مقال(الكاتب خيْرٌ سفيرٍ لبلاده) للكاتب الكبير الدكتور بسيم عبد العظيم.
كتب حنان محمد
الكاتب خيْرٌ سفيرٍ لبلاده
حقا ما قيل من أنَّ الشِّعر مرآةُ عصره، والشاعر سفيرُ قبيلته في العصر الجاهليِّ على الأقلَّ، فقد كان المتحدث باسم القبيلة والمدافع عنها والمذيع لمآثرها ومفاخرها،
والواقف في وجه أعدائها بدحض تهمهم، والراثي لقتلى القبيلة والهاجي للأعداء، وهكذا، ولم يقتصر ذلك على العصر الجاهلي، فلقد وظف رسول الله الشعر في الدفاع عن الإسلام ضد خصومه وأعدائه،
وكان رسول الله يحض شعراء المسلمين كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة على هجاء المشركين، والذب عن حياض الإسلام والذود عنه بشعرهم،
مكانه الشعر عند العرب
لما للشعر من مكانة عند العرب قائلا إن شعرهم أشد على المشركين من نضح النبل، وكان يقول لحسان بن ثابت اهجهم وروح القدس معك.
وخفت صوت الشاعر قليلا في عصر الفتوحات الإسلامية ثم عاد للظهور بقوة في عصر بني أمية بسبب الصراع على الحكم ووجود الأحزاب الإسلامية كبني أموية والخوارج والزبيريين،
واستمر صوت الشاعر في العصر العباسي والأندلسي حيث وجدنا في الأندلس سفراء شعراء كابن شهيد الأندلسي، ووزراء شعراء كابن زيدون وابن حزم ولسان الدين بن الخطيب وغيرهم،
فقد كان الوزير شاعرا وكاتبا، ولا غرابة في ذلك فقد كان بعض الملوك من كبار الشعراء مثل المعتمد بن عباد.
البارودي فى العصر الحديث شاعرا
وكان البارودي في العصر الحديث شاعرا، وتألق شعره في منفاه بجزيرة سرنديب، كما كان أمير الشعراء خير سفير لمصر وللعرب والمسلمين في منفاه بالأندلس.
وإذا كان من الشعراء والأدباء المعاصرين سفراءٌ لبلدانهم من أمثال: نزار قباني، عمر أبو ريشة، وهما سوريان، عبد العزيز الخوجة، وهو سعودي، وكثيرون غيرهم،
فإنه في وسْع الأديب أن يكون سفيرًا لبلاده، بشكل غير رسميِّ، من خلال الموضوعات التي يكتبُ فيها ويتناول ثقافة بلاده وعاداتها وتقاليدها ولهجاتها، مما يعمل على التقارب بين الشعوب وكسر الحواجز النفسية بين المجتمعات بالتعرف على الآخر والتفاعل معه وعدم الرهبة منه،
سواء كان ذلك بين البلدان العربية أو بين الأدباء العرب والمجتمعات الشرقية أوالغربية، ولعل الحالة الأخيرة تكون أكثر جدوى في التقارب بين الشعوب، وهي الغاية التي خلقنا الله سبحانه وتعالى من أجلها: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”،
أو من خلال الكتب التي يقوم بتأليفها وتحمل روحَ بلاده وتُترجمُ إلى لغات أخرى، أو من خلال مساهماته في الفاعليات الدَّولية كالمؤتمرات والندوات أو الانضمام للمؤسسات الثقافية والمشاركة الفعالة في أنشطتها.
وربما يتبادر إلى ذهن البعض أنَّ أدباءَ اليوم لا يُمكن تمييز انتمائهم إلى أوطانهم من خلال كتاباتهم، ذلك أنَّهم صاروا “عالميّين” بحكم أنَّ العالم صار قريةً صغيرة تحت تأثير الإنترنت وثورة المعلوماتية ودخول البشرية في مرحلة المُجتمع المعلوماتي،
وهذا قول صحيح من جانب وغير صحيح من جانب آخر، فبالرغم مما حدث من ثورة في وسائل التواصل والمعلومات، تبقى لكل شعب هويته التي يعبر عنها الشاعر والكاتب خير تعبير، ليكون خير ممثل لبلده
أمام الثقافات العالمية المختلفة، ولعل فوز الأديب المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآداب خير دليل على ما نقول فقد عبر عن المجتمع المصري بآماله وآلامه خير تعبير وطرح مشكلاته وهمومه السياسية والاجتماعية في رواياته مما أهله للفوز بهذه الجائزة العالمية.
وقد مررت بتجربة السفر إلى المملكة العربية السعودية للعمل أستاذا بكلية البنات ثم بجامعة الملك فيصل، وزاملت هناك أساتذة كانوا نقادا وشعراء وكتابا منهم من الجزائر أ.د. عبد الوهاب بو شليحة ومن السودان أ.د. حمد النيل محمد الحسن ومن فلسطين أ.د. عبد الرزاق حسين والشاعر بسام دعيس أبو شرخ، ومن سوريا الشاعر المهندس فواز غالب عابدون والشاعر الطبيب محمد إياد العكاري، ومن مصر الشاعر والكاتب عبد اللطيف الجوهري والناقد أ.د. ربيع عبد العزيز وغيرهم من الأدباء والشعراء والنقاد، وكان كل منا مرآة صادقة تعكس ثقافة بلده وتمثل عاداتها وتقاليدها.