات المتبادلة بينه وبين واشنطن بخصوص الأزمة الأوكرانية، وقام يوم الأثنين الموافق ٢١ فبراير ٢٠٢٢، بإجتياح مدينتى “لوغانسك” و “دونيتسك” فى إقليم “دونباس“ فى أوكرانيا، واللتين إعترفت بهما روسيا رسمياً، بإعتبارهما دولتين مستقلتين عن أوكرانيا. وجاء تبرير الرئيس الروسى “بوتين” لأسباب ذلك الإعتراف، لخطورة الوضع فى إقليم “دونباس“ التابع لأوكرانيا، معتبراً بأن العاصمة الأوكرانية “كييف” قد وقعت تحت السيطرة الأمريكية بشكل تام، كما أن إنضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسى “الناتو” يشكل خطراً على الأمن القومى الروسى، ووجه الرئيس “بوتين” كذلك عدة إتهامات إلى الجانب الأوكرانى بصناعة أسلحة نووية خاصة بهالإستخدامها ضد موسكو بمساعدة حلف الناتو والغرب وبتخطيط أمريكى لتهديد أمن روسيا عبر الأراضى الأوكرانية المجاورة لها إقليمياً، وأعتبر “بوتين“، بأن أوكرانيا الآن باتت تحت السيطرة الأمريكية بشكل تام.
٢٩) وجاء أول رد فعلى دولى عبر إجتماع وزراء خارجية الإتحاد الأوروبى، يوم الأثنين الموافق ٢١ فبراير ٢٠٢٢، بالموافقة خلال إجتماعهم فى بروكسل، على (قرار إنشاء بعثة إستشارية للتدريب العسكرى فى أوكرانيا). وأعتبر أن إطلاق مثل هذا التعاون فى المجال العسكرى بين أوكرانيا والغرب، ربما سيكون بمثابة “إشارة سياسية مهمة لزيادة وجود الإتحاد الأوروبى فى أوكرانيا، وهو الأمر الذى سيستفز الرئيس “بوتين” بشدة“، وذلك رغم التأكيد الأوروبى بأن هذه البعثة لن تكون “بعثة قوات قتالية“.
٣٠) وهنا يدفع عدد من المحللين للمشهد، بأنه بات لزاماً على المسؤولين الأمريكيين العمل على (منع موسكو من إعادة تطبيق ونشر إستراتيجية تعاملها مع المعارضة السورية فى أوكرانيا).
٣١) الخيارات الأمريكية محدودة للغاية حيث إن بوتين مصر على تقييد مناطق النفوذ فى أوكرانيا، وينطلق الدبلوماسيين الأمريكيين من إفتراض أنهم يناقشون أزمة دبلوماسية بين دول، لكن “بوتين” هنا يرى أوكرانيا بأنها “تابعة لبلده ويرى بوتين التدخل في أوكرانيا بأنه تدخل فى شؤون روسيا الداخلية”.
٣٢) فالإشكالية هنا، هى أن أوكرانيا دولة من الإتحاد السوفيتى، وبوتين يرى نفسه أنه الإنسان السوفيتى، وقد يرى العالم أن “بوتين” قد أصيب بجنون العظمة، ولكن هذا لا يعنى أن “بوتين“ غير عقلانى، بل هو لا يريد أن يشاركه الغرب فى التدخل فى الأزمة الأوكرانية بإعتبارها دولة تابعة لإرثه السوفيتى القديم، فى الوقت الذى يرى الروس فيه “بوتين“ بمثابة الطرف المخلص الذى سيستعيد مجد روسيا كدولة عظمى وقوة كبيرة على الساحة الدولية.
٣٣) ويدرك “بوتين“ جيداً بأن من يفتح النار على الآخرين يجب أن يكون مستعداً للعواقب، لأن ذلك ليس فى مصلحة روسيا قطعاً، وخاصةً عندما نتحدث عن اللعبة الإقتصادية التى يعرف الأمريكيون أصولها جيداً، وهى “العقوبات الإقتصادية”.
٣٤) ويميل بعض المحللين الغرب، للقول بأن بعض القوى الغربية تملك أوراق ضغط جيدة ضد النخب الإقتصادية الروسية من رجال الأعمال المقربين بالولاء من الرئيس “بوتين“، والذين يضعون أموالهم فى بنوك لندن، فهؤلاء سيواجهون تكاليف حقيقية وخسائر شخصية، مع تهديد إدارة “بايدن“ بعصا العقوبات الإقتصاديةعلى أموالهم فى الخارج، فى حال دعمهم للرئيس “بوتين” فى مواجهة أوكرانيا.
