ذاكر حتى ينجح الحمار، لفت العنوان انتباهي وأسرعت لقراءة النص متشوقًا للحصول على تفسير للعنوان.
أدركت من الإهداء أن الرواية تتحدث عن التعليم في بلدنا، فالإهداء المكون من عدة أسطر ينتهي بهذه العبارة: “إلى كل معلم مصري أهدي هذه الرواية”.
الراوي
الراوي شاب تخرج من الجامعة بعد أن درس الفلسفة والعقيدة، ويتمني أن يعمل عملًا يتناسب مع علمه وطموحاته، خاصة وأنه كاتب وقاريء جيد. لكنه لم يجد إلا وظيفة كمعلم بمدرسة ابتدائية، بالحصة، وليس على درجة ثابتة، وبالتالي فهو لا يتمتع بما يحصل عليه المعلم المثبت على درجة، فليس له مرتب ولا يحصل على حوافز ومكافأة امتحانات وغيرها من مزايا المعلمين المثبتين. ولذلك صار أضعف الحلقات في السلسلة التعليمية، وأصبح “ملطشة” للجميع. وبرغم كل المعاناة فقد كان محبًا لعمله مطيعًا للتعليمات ومتعاونًا مع الزملاء وهيئة الإدارة بالمدرسة.
الراوي يحب ابتسام، وتقدم لخطبتها أكثر من مرة ولكن أهلها وخاصة الأم تعترض على زواج ابنتها من شاب لا يملك شيئًا ولا يستطيع أن يوفر لها الشقة التمليك والأثاث الفاخر والعيشة الهنية، لكن ابتسام تصمم على الارتباط به، وينجحا في النهاية أن يعقدا قرانهما في غيبة الأهل، الذين سرعان ما باركوا الزواج.
قدم عبد الخالق وصفًا تفصيليًا لما يحدث في المدارس الابتدائية الحكومية، من اكتظاظ الفصول بالتلاميذ، والمشاكل التي تحدث بين المعلمين وأولياء الأمور بسبب سوء أخلاق بعض التلاميذ، وسوء أخلاق أمهاتهم، وأفاض في تصوير المشاكل، التي تصل إلى حد العراك والتشاجر بين المعلمين بسبب الدروس الخصوصية والمجموعات المدرسية، كما أورد نماذج للعلاقات بين المعلمين والمعلمات، التي تتراوح بين الشد والجذب والخلاف على توزيع الجداول والحصص الاحتياطية، وبوادرالعلاقات العاطفية ومشروعات الزواج المحتملة بينهم. كما تعرض لما يحدث في الامتحانات والتصحيح من مشكلات.
استخدم عبد الخالق لغة وسيطة بين العامية والفصحى، متخذًا منهج أستاذنا يحيى حقي في كتابة كلمات فصيحة في تركيبة تجبر القاريء أن يقرأها بمعناها العامي. وصاغ أفكاره في عبارات تهكمية وساخرة بهذه الطريقة. وأثبت أنه يجيد الكتابة الساخرة ببراعة، وأعترف أنه نجح في رسم البسمة على شفتي، بل ودفعني إلى الضحك بصوت عالٍ، في مشاهد مكتوبة بحرفية واضحة.
استطاع المؤلف أن يقدم صورة للمجتمع المصري، من خلال ما رواه من احتكاكات بين الراوي والأسر التي عرفها أثناء إعطاء الدروس الخصوصية، وما يحدث من الأمهات خلال اليوم الدراسي وأثناء الامتحانات.
ولكن.. تلك التي يخشاها المبدعون.. الرواية رغم جودتها ونجاحها في توصيل الرسالة الصرخة: أنقذوا التعليم، فإن علامات الترقيم تحتاج إلى ضبط، وهناك بعض الفوائض اللغوية التي يمكن اختصارها، كما لاحظت بعض الأخطاء الطباعية.
وبالرغم من استمتاعي بقراءة الرواية، وما شعرت به من رغبة في الابتسام والقهقهة، إلا أن مشهد النهاية الهزلي أفاقني، فقد قاد الرواي، الباحث عن حقه وعن الحقيقة، مظاهرة، تطوف أنحاء المدينة تصرخ: يحيا القرد.. يعيش الطاووس. وشعرت بألم كاسح لنذير قرب انهيار المنظومة التعليمية في بلدنا.
شكرًا للروائي عبد الخالق محمد عبد الخالق على روايته البديعة التي امتعتني ونجحت في توصيل الرسالة، وهي الغاية من كل إبداع.
تابعونا على صفختنا الفيس بك