ثقافة

الديوان ” الطوراة ” لكاتبها الروائى أحمد عزت سليم.

كتبت حنان محمد بعرور

تابع… مفارقة نقدية للشاعر والناقد أحمد عيد عن الديوان ” الطوراة ” لكاتبها الروائى أحمد عزت سليم.

هذه فقط بضع كلمات ٍ من حوارية ٍ طالت ما بين المجاهد الأسطورى وشيخه . وإذا كانت المستويات المتنوعة لرسم الشخصيات ، مابين شخصيات ٍ أسطورية ٍ فاعلة عبر الأزمنة المختلفة فى الرواية ، وشخصيات ٍ ورموز دينية ، وشخصيات ٍ تاريخية مشاركة فرعونية ٍ كانت أو إسلامية ، وشخصيات ٍ معاصرة محركة للأحداث ، شريرة كانت أو خيِّرة .
وإذا كانت كل هذه الشخصيات قد ساعدت على اتساع الرؤية البانورامية، عبر الأحداث ، فقد ساعد على ذلك أيضا ً، تعدد الأمكنة والبلدان التى اشتملت على المواجهات بين الخير والشر ، مثل :
عكا ـ أريحا ـ كفر قاسم ـ مالطة ـ الاسكندرية ـ ” الغورية ” القاهرة ـ ” نقرة صبحه ” و ” جامع الخبى ” المحلة الكبرى … إلخ .
وهذا التنوع المكانى والزمانى جعل الرواية : ككائن ٍ حى ، أطرافه كل هذه البلدان ، وقلبه النابض هو ” جامع الخبى ” الذى يأوى إليه وينطلق من سراديبه السرية أبطال الجهاد. ومن أمثلة هذا الجهاد ــ ذو الطابع الأسطورى ــ مشاركة ” الشيخ جميل ” و ” ابراهيم الدهليز ” مع رفاقهم فى الدفاع عن ” عكا ” حال سقوطها بالخيانة ، وارتفاع عدد الضحايا منهم ، وهاهو ” ابراهيم ” عند استشهاد المجاهدة ” وجه القمر ” نراه وهو ينعيها مع الرفاق فى مشهد حركى دال يصوره الكاتب هكذا …..
” يتمدد ” ابراهيم الدهليز ” ويفرد ذراعيه ويضم رجليه على بعضهما البعض ، ثم يمتد واقفاً على هيئته هذه، و” الشيخ جميل “واقفٌ وسط الجموع يبكى ” صـ 139

ونلاحظ أن الكاتب هنا قد استخدم الوحدة المشهدية والدلالة البصرية ، المتماسة مع قصة الصلب الشهيرة ، فى إشارة إيحائية إلى ذلك التوحد الإنسانى ضد كل أنواع الخيانة والعنف ، من أؤلئك الساعين بشتى الوسائل لاستلاب خيراتنا ومقدراتنا. بعد هذا المشهد ، يأوى ” الشيخ جميل ” و” ابراهيم الدهليز” ورفاقهم إلى جامع الخبى ، فى حالة من الاستعداد الجاد ، انتظارا ً لدورة أخرى من دورات الجهاد ، وبالفعل ينطلقون لمقاومة ” الفرنسيس ” فى بر مصر ، ويبرز دورهم فى اندحار الحملة الفرنسية ، وانكسارها أمام ” عكا ” ، وهكذا الحال فى دورات جهادية أخرى ، تنتهى بانتصار أكتوبر 73 .

وإذا كانت أسلوبية السرد التى قامت على استدعاء الكثير والعديد من الشخصيات والأمكنة المتماسة تاريخيا ً مع المقاومة المستمرة للعنصرية الصهيونية ــ عبر الحقب الزمنية المختلفة ــ بهذا البعد الأسطورى ، تتطلب من المتلقى نوعا ً ما من الثقافة الدينية والتاريخية والجغرافية الواسعة ، فإن الكاتب قد يسر الأمر على المتلقى فى بنية روايته ، بتقسيمها إلى ثلاث أقسام ( الأبد ــ الحين ــ الأوان ) وكل قسم يحتوى على عدد ٍ من المقامات ، وكل مقامة تحتوى على عدد ٍ من الأقسام بعناوين جانبية ، كل ذلك بهدف تيسير التداخل والتمازج الفنى بالاسترجاع والعودة والتقديم والـتأخير عبر أزمنة الرواية المختلفة ، وفى بعض الأقسام استخدم أيضا ً تقنية ، النص الهامشى الموازى للنص الأصلى كما فى قسم ” عش الأولياء ” وقد استخدم أيضا ً تقنية دائرية الأحداث مع بدايات ونهايات الأقسام الثلاثة .

رواية ” الطوراة ” ، رواية من العيار الثقيل ، ليس لكبر حجمها نسبيا ( 464 صفحة ) ، وإنما لما تحتويه من زخم فكرى ووجدانى واجتماعى وسياسى ، وقد أنفق كاتبها سنوات عديدة فى الإعداد لها وفى كتابتها ، حيث أنه من الكتَّاب النادرين فى انقطاعهم لمواجهة الفكر العنصرى برؤية ثاقبة على مستويات عديدة ، وهى تعدّّ وبحق مرجع ثقافى على مستوى المهتمين المخلصين لهذه القضية ، ولكنها فى ذات الوقت ، رواية صعبة التناول على من يتداولون الأعمال الروائية للمتعة والتسلية فقط . بقيت إشارة عابرة ، ولكنها هامة : فى إحد اللقاءات رأيت ” أحمد عزت ” يُهدى روايته لأحد أصدقائه من الأدباء الغارقين مثله فى أنواء هذه القضية ، وراقبته وهو يكتب الإهداء ، وجاء الإهداء هكذا.. [ لكم هذه الطوراة ، قطعة من الأمل ، علنا نتجاوز معا ً أقدارنا ] وأحمد عزت ــ بروايته هذه ــ نموذج يحتذى ، فهو أديبٌ لا يسعى للشهرة ، ولو أرادها لكانت له ، أديب لاينفق وقته عبثا ولا سدى ، ونحن فى انتظار إبداعاته الروائية ــ الهادفة ــ القادمة .

تابعونا على صفحتنا الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى