العلاقة بين أهمية موقع إقليمى شينغيانغ الصينى وأراكان بدولة ميانمار
والتدخل الأمريكى فى شئونهما لمواجهة الصين
تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
يعد طريق الحرير الصينى ومناطق مروره ونفوذه الإستراتيجية الرئيسية فى إقليمى شينغيانغ الصينى وأراكان فى ميانمار ذات التركز للأقليات المسلمة فى الدولتين،
بمثابة طاولة صراع إستراتيجى جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، تلوح فيه واشنطن بعرقلة مشروع طريق الحرير الصينى، والذى يربط الصين بالعالم كله عبر شبكة من الموانئ وخطوط السكك الحديدية والطرق السريعة.
ونلاحظ هنا السبب غير المباشر فى التركيز الأمريكى على شن هجوم على الصين بشأن مسلمى الإيغور فى شينغيانغ ودولة ميانمار بشأن أقلية الروهينغا المسلمة فى إقليم أركان وعلاقته بالصراع الصينى الأمريكى فى بحر الصين الجنوبى،
وهو (أن طريق الحرير الصينى أو أجزاء كبيرة منه تمر بالأساس عبر تركستان الشرقية فى شمال غرب الصين فى “شينغيانغ” والتى يقطنها مسلمى الإيغور، على الحدود نحو “ميناء غوادر فى جنوب غرب باكستان”،
وطريق آخر منه يمر عبر ميناءين للصين يتم تشييدهما فى إقليم أركان بدولة ميانمار، والذى يعد موطن أقلية الروهينغا المسلمة فى دولة بورما أو ميانمار).
ونلاحظ هنا، بأن كلا المنفذين أو الطريقين الإستراتيجيين للصين فى “إقليم شينغيانغ وإقليم أركان فى دولة ميانمار” يجنبان الصين المرور عبر (مضيق ملقا، الواقع بين إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة)،
وتفرض الأساطيل الأمريكية نفوذها عليه، خاصة وأن ٩٠% من تجارة النفط للبلدان المطلة على بحر الصين الجنوبى، بما فيها الصين، تمر عبر هذا مضيق ملقا القريب من بحر الصين الجنوبى.
وهنا تعتبر الصين بأن كلاً من إقليمى (تركستان الشرقية فى شينغيانغ وإقليم أركان فى دولة ميانمار) يمثلان لديها خياراً إستراتيجياً للتحرر من “إستراتيجية التطويق الأمريكية” فى مواجهتها،
وهى تلك الإستراتيجية التى تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية لإحتواء الخطر الصينى، وذلك سواء من (الجبهة الشرقية عبر اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان أو من الجبهة الجنوبية فى بحر الصين الجنوبي عبر تشكيل تحالف “أوكوس الدفاعى”، والذى يضم كل من أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، مع إحتمال ضم الهند إليه).
وبسبب ذلك، وجهت الصين إتهامات إلى الولايات المتحدة الأمريكية بإستدعاء أجواء الحرب الباردة، بتحذير مندوبها لدى الأمم المتحدة “تشانغ جون”، فى ٢٨ فبراير ٢٠٢٢،
بضرورة التخلى عن عقلية الحرب الباردة المبنية على مواجهة المحاور بعضها لبعض، بالنظر إلى أنه لا يوجد مكسب من بدء حرب باردة جديدة بل سيخسر الجميع فى تلك المواجهات.
وعلى الجانب الآخر، يعد مضيق تايوان نقطة تأزم فى العلاقات الصينية الأمريكية، خاصةً بعد إندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وهنا يعد الوضع فى تايوان أحد أبرز مظاهر التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى ضوء التحركات الصينية قرب تايوان
والتى تتعمد إظهار مدى القوة الصينية تجاه تايوان وحلفاؤها، من خلال مئات الطلعات الجوية التى قامت بها الطائرات الصينية فى الفترة الأخيرة فى قلب تمركز منطقة الدفاع الجوى التايوانية.
كذلك أثارت الولايات المتحدة الأمريكية غضب الصين بإرسال وفود غير رسمية من نواب أمريكيين إلى تايوان، لتأكيد دعمهم للحكومة التايوانية ورئيسة البلاد “تساى إنغ-وين”.
وتعتبر الصين تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها وتوعدت بإعادتها إلى سيادتها يوماً ما بالقوة إذا لزم الأمر، لذا تنظر بكين بعين الريبة حيال أى إشارة إلى إستقلال تايوان.
وستمضى السياسات الصينية كما هو متوقع فى معارضة أى محاولات من قبل تايوان لنيل إعتراف دبلوماسى، وأيضاً إحباط محاولات تايوان للإنضمام إلى المنظمات الدولية.
ومع استمرار التوتر في مضيق تايوان، فإنه ينظر إلى إحتمال إقدام الصين على شن غزو عسكرى على أنه سيمثل التحول الأخطر في التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً وأنه قد ينذر بمواجهات عسكرية بين البلدين.
وحتى هذه اللحظة، ومن خلال قراءتى الدقيقة للمشهد، فهنا يبدو أن الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين راغب في التهدئة والإستقرار رغم النبرة التصعيدية التى وصفت بأنها مجرد تنفيس عن هذا الغضب الصينى إزاء التدخل الأمريكى فى تايوان، خصوصاً بعد بدء إستعداده لمؤتمره السنوى.
وهنا نرى بأن خطر قيام الصين بشن هجوم على تايوان قبل مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى العشرين خلال عام ٢٠٢٢ منخفض للغاية.
وعلى الجانب الآخر، يبدو تأثير الصراع فى بحر الصين الجنوبى على العلاقات الصينية الأمريكية، فمن المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية والدول الحليفة لها فى تنفيذ مناورات بحرية مشتركة بزعم ضمان حرية الملاحة فى المياه الدولية التى تطالب بها بكين.
وفى المقابل، فمن المؤكد بأن الصين سوف تواصل تعزيز وتطوير أسطولها البحرى للدفاع عن مصالحها، مع العلم بأن كافة الأطراف لا ترغب فى نشوب صراع بحرى.
وربما سنجد بعد حرب أوكرانيا، زيادة حدة التنافس الأمريكية الصينية، وكثافة فى تواجد الأساطيل الأمريكية فى منطقة بحر الصين الجنوبى، وإجراء المزيد من المناورات البحرية الإستفزازية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان وحلفاؤها فى منطقة “الإندو-باسيفيك”
كإشارة تحذيرية من قبل واشنطن إلى الصين وحليفتها الروسية بعد حرب أوكرانيا، تشير إلى التصميم على (عدم قبول التوسع الصينى فى منطقة المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبى،
بالإضافة إلى إمكانية فرض عقوبات أمريكية جديدة على الصين، والإغلاق المتبادل للقنصليات فى حال إزدياد حدة الصراع فى تلك المنطقة بعد حرب أوكرانيا)، خاصةً مع رغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى إظهار تفوقها عالمياً وإحراز أى نصر أو تقدم ربما بشكل زائف ضد الصين.