فضيلة الإمام ومعالي الفيلسوف ما أطيب الدكتور الطيب، نعم ما أطيبه وما أروعه، إنه الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وعميد أساتذة العقيدة والفلسفة، بأكبر جامعات العالم الإسلامي على الإطلاق .
ما أروعه وهو ينعي فقيد الفكر الفلسفي العربي والإسلامي، فيلسوفنا الكبير المرحوم الدكتور حسن حنفي .
إن قيمة ما فعله الدكتور الطيب، تكمن في أنه يمثل درسًا تربويًا لكل حملة القلم ومنتجي الأفكار في لحظتنا الحضارية الراهنة، بل وفي القابل من الأعوام والأيام .
فلا أحد يشك في وجود مساحات واسعة، بل شاسعة، من التباين الفكري بين الرجلين الكبيرين .
فقد كتب الدكتور الطيب كتابًا مهمًا نقد فيه مشروع التراث والتجديد الذي دشنه مفكرنا وفيلسوفنا حسن حنفي .
وأظهر الرجل في كتابه هذا نقاط إختلافه مع صاحب التراث والتجديد، وأوضح الأسباب الفكرية التي تدعوه إلى رفض هذا المشروع الفكري الكبير .
في هذا الكتاب يكاد يكون الدكتور الطيب قد رفض مشروع فيلسوفنا جملة وتفصيلً، وجاء رفضه لهذا المشروع من منطلقات فكرية، وأطروحات معرفية .
بيدو أن سطور كتاب الطيب ظلت مغلفة بالأكاديمية الرصينة، ومتحلية بالقيم الجامعية الراقية.
تلك القيم التي تتسم بالسمو الذي نفتقده في ساحاتنا الثقافية، وفضاءاتنا المعرفية الراهنة إلى حد كبير .
لقد عرض الطيب رؤيته النقدية لمشروع التراث والتجديد في إطار أخلاقيات البحث العلمي ، ومن منطلق الوعي بقيمة الإبداع للمختلف والمغاير معرفيًا وفكريًا .
غير أن الرائع والماتع أن كل هذا الاختلاف، وكل هذا التناقض، قد تراجع، وتقلص، وتقزم أمام إنسانية الإنسان – الدكتور أحمد الطيب –
لقد تسامت إنسانية الرجل فوق التباين الفكري، وتعالت علوًا كبيرًا عن الخلط بين الرؤية الفكرية والذات المفكرة .
أتصور أن الدكتور الطيب كتب ما كتب وسطر ما سطر في ذكرى رحيل الدكتور حسن حنفي وهو متقمص لشخصية المفكر والفيلسوف، أي وهو مندمج في روح المفكر الذي يؤمن بالتعددية الثقافية .
والواعي بأن الإختلاف الفكري هو في صميمه ثراء معرفي لا عداء شخصي، كما يتصور بعضهم .
لقد أعطى الدكتور الطيب، بنعيه للدكتور حسن حنفي في ذكرى وفاته، جرعة أخلاقية للمختلفين، ودفقة قيمية للباحثين، فليس كل مَن خالفنا فكرًا صار لنا خصمًا، وليس كل مَن انتقدناه ذممناه .
وتلك روح الفكر الإسلامي المستنير، أي العقلانية المؤمنة الذي لا تساوق روحه أي أرواح فكرية أخرى .
يرحم الله تعالى الدكتور حسن حنفي الذي تقلد زي الإبداع الفلسفي منذ نشأته الأولى ومنذ بواكير نضجه المعرفي.
وظل يسهر ويطيل البحث والدرس إلى أن جلس في مقعد ريادة فكرنا المعاصر باعتراف الجميع ..
ومن حقه علينا أن نعترف بمكانته العلية كمفكر كبير وفيلسوف مرموق عربيًا وعالميًا، نعترف له بذلك حتى وإن خالفناه على مستوى الرأي والرؤية والتصور المعرفي .
بارك الله تعالى في إمام أزهرنا العامر، وجعله قدوة لأبنائه من الباحثين والمفكرين الرابضين في صحن الأزهر قلعة الفكر ومستودع علوم حضارتنا الأصيلة .
لقد أسعدنا الدكتور الطيب بكلماته النيرات رغبة في التكريس لثقافة التسامح والوئام بين مختلف مكونات وتيارات فكرنا المعاصر .
تابعونا على صفحة الفيس بوك.