٣٥) ويمكننا هنا القول، بأنه حتى إذا كانت الولايات المتحدةالأمريكية جدية فى الدفاع عن أوكرانيا، فإنها (لن تذهب إلى الحرب لأن أوكرانيا ليست عضواً فى الناتو، وإذا كانت إدارة بايدن غير جادة فى خيار العقوبات ضد روسيا، فإن عليها إيجاد سبيل للخروج من الأزمة، والحل الوسط هو القبول بشروط موسكو، ولدى بوتين الذكاء الكافى ليعلن أنه إنتصر على الناتو بالمفاوضات).
لذلك بات على الأمريكيين أن يضمنوا وجود فريق أزمة وإتصالات مع الحلفاء من الناتو وإبقاء القوات فى حالة تأهب للحوادث التى قد تكون وخيمة، لأن “بوتين“ قد يقود أوروبا – وفقاً للرؤية الأمريكية- إلى الحرب والدمار فى حالة إصراره على خوض الحرب.
٣٦) وهنا ربما يبقى لزاماً على الغرب الإستعداد لتجاوز الأزمة الحالية بأقل الخسائر، مع التخطيط لإستخدام القدرة الغربية الكبيرة لتقييد روسيا من شن مغامرة عسكرية ستكلف أوروبا والعالم كله الكثير لسنوات أخرى قادمة.
٣٧) وهناك تصاعد فى لغة التحدى الروسى للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، حيث وقفت روسيا وراء القلاقل فى شرق أوكرانيابدعوى الحفاظ على مواطنيها، والمساعدة فى إنفصال (مقاطعتى دونيتسك ولوغانسك الواقعتين في منطقة دونباس) عن الحكومة المركزية الأوكرانية، والتلويح الروسى بإعترافها بإستقلالهما، وذلك رغم الرفض والإعتراض الغربى والأمريكى لهذا الإنفصال.
٣٨) لم تخف روسيا سياستها تجاه أوروبا، إذ إعتبرت ضرورة (تقييد تمدد حلف الناتو تجاه الشرق، حفاظاً على مناطق نفوذها وضمان أمنها)، كهدف إستراتيجى رئيسى لها.
وتحارب روسيا فى أوروبا من أجل ضمان تحقيق ذلك الهدف مستغلة إرثها وتاريخها فى القارة، والذى يعتمد على وجود إمتداد سكانى وثقافى ولغوى فى دول الجوار القريبة، أى دول الإتحاد السوفيتى السابق. وتعتبر روسيا أن حماية مواطنيها فى الخارج هو أحد الأدوات التى تستخدمها الدولة الروسية لتحقيق أهدافها فى القارة الأوروبية، وذلك لتبرير تدخلاتها واللجوء إلى القوة الصلبة إن إضطر الأمر، وذلك من أجل حماية مواطنيها، فى ظل تعريف روسى أمنى واسع فضفاض لمفهوم (المواطنة الروسية فى الخارج).
٣٩) طرحت روسيا “فكرة التدخل الروسى لحماية مواطنيها فى الخارج)، والتي جاءت فى عهد الرئيس الأسبق “يلتسين“عام ١٩٩٢، للإشارة إلى هؤلاء المواطنين الروس الذين يعيشون خارج حدود الدولة الروسية. وينسجم ذلك الطرح تماماً مع العقيدة الأمنية الروسية وآلية تحقيقها، وذلك بضمان إستمرار تواصل روسيا مع دول الجوار القريب، من خلال المواطنين الروس. وركزت كافة (الوثائق الإستراتيجية الأمنية الروسية خلال السنوات الأخيرة على التأكيد على مفهوم حماية روسيا للمواطنينالروس فى الخارج)، وهى ذريعة روسية بالأساس للتدخل فى دول الجوار الجغرافى للتصدى لأى قلاقل أو إضطرابات، كما فى الحالة الأوكرانية وغيرها. ووضعت الحكومة الروسية العديد من البرامج الحكومية لتعزيز علاقات روسيا مع مواطنيها فى الخارج القريب.
وربما فإن التحليل النهائى، والذى ربما توصلت إليه الباحثة المصرية لفهم طبيعة تطور الصراع الجارى بين روسيا والغرب والولايات المتحدة الأمريكية بشأن أوكرانيا، هو ذلك التخوف العسكرى لحلف الناتو من ذلك “التقارب العسكرى والدفاعى بين روسيا والصين”، خاصةً مع تسليط الضوء فى الفترة الأخيرة على عدد من (المناورات العسكرية المشتركة)، والتى وصلت لأراضى الصين فى “منطقة نينغشيا“ فى أغسطس ٢٠٢١، وشاركت فيها قوات من الجيشين الصينى والروسى، والذى ربما يعد ملمحاً من ملامح التقارب المتسارع بين القوتين، وهو الأمر الذى أثار قلق معسكر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فى الحلف الأطلسى، بالتخوف من أن تتطور أطر التعاون بينهما لتأخذ (شكل التحالف الدفاعى وهيكل القياده المشتركه )، بما لهمن أهداف وإستراتيجيات بعيدة المدى على ملعب السياسة الدولي