اخبارفن

رؤية نقدية للأديب أحمد عبدالله إسماعيل، وإبحار في مسرحية “مجانين ولكن”.

كتبت: حنان محمد.

لعب المسرح دورًا حيويًا في كشف عورات المجتمع من خلال تسليط الضوء على القضايا الإجتماعية، والسياسية.

وتقديم قضايا معاصرة تعكس التحديات المجتمعية والإنسانية.

ورغم ذلك يجب أن نفرق بين المسرحية ذات الفكرة، والمسرحية التي تكتفي بمجرد عرض الحياة كما هي.

ومن المستطاع أن نتوسع في هذه المشكلة؛ فننظر في المؤلفات الأدبية ذات الموضوع والمؤلفات التي لا موضوع لها.

ونقصد بالموضوع الفكرة الفلسفية، أو الأخلاقية، أو الإجتماعية، التي تُبْنَى عليها المسرحية أو القصة.

وبعد قراءة هذه المسرحية، رأيت بعين القارئ قبل الأديب أن الكاتب حسين أبو أحمد يعكس من خلال عمله “مجانين ولكن” التحولات الثقافية.

ويعبر عن مشكلات المجتمع، مما يساعد بشكل كبير على تشكيل الوعي الجماعي.

فالمسرح وسيلة فعالة للتفاعل بين الممثلين والجمهور.

من خلال تقنية التواصل البصرى، مما يعزز الفهم، والتفكير النقدي لدى المشاهدين من خلال تناول قضايا مثل التحولات الإجتماعية في الحب، والزواج، والفقر، والثراء.

لا شك أن حالة الفصام الإجتماعي التي يعاني منها المجتمع المصري، هي التي أجبرت هذا الأديب المبدع على الكتابة في هذا الموضوع.

وأرى أن هذا العمل يفتح الباب أمام المجتمع، لتعزيز الحوار حول أسباب إخفاق أهم مؤسسة إجتماعية.

وهي مؤسسة الأسرة التي أخشى أن تتلاشى، وينهار دورها.

فبينما بلغ عدد عقود الزواج على مستوى الجمهورية 929428 عقد زواج عام 2022 بمعدل 9.0 لكل ألف من السكان.

بلغ عدد حالات الطلاق على مستوى الجمهورية 269834 حالة طلاق لنفس العام بمعدل 2.7 لكل ألف من السكان.

مما ينذر بحدوث كارثة إنسانية كبيرة تتمثل في وجود عدد كبير من الأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية على المدى الطويل

.
ويسمى المسرح الذي يناقش قضايا المجتمع بالمسرح التنموي حيث يتيح للمتلقي فرصة المشاركة الفعالة في حل مشكلات المجتمع.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا النوع من الأعمال يسهم في تحفيز النقاشات العامة حول الموضوعات الإجتماعية الحيوية، والمصيرية، التي تتعلق بنجاح المجتمع أو إخفاقه.

الأمر الذي يؤكد على غيرة الكاتب على بلده، وحمله لهموم وطنه، وإيمانه الشديد بقيمة المواطن العربي.

وأنه صاحب قضية إنسانية كبيرة ومشروع أدبي عميق .

يناقش الأديب في هذه المسرحية القيم الإجتماعية من خلال تقديم نماذج تمثيلية تعكس قضايا المجتمع المعاصر وتحدياته.

والمسرحية على هذا النحو تعمل كأداة تعليمية:

حيث يُعزز الكاتب من خلالها القيم الأخلاقية مثل:

ضرورة السعي وراء الزواج المتكافئ، وتقدير الزوج، والتسامح والإخلاص، من خلال الشخصيات التي أجاد رسم ملامحها .

مثل الزوجة الأرستقراطية “دولت”، التي ورثت سوء الطباع من أمها، وإن استيقظ ضميرها في نهاية العمل.

والتي ترمز إلى المادية المفرطة التي سيطرت على العلاقة الزوجية.

فوضعت الأسرة على شفا الإنهيار؛ فالأب تحول إلى ماكينة صراف آلي، والزوجة تعاني من الخرس؛ لا تتكلم إلا إن تقاضت ثمنًا، وإلا أحالت حياته إلى بؤس ونكد وجحيم.

وكذا شخصية “حجاب” الذي يرمز به الكاتب إلى المواطن المصري الأصيل الذي يتمسك بهويته الوطنية، ويدافع عن القيم الإجتماعية.

على الرغم مما يعاني منه من ظلم فرضه عليه ما يواجهه من مشكلات إقتصادية وإجتماعية.

