قصة قصيرة (في صـــــــــالون.. شقتي!!) للكاتب الكبير الدكتور ماهر خليل.
كتب حنان محمد
في صـــــــــالون.. شقتي!!
مازالت موجة الحر تطاردني ، ولا بد من الهرب.. . أي هرب.. فلم أجد لنفسي ملجأً سوى صالة شقتي.. المكان الوحيد المكيف بالمنزل!!! مكرَهٌ أخاك لا بطل ،
ألقيت رأسي على وسادة صغيرة.. ملقاة على الأرض بصالون الشقة.. . ويكاد جسدي أن يرقص فرحاً وتيهاً ببرودة المكان!!
وإذا بفقرات ظهري..
شعرت بأنها تسلم كل واحدة منها للأخرى.. لتعود إلى بيتها الأصلي وعناق بعد غربة وفراق!!
وإذا بي في سبات عميق لم أعهده من قبل بسرعة البرق.. سرعة مذهلة وعجيبة!! ماذا حدث!! أين أنا الآن!!
أشعر بأطفال حسان يرحبون بي وبقدومي، يتراقصون على فقرات ظهري بعد أن هدأت وراحت في سباتٍ عميق. كل فقرة يقفز عليها أو يعلوها طفل وديع أبيض الثوب.. وجهه نور.. وشعره ناعم كالحرير.. ينظر الى بابتسامة ملؤها الفرحة والسعادة والرضا والسرور.
لا أدري ماذا أفعل!!
وماذا أقول لهم.. سوى أن أغير من نومي وأنام على جانبي الأيمن وأنا فرِح مما رأيت ، وسعيد بما شاهدت.. . يملأ قلبي الحبور والسرور!
وتمر الدقائق بسرعة مذهلة وتقترب من الساعة وإذا بي اشعر بآلام في ساقي وجانبي الأيمن.. الأرض جامدة.. قاسية.. قطعت علي أفراحي وسروري!!
من هذا الواقف أمامي! إنه يناديني ، التفتُّ يُسرة ويُمنة.. أنا!! : فمن أنت؟ وماذا تريد؟ هل جئت لتعالج ألمي في ساقي ، لتستمر سعادتي وسروري بهذا الجو البارد والسعادة بهؤلاء الأطفال؟؟ الكُمَّل الجُمَّل.. ..
إنه يقول شيئاً.. بصوت رخيم.
.
” منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى “.. لقد ذهبت آلامي.. وجاء انتباهي.. وبشدة.. آه من قلة الزاد.. وبعد السفر!!.
أين أنا الآن.. ؟؟ الكل كان من حولي منذ قليل.. أين هم.. تركوني بعد الغداء.. نعم كانوا معي يتبادلون الحديث.. إنني وحدي.. أنا في صحراء لا يغلبها إلا اللون الأصفر.. شاسعة – لانهاية لها – لا أحد – لاطير – لا نبات!!
يبدو أنني أخطأت الطريق؟
الرجل ما زال واقفاً ينادي ، ويشير مبتسماً سائلاً ، أين الأمانة! أي أمانة؟ أنا لست مُداناً لأحد.. يبدو أنك قد أخطأت الطريق! الناس مدانون ولي عندهم أمانات.. ..
ماذا تريد مني!!
أنظر حولي كي أساعده في البحث عما يريد.. فلم أجد أحداً.. فإذا به يصر ويقول:أين الأمانة؟ أين أنت.. أنت!
انا.. انا!! لماذا لا تناديني باسمي ، ألا تعرفني؟ ألم تناديني باسمي منذ قليل والأطفال حولي فرحون!
فمددتُ يدي قابضاً على صندوق خشبي.مزركش.. رائحته زكية.. . طيبة ندية.. وإذا بالآت.. القريب البعيد.. بعمامة سوداء وعباءة خضراء زاهية الألوان.. عجيب تلك الابتسامة!! لا ولم أرها من قبل..!! ابتسامة مضيئة كضوء الشمس ونور القمر.. معقول هذا!! من يكون؟
من أنت يا سيدي؟
أتعرفني؟
ولكني.. اعرفك من انا!
أنا عبد حقير أحب الحياة صغيراً وكرهها كبيراً!
تنقل فوق المنابر في الجمعات.. بدون قرش واحد من أحد.. وأحب تلاوة القرآن بلا كره ولا إكراه!!
فكان له مصدق ومحب وناصر وصديق.. فابتسم من خلال ثغره البسام وثناياه المتلألئه.. مثشيراً إليّ.. ثم إلى هناك.. أي هناك!!
.. أي هناك!!
التفتّ خلفي حيث أشار.. فإذا بها جنة خضراء ، وارفة الظلال.. جارية العيون.. وتساقطت معها دموع الفرح من المآقي والعيون. يالها من سعادة!!!
عجيب.. إنه يبكي مثلي!
إنه يشاركني سعادتي ودموعي..
ولكنه لم يبتسم هذه المرة!!
أنت سبب سعادتي سيدي فعلام البكاء والدموع!!
فأشار إليّ بإصبعه – وراء ظهري.. إنها الجنان الوارفة الظلال ولكنها مليء برجال من نور.. أجسادهم مضرجة بدم مسفوك.. وأفواههم.. وأفواههم يسيل منها مسك أحمر برائحة الرياحين والورود!!!
.
قلت له بسذاجةِ القلب العليل..
ورؤية العقل الصغير ، مَن هم.. من هم!!” أكاد اعرفهم سيدي ، ولكني لم أرَهُم من قبل!
أخيراً تكلم.. قائلاً : إنهم أولادي.. مامنهم إلا مقتول أو مسموم.. أبك معى عليهم حتى نلتقي!!
وبدأت البكاء.. يعلوه النحيب.. واستيقظت من نومي ، وإذا بالدموع تنساب على وسادتي.. ويدي قابضة على قطعة خشبية..
إنها ساق الكنبة.. الكائنة بصالون شقتي.