هل السعادة معدية، يقول “شمسُ الدينِ التبريزي” :(وجالِس جميل الروحِ تُصِبْك عدوى جمالِه). حين وقعت عيني على هذه الحكمة، راود فِكْرى هذا السؤال : هل السعادة مُعدية؟.
وحين رأيتُ ذاك المُعدم، والذى لا يملك من حُطام الدنيا شيء، وهو يوزِّع خُبز ابتساماته المشرقة على العابرين كُلَّ صباح..
وحين رأيتُ ذاك المُبْتَلى، وهو يُنازع ما حَلَّ بِه من كَرْبٍ بكامل الرضا، وهو يُردِّدُ ( لا تدرى لعلَّ الله يُحدِثُ بعد ذلك أمرا)..
وحين وقعت عيني على ذلك العابر، والذى لا تربطني بِهِ أي علاقة ولا صلة ولا قرابة، ويمدُّ لي يد العون في زمن الغُربة والجفاء..
وحين صادفتُه ذاك الرقيق؛ والذى يتمتَّع بذكاءٍ اجتماعىٍّ نادر؛ وهو يفيضُ بالمجاملات الرقيقة على كُلِّ من حوله؛ فيداعب هذا بالثناء على مظْهره، ويمنح هذه وردة.
ويُساعد هذا في حمل حقيبة عنه، ويقف لهذا ليعطيه مقعدة، ولا يكف عن التبسُّم ونشر عِطرِ البهجة. وكأنَّهُ قد تفهَّم قول (إيليا أبو ماضي ) الذى يقول : (كُن جميلاً ترى الوجود جميلا)..
وحين فاضت عيوني بالدموع حين سمعته يقول : ” لا تثريب عليكم اليوم يغفرُ الله لكم ” بروحه الكبيرة وبجميل صبره، لهؤلاء الذى سعوا بكُلِّ جهدهم لإيذائه.
وتخريب حياته وشككوا في سُمعته، وفى فائدة أعماله وظلَّ شامخاً مُبتسماً، وله أيادٍ بيضاء على الجميع مُنفِّذاً لثلاثية الصمود: ( قانون التغافل وقانون الإمتنان وقانون التسامح المُطْلق)..
وحين تنسَّمتُ عبق الأصالة من حكايات تلك الجدَّة وقد جمعت أحفادها وحفيداتها حولها ومرَّة تعطيهم الحلوى وأخرى بعض الضحكات من خزانتها السرية والعامرة بكل الخير..
وحين رأيته ذاك الراقي وقد بدأ بالثناء على ما أقول مع ابتسامة مُشرقة وفى كل وقت يُردِّد اسمى بمنتهى الودِّ ومرِّة يربت على كتفي.
وبمنتهى التشجيع حين عرضت عليه بعض أعمالي وأدركت بعدها حين صرتُ كبيراً ومُتمكِّناً فيما تخصَّصت كم كان هذا الرجل عظيماً وكم كان لدىَّ من أخطاء..
وحين مازجت روحي أصحاب الرقة، والذى يأسرون القلب بلمعة عيونهم وحركاتهم المدهشة وتعبيراتهم الخاصة، وتفننهم في إسعاد غيرهم، وتفكيرهم الشمولي، والموسوعي، وقدرتهم البالغة على مجابهة أي عسير .
حين صافحتُ كُلَّ هذا، أيقنتُ تماماً بأن السعادة مُعدية .
تابعونا على صفحة الفيس بوك.