وقد أجاد الأديب حين نوع في نوعية القصص التي أوردها بحرفية عالية في زمن وسائل التواصل الإجتماعي.

التي تحدث عنها صراحة بما يتماشى مع شخصياته، التي تأرجحت بين “سراج” المعلم عاشق مهنة التعليم، حتى يتمكن من طرح قضية إصلاح التعليم.

و”حلاوة” المطرب الذي إنقرض طرازه حتى يتمكن من الحديث عن الذوق العام الذي تأثر بشدة بعد ظهور أسوأ ألوان الغناء، وهو ما يُسمى بالمهرجانات .

وشخصية “عليوة” الفلاح الأصيل ابن البلد الذي استطاع من خلاله أن يعكس شخصية المواطن المصري، وربما العربي الأصيل.

أما الشخصية التي لفتت انتباهي بشكل كبير فكانت شخصية “أحمد” ذلك الطفل الذي تستمر بسببه حياة معظم البيوت المصرية، وربما العربية رغم عدم تلذذ معظم الأسر.

ويحتمل الزوج زوجته وتحتمل الزوجة كل متاعب الدنيا لأجل هذا الابن، وربما كان الأديب موفقًا حين أعاد الابن أمه إلى رشدها وصوابها مثلما يفعل في الحقيقة كثير من الأطفال.

وإن كنت لا أغفل أن ملايين الأطفال يدفعون ثمن إصرار الأزواج على الإنفصال لأتفه الأسباب وخصوصًا بعد العام الأول من الزواج.

تراوحت المسرحية بين:

الكوميديا القديمة: التي حمل “أرستوفان” رأيتها فكانت لا تقدم إلا النقدالاجتماعي اللاذع.

والكوميديا المتوسطة: التي حمل “فيلامون” رأيتها، فكانت تقدم حالات إجتماعية دون نقد.

والكوميديا الحديثة. التي حمل “ميناندر” لواءها .

وكانت تقدم كوميديا النماذج البشرية.

وبهذا فإن هذه المسرحية قدمت :

الدراما الإجتماعية والنقد الإجتماعي، والنماذج الحياتية، والشخصيات التي تحمل الهم العام في صورة كوميدية مثل الكوميديا السوداء.

وهكذا كانت هذه المسرحية؛ إذ مزجت بين هذه الأنواع مجتمعة.

أسهمَ الكاتب ببساطة أسلوبه، وعمق أفكاره، في تشكيل وعي الأطفال والمراهقين.

مما يساعد على بناء شخصياتهم الإجتماعية والنفسية.

وتعزيز الهوية الثقافية، وتقديم نقد إجتماعي وسياسي، مما يساعد على إحداث تغييرات في القيم والمفاهيم التقليدية.

على الرغم من أن من يذهب إلى المسرح، لا يذهب بروح المتعلم الذي ينتظر تعلم أي شيء، بل بروح من يلتمس متعة عقلية أو فنية.

ولتلك الروح أثر كبير في نجاح المسرح في أداء رسالته أو عدم نجاحه.

علاوة على ذلك، يتضح من قراءة هذه المسرحية أنها وسيلة فعالة لنقد الظواهر الإجتماعية السلبية مثل طغيان المال.

والمظاهر على الزواج دون اكتراث، أو تقدير للحب، أو التكافؤ الإجتماعي أو العلمي، مما يسهم بكل تأكيد في تعزيز الحوار والتغيير الإيجابي للمجتمع .

ظهر تأثر الكاتب بحياته ونشأته وثقافته وبيئته في مواضع عديدة من العمل المسرحي.

وبخاصة في اختياره للكلمات والألفاظ مثل “لحوقي”، والتي تعني صينية أو وعاء لطهي الأرز المعمر.

ربما لا يفهمها القارئ في الإسماعيلية، أو الإسكندرية، وهو داخل مصر؛ إذ تُميز مجتمع الدلتا عن غيره، فما بالنا بالقارئ العربي.

كان الكاتب بحاجة إلى إسناد العمل إلى مدقق لغوي لوجود بعض الأخطاء اللغوية، وإن كان العمل في مجمله قد تمت صياغته باللغة العامية، إلا أنه كان بحاجة إلى نظرة ثانية .

كل التحية والتقدير لهذا الأديب الراقي، وننتظر منه المزيد من الأعمال المسرحية الهادفة؛ التي قد تغير شكل الوطن العربي بأكمله، إن أحدثت التأثير المنتظر منها.

تابعونا على صفحة الفيس بوك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى