كتب حنان محمد
الشهيد
كان ذا ابتسامة ٍأخاذه، ودائمًا يرفع جلبابه بربطه علي خصره ويضع المنديل الأبيض القماش حول رقبته، والطاقية تحمي رأسه من أشعة الشمس الساطعة،
ويده الخشنه من حمل الفأس والعمل في الأرض كل يوم ، وفي يوم بعد بزوغ الفجر ونسمته الطيبة، ذهب إلى الحقل ليساعد والده كعادتة كل يوم، وحين سطعت الشمس بخيوطها الذهبية
أتت أخته فرحة مسرعة لتبشرهما بِهِلول المولود الجديد الذي سيغير مجرى حياته القادمة، كان يتكفى أثناء جريانه إثر فرحته، وعندما وصل قبَّل يدَها وجبينَها، ثم قال: حمدًا للهِ علي سلامتِكِ يا أمي،
كنت أخاف عليكي كثيرًا خلال هذه الشهور التسعة، فلقد حملتِ بعد أن شاب شعرُك وانحنى ظهرُك، ولكن لما أري الحزن يجهم وجهك فأين أختي الصغيرة أليست بخير؟
نظرت الأم لبناتها الكُبريات المتزوجات وأحفادها المهللين أريد أن أحمله ياجدتي، قال: أحمله أنا، أهو صبي يا أمي؟ أذًا لماذا كل هذا الحزن؟
أجابته: لأنك بسببه ستدخل الجيشَ ياولدي، كنتَ تساعد والدَك في الأرض.
حينها لمعت عيناه، وابتسم حتى ظهرت أسنانُه البيضاءُ كبياض قلبِه، وقال: متشيليش هم يا أمي سبيها علي الله، وحمل بيده أخاه الصغير وقبله فدائمًا كان رقيقَ المشاعر حنونَ القلب علي أخوته وأبنائهم، قالت: ونعم بالله ياولدي.
خرج من البيت وذهب ليجلس بجانب الترعة
خرج من البيت وذهب ليجلس بجانب الترعة يلقي بعض حصوات الطوب واحدة تلو الأخرى، وهو يفكر هل يلبي الخدمة أم يؤجلها ؟ وبعد تفكير عميق قرر أن يلبيها قبل أن يكبر في السن
فالأن أفضل له، دخل سلاح الصاعقة كان في الكتيبة 183، وفي الأيام الأولى من شهر أكتوبر 1973م كانت كتائب الصاعقة متخفية حتي لايعرف مكانها العدو الإسرائيلي،
وفي يوم ذهب لصديق له كان جاره من قريته وأيضًا في كتيبة أخرى لنفس سلاح الصاعقه، احتضن صديقة وقال: إن الكتيبة مكلفة بمهمة خلف خطوط العدو،
خط بارليف عبارة عن فلنكات حديد
أنت تعلم أن خط بارليف عبارة عن فلنكات حديد وأحجار وفوقهم الساتر الترابي، كي ندمره سيأخذ وقتًا، فمهمتنا تعطيل الدبابات والمدرعات في منطقة الطاسة و الميلز المجهزه لنسف قواتنا،
فيجب علينا تدمير أنابيب الغاز الرئيسية (النبالم),إلي خط بارليف، التي كان من المفروض أنها ستشعل شط القناه نارًا في حالة عبور قواتنا للقناة، حتى تستطيع باقي القوات من العبور،
إن مواقع اليهود مجهزة بمرابض النيران قبلهابخمسة كيلو مترات، أنا حاسس أني مش هرجع تاني، أنت تعلم أن هذه عملية انتحارية فداءً للوطن،
ابقى سلم علي أبي وأمي
ابقى سلم علي أبي وأمي وأعلمهم أني رفعت رأسهم ورأس بلادي عاليًا، لم يستطيع صديقة أن يمنع دموعة التي سالت علي وجنتيه أثناء توديعة.
ذهب مع كتيبته وصعدوا إلى الهليكوبتر التي نقلتهم إلي المنطقة، وهم سعداء سعادةً لا توصف بتقديم أرواحهم هديةً للحرية والوطن، مطار الصالحية الذي نقلوا منه إلي شاطئ القناة الغربي،
ثم باتوا ليلتهم ثم صعدوا إلي الهليكوبتر متجهون إلي الطاسة أهم وأخطر مكان حربي في سيناء، لانه مكشوف من كل مكان بعيد عن أي دعم من الجيش المصري،
كان مطلوبًا منهم تعطيلُ الدبابات
كان مطلوبًا منهم تعطيلُ الدبابات ثمانيَ ساعات لكنهم نجحوا بتعطيلها أربعًا وعشرين ساعة، وأثناء هذا الوقت كانوا يفروا ويختفون عن أعين الأعداء،
حتى أكلهم الجوع والعطش، حتي أبادتهم القوات الإسرائيلية باصطيادهم واحدًا تلو الآخر عن طريق طيارات الهليكوبتر الإسرائيلية.
وفي المعركة علم صديقه أنه نال الشهادة؛ هو وكل كتيبته والكتيبة 103 أيضًا التي كانت معهم بعد أن نجحوا في مهمتهم خلف خطوط العدو، وتمكن الجيش المصري في يوم السادس من أكتوبر عام 1973 م
عبور قناة السويس
من عبور قناة السويس واجتياح خط بارليف، وأفقدوا العدو توازنه في أقل من ست ساعات، ووافق ذلك اليوم يوم كيبور أو عيد الغفران لدى اليهود.
علم أهله باستشهاده، وعلمت قريته بعمله العظيم، ولكن لم تتحمل والدته هذا الخبر، صارت تلوم نفسَها علي حملِها و ولادتِها لهذا الصبي الذي أفسد حياتهم البسيطه والجميلة،
وهدم عش الزوجية التي كانت تعده الأم لتفاجئ ولدها عندما يعود في أجازته ، ذهبت إلى غرفته، ونامت في فراشة، فأصبحت تراه في كل مكان في الغرفه،
حتى أنها أصبحت تهزي
حتى أنها أصبحت تهزي ويهيأ لها أنه موجود و تتحدث معه، جف نهداها عن الحليب لانقطاعها عن إرضاع صغيرها، حتى دخل زوجها ليطمئن عليها وجد جسدها باردًا ولا يستطيع تحريكه،
اكتشف أنها ماتت في فراش شهيدها وهي تحتضن وسادته بين أضلعها المبللة بدموع حسرتها، وأصبح الزوج يبكي من أجل شهيده ومن أجل زوجته، لم تجف دموعه حتي تآكلته الحسرة علي فقدانهما وأصابه العجز.