
وسط أجواء تنظيمية هادئة، جرت انتخابات مجلس الشيوخ المصري 2025 في موعدها المحدد، لكن نتائجها لم تكن على مستوى التوقعات فيما يتعلق بنسبة الإقبال الشعبي، خاصة من فئة الشباب. حيث بلغت نسبة المشاركة نحو 14% فقط، مما أعاد إلى الواجهة أسئلة قديمة–جديدة عن أسباب العزوف، وكيفية خلق بيئة سياسية مشجعة على المشاركة.
ضعف قدرتها على التغلغل الفعلي
نقد بناء للأحزاب السياسية
تتحمل الأحزاب السياسية في مصر جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن العزوف الانتخابي، نتيجة ضعف قدرتها على التغلغل الفعلي في المجتمع وتنفيذ الأدوار المنوطة بها. فالعديد من الأحزاب تظل بعيدة عن القواعد الشعبية، وتعجز عن تمثيل قضايا المواطنين الحقيقية، خاصة الشباب. هذا الانفصال يساهم في تراجع الحماس السياسي، ويجعل من الانتخابات مجرد إجراء شكلي لا يحفز على المشاركة الحقيقية أو التغيير، وهو ما ينعكس على نتائج الانتخابات الحالية.
ضمان سير العملية بشفافية
النظام والاستقرار: العملية الانتخابية تحت المجهر
نُظّمت الانتخابات بإشراف الهيئة الوطنية للانتخابات، وفق آليات قانونية واضحة، ووسط أجواء من الهدوء والتأمين والانضباط.
وقد أدت الأجهزة الرقابية دورًا مهمًا في ضمان سير العملية بشفافية، سواء من خلال الإشراف القضائي الكامل، أو متابعة إجراءات الفرز، مما عزز ثقة المواطنين في نزاهة المسار الانتخابي.
هذا الالتزام المهني من مؤسسات الدولة لا بد أن يُقابل بمشاركة شعبية حقيقية، كي تكتمل منظومة الديمقراطية بين التنظيم والإرادة الشعبية.
اقتصرت المنافسة الفعلية على النظام
إلا أن غياب المنافسة في القوائم – التي شهدت وجود قائمة واحدة فقط في كل دائرة – أدى إلى ما يشبه الاستفتاء أكثر من التنافس الانتخابي.
كما اقتصرت المنافسة الفعلية على النظام الفردي، والذي حسم في بعض الدوائر من الجولة الأولى، بينما تستعد دوائر أخرى لجولة الإعادة نهاية أغسطس.
ضعف الوعي بدور مجلس الشيوخ
الشباب المصري الغائب الحاضر
رغم أن الشباب يمثلون النسبة الأكبر من سكان مصر، فإنهم كانوا الأبعد عن لجان التصويت. ووفقًا لتحليلات متعددة، تعود هذه الظاهرة إلى عدة عوامل:ضعف الوعي بدور مجلس الشيوخ: كثيرون لا يدركون أن المجلس ذو طبيعة استشارية، ما يجعلهم يتساءلون عن أثره المباشر على حياتهم اليومية.
يضعف الارتباط بينهم وبين العملية
غياب تمثيل شبابي حقيقي: معظم المرشحين لا يعكسون قضايا أو لغات الشباب، مما يضعف الارتباط بينهم وبين العملية الانتخابية.
ارتفاع الأسعار وتحديات المعيشة
الضغوط الاقتصادية اليومية: في ظل ارتفاع الأسعار وتحديات المعيشة، قد ينظر بعض الشباب إلى المشاركة السياسية كأمر ثانوي.
شعور الشباب بأن لصوتهم تأثيرًا
نقص البدائل والتعددية: ضعف التنافس السياسي يحدّ من شعور الشباب بأن لصوتهم تأثيرًا فعليًا.
تحديات داخلية وخارجية تتطلب من الجميع
دعم الدولة والقيادة السياسية مسؤولية وطنية
في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن، يصبح دعم الدولة ومؤسساتها الدستورية واجبًا وطنيًا، لا مجرد خيار. فمصر تواجه تحديات داخلية وخارجية تتطلب من الجميع الوقوف صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية، وفي مقدمتها الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي لم يدّخر جهدًا في تمكين الشباب، وتوفير الفرص لهم في مختلف المجالات، من التمكين السياسي إلى الإدماج المجتمعي والاقتصادي.
صيانة إرادة المواطن وضمان حقه
أثبتت المؤسسات الرقابية، وعلى رأسها الهيئة الوطنية للانتخابات، التزامها الصارم بالشفافية والنزاهة، وهو ما يعكس حرص الدولة على صيانة إرادة المواطن وضمان حقه في التعبير.
تستهدف زعزعة الثقة بين المواطن
في المقابل، لا بد من تحصين الوعي العام ضد الشائعات الممنهجة، ومحاولات التشكيك التي تستهدف زعزعة الثقة بين المواطن والدولة.
فالمشاركة في الانتخابات ليست فقط ممارسة لحق، بل تأكيد على الانتماء، ودعم لمسار الاستقرار والتنمية.
صناديق الاقتراع ليس فقط واجبًا قانونيًا
النزول إلى صناديق الاقتراع ليس فقط واجبًا قانونيًا، بل هو رسالة بأن المواطن شريك في القرار، ومؤمن بمستقبل وطنه.
بناء العلاقة بين الشباب والعملية السياسية
نحو مشاركة فعالة: مقترحات عملية قابلة للتطبيق
إعادة بناء العلاقة بين الشباب والعملية السياسية لا تتطلب فقط دعوات تشجيعية وقت الانتخابات، بل مسارًا طويلًا من الإصلاح والمشاركة الحقيقية.
انتخابات المحليات يمكن أن يكون بوابة
تفعيل دور المجالس المحلية
إطلاق انتخابات المحليات يمكن أن يكون بوابة حقيقية لتمكين الشباب سياسيًا على أرض الواقع.
الاعتماد على محتوى مرئي
توسيع التوعية السياسية عبر الوسائط الحديثة الاعتماد على محتوى مرئي تفاعلي على منصات التواصل الاجتماعي.
دعم الأحزاب والمبادرات المستقلة
إنتاج برامج رقمية توضح أدوار المؤسسات الدستورية وأهمية المشاركة.دعم الأحزاب والمبادرات المستقلة
تشجيع بيئة حزبية صحية تسمح بقيام كيانات شبابية قادرة على خوض الانتخابات والتعبير عن قضايا الجيل الجديد.
ضمان رقابة مدنية مستقلة
شفافية متزايدة في العملية الانتخابية
رقمنة أكبر للعملية، وضمان رقابة مدنية مستقلة، يعززان الثقة في أن الصوت الانتخابي يُحتسب ويؤثر.
الانتخابات ليست مجرد صندوق اقتراع
خاتمة: من الصندوق إلى المستقبل
الانتخابات ليست مجرد صندوق