قصة قصيرة (بيت العنكبوت) للكاتبة الاستاذة وفاء ماضي.
كتب حنان محمد
بيت العنكبوت
الغريق يتعلق بقشة ، هكذا همست أمي في أذنيَّ،وتمتمت شبح العنوسة يقتلني من أجلك يا ابنتي ،أخشى أن يلحق بك مثل أكثر بنات قريتنا فالبنت إن تخطت عامها السادس عشر انطفأت شمعتها ،
تزوجيه فلقب المطلقة عندي أهون من لقب عانس ،
لصغر سني لم أستوعب كلمات أمي جيدا ولم أدرك ماذا تقصد ولم أعي أن الأم في قرى الريف ونجوع الصعيد عندما ترزق بأنثى تكون قلقة كل مرادها هو زواج ابنتها حتى ولو لم تكتمل أنوثتها وأن الأب كل ما يشغل باله ليل نهار متى يستر هذه الأنثى .
أنا أعلم أن أبي ضغط عليها لتقنعني بهذا العريس
اللُقطة كما يقول أبي ، بعد عدة أسابيع ساقني أبي مقهورة كالذبيحة التي تساق إلى المذبح ، الفرق الوحيد بيننا أنها لا تعي وتجهل المصير،
استقبلني هذا الكهل الذي يقارب عمر أبي متهلل الوجه زائغ العينين فاتحا فاه مبحلقا وكأنه امتلك ابنة السلطان،سلمه أبي الذبيحة وانتظر راية الشرف .
كنت بالنسبة لهذا الرجل كمن اقتنى تحفة للديكور
يَحرُم لمسها بعد المرة الأولى و امتلاكها ووضعها كقطعة من الأثاث ، عشت في منزله حياة أسراب النمل ، كنت النملة الدؤوب التي لا يحفل لأمرها أحد لا أَكِلُّ ولا أمِلُّ من العمل في المنزل ولا يصيبني كسل أو أنال بياتا شتويا ،
إذا جاء الليل تشاركني القطة الفراش وأرتمي في أحضان التعب وأغيب في غيبوبة لا أفيق منها إلا مع خيوط الفجر الأولى ،فأدور مع الرحى وأعاود نفس الطقوس اليومية ،
من تنظيف وطهي وغسل ملابس والعناية بالطيور والماشية
من نظافة وإطعام فهذا الكهل يبخل على أن يأتي بخدم رغم ثرائه فهو يستمتع باكتناز المال لن أنسى السعادة
التي تكسو ملامحه ولمعة بريق عينيه وهو يخفي المال داخل درج في دولاب خاص به وحده بعد أن يستنشق رائحته وكأنه يستنشق أكسجيناللحياة ،لا يسمح بطلب أي شيء يكلفه مال نادرا ما يبتاع شيئا من محال البقالة ،
كنت إن اشتقت لأي نوع من فاكهة أو حلوى أطلبها من أمي في يوم زيارتي لها أو عندما تأتي لزيارتي محملة بكل ما لذ وطاب كان يفرح بقدوم أمي لزيارتنا عفوا أقصد يفرح بما تأتي به أمي وينتظر انصرافها بسرعة مخافة أن تبيت عندنا ولكي يستمتع بالتهام مالذ وطاب .
الرتابة والملل يعششان على البيت ،
هذا الكهل بذيء اللسان شحيح الإنفاق بخيل المشاعر الآدمية ، لا أرى منه طيبا إلا عندما يداعب القطة للحظات
وما أكثر ما ينهرها ويضربها بقسوة إذا ما خرجت خلسة إلى الشارع وينعتها بالفاجرة ،مضت ثلاثة أعوام وأنا سجينة رجل آلي حتى الحديث لا يجود به،
الجمود حولي في كل شيء حتى ملابس النوم
التي علقتها في خزانة التحنيط إهترءت وأصابتها رائحة العطن بدلا من رائحة العطر، أمسكت بها ومزقتها قطعا صغيرة وألقيت بها تحت قدميَّ شعرت بسعادة بالغة وأنا أطأها بقدميَّ،شاركتني القطة تمزيقها وهي تقفز في فرح وكأنها تثأر لي .
وقفت أمام المرآة أنظر وجهي الذي أصابه جمود وتحول إلى تمثال حجري ،أتلمسه بأنامل أصابتها خشونة ، أسائل نفسي أي لذة تجدينها في القيام بدور الضحية فلم أجد إجابة .
مات أبي وترك أمي وحيدة ،
لملمت أشلاء النفس وعدت من رحلة الضياع إلى أمي جسد بلا روح وصبر تمخض عن ندم وسؤال يلح عليَّ
ترى يا أمي الخوف من شبح العنوسة قتل من ؟!!