ثقافة

تشابكات الأنماط .. وجدليات الانتماء قراءة فى رواية ” سيسامنيس “

كتب: حنان محمد بعرور

للكاتب د./ أحمد عبد الله إسماعيل

رؤية الناقد / أحـمـد ابـراهـيـم عـيـد

“روايـة مـيـلودرامـية نـفـسـية اجـتـمـاعـية قـاسـية ومـزعـجه”
تتحدد ملامح التشابكات المرهقة بين الشخصيات الكثيرة فى الرواية ، مابين شخصيات ٍ لانمطية مهيمنة ، وشخصيات نمطية تابعة لها بصور متلاحقة عبر الأحداث .. وتتحدد جدليات الانتماء لكل هذه الشخصيات تبعا ً للطبيعة البشرية من ناحية ، ولطبيعة الحراك الدرامى من ناحية ٍ أخرى .

وقبل أن نطرح طبيعة هذه التشابكات وتلكم الجدليات ، لابد لنا من وقفة تأملية حول طبيعة العرض الفنى المصوِّر لهذه الجدليات والتشابكات .

أولا ً : قراءة فى فنيات النصوص المصاحبة : –

(( الـنصـوص الـمـصـاحـبة والخـارجـة مـن عـبـاءة الـمـتـن الـروائى ، تـتـمـثـل فى الـغـلاف الأمـامى ، والـغـلاف الأخـيـر ، والإهــداء ))

( ١ ) الغلاف الأمامى :

ترتكز الشيفرة الإشارية الأولية والمتمثلة فى العنوان على تلكم القصة الشهيرة لذلكم القاضى الفاسد ” سيسامنيس ” الفارسى ، الذى عاش فى زمن الملك قمبيز الثانى ، والذى كان يتقاضى الرشاوى ويصدر أحكاما ً جائرة وظالمة ، وانتهى أمره بأن حكم عليه الملك بأن يُسلخ جلده حيا ً ، ويُتخذ منه فرشا ً لكرسي الحكم القضائي الذى سيجلس عليه ولده من بعده .
والعجيب أن القاضى الفاسد ” ماجد أبو المجد ” – الشخصية الأولى بالرواية قد زين بهو قصره المنيف باللوحة الشهيرة التى تحكى قصة ” سيسامنيس ” !! .. وكأنه قد ارتبطت نفسُه باطنيا بهذا الفاسد ، فعلى الرغم من تظاهره بالتقوى والصلاح ، وعلى الرغم من حرصه على إصدار أحكامه القضائية العادلة .. إلا أن سيرته وسريرته الخاصة جاءت -عبر النص الروائى – على عكس ذلك تماما ً ، ولم يستفد من شعار العدالة ، أو مطرقة منصة القضاء ، المتصدرين لغلاف الرواية ، كرمزين لإقامة العدل ، وذلك فى الطبعة الأولى للرواية (( ومن البديهى – سـلوكيا ً – أن شخصية القاضى يجب أن تبتعد تماما ً عن التصرفات السـادية قولا ً أو فعلا ً ، ولكن هذا الـ ” ماجد ” جاءت شخصيته عبر الأحداث على العكس من ذلك تماما ً )) .

( ٢ ) الإهـداء :

جاء الإهداء العام للرواية إلى الوالدة ، وإلى روح الوالد ، وإلى الزوجة ، وأخيرا ً إلى فاطمة الابنة قرة العين ، وهذا طبيعى فى إهداء العمل الأدبى للمقربين من الكاتب .. إلا أن السطر الهام فى الإهداء يتماهى بشكل ٍ فنى ّ ( معكوس ) مع ما تم طرحه عبر النص الروائى من شغف المستشار الفاسد وحلمه الدائم بوريث ( ذكر ) يرث امبراطورية ” أبو المجد ” الزائفة ،، ولكن الكاتب يهدى عمله الروائى ( بوعيه الذاتى الإيمانىّ بأهمية التداعى القيمىّ ) لولده ، حيث يقول : ” إلى محمد ( ملامحى ) التى ستبقى ” .. وهو يعنى هنا بالطبع الملامح المعنوية الصحيحة القويمة ، إلى جانب الملامح الشخصية الخاصة .

( ٣ ) الغلاف الأخير :

تخيّر الكاتب ( فى الطبعة الأولى ) أن يثبت على الغلاف الأخير هذا المقطع من حوارية العرافة مع ” ماجد ” وهى تحذره بتلك النبوءة ، والمتمثلة فى مآله المُنتظر ، تلك النبوءة التى لم يهتم بها المستشار وتعالى عليها ، ولكنها كانت هى الأبرز دائما ً فى مخيلته كلما تداعت لذهنه تتابعات جرائمه الشنعاء ، ولهذا كانت كوابيسه المزعجة تلاحقه فى نومه ، ولكنه لم يرعوى ويتعظ ، ولم يستفد من جرس الإنذار الذى تحمله هذه النبوءة المُلخـَّـصة فى الجملة الأخيرة.. ” سيزول مجدك ، وسيكون هناك الكثير من الضحايا ” .

ثانيا ً : الملامح العامة :-

1 ** فى التصنيفات الموضوعية للروايات نرى أن الروايات تُصنـَّف : بالأمكنة ، والأزمنة ، والشخصيات ، والأحداث ، كل ٌّ فى ترتيبه الأسبق حسب سياقات السرد الأسلوبى .. وفى روايتنا هذه وعلى الرغم من تباين الأماكن مابين المناخ القروى ، والزخم المدنى ، والأحياء الشعبية .. وعلى الرغم من تعدد وكثرة الشخصيات الرئيسية والهامشية ، إلا أن المتصدر الأولىّ الموضوعىّ والفكرى عبر السياق العام هو شراسة وتشابكات الأحداث المتواترة والمتلاحقة ، إذن فهى رواية أحداث فى المقام الأول .

2 ** تجنح الأسلوبية العامة موضوعيا ً وسيكلوجيا ً إلى طرح حالة هامة بها الكثير من الإزعاج النفسى المتواتر بالنص الروائى ، وذلك باستعراض هذا الكم المتدافع دراميا ً من جرائم متلاحقة يمارسها البعض من الصفوة المجتمعية ، إلى جانب المقهورين من هؤلاء ، وهذه الجرائم ممثلة دراميا ً فى ممارسات المستشار الفاسد ، ونائب الشعب التابع له ، والعمدة الذى يتلاعب به المستشار لأغراضه الخاصة ، والشيخ التابع لأؤلئك الفسدة ، والمالك الذى يبيع ملكه وأهله فى مقابل المال وشهوته ، والسائق الذى يستخدمه المستشار فى جرائمه المتعددة ، والمحامي الذى يغدر بأستاذه وبصديقه ( توأم روحه ) لحساب ذلك الفاسد ….. إلــخ ….. وهذا الإزعاج النفسى الصادم ساقه الكاتب كجرس إنذار هام اجتماعيا ً وأخلاقيا ً .

3 ** تتمركز معانى الأفكار الضمنية – المطروحة من الكاتب – فى معظم سياقات الحراك الدرامى حول محاولات تصحيح مسارات العلاقات الاجتماعية كهدف أساسى ، وذلك فى إطار هام يعتمد على المقاربة ما بين العدالة البشرية بما يعتريها من نقص ٍ وأخطاء ، وبين تجليات واستلهامات روح العدالة الإلهية فى صورها المطلقة والمرجوة لتحقيق المساواة بقدر ما قد يتحقق به للمجتمع بطوائفه المختلفة حالة ً من الاتزان الذى يرقى بالمجتمعات .

ثالثا ً : مفتاح السر السيكولوجى :-

فى مقاربة ٍ تأملية ٍ للتشابكات الكثيرة المتواترة للشخصيات ، ولجدلية انتماء هذه الشخصيات لذاتها بشكل ٍ مُطلق .. نتسـاءل :
ماهو مفتاح السر لدى الكاتب الذى بنى عليه هذه التشابكات وتلكم الجدلية ؟؟
والإجابة المباشرة تتحقق فى هذه الازدواجية النفسية الواضحة التى سطرها الكاتب عبر الأحداث عن ذلكم ( السيسامنيس الاسماعيلي )

تابعونا على صفحه الفيس بوك 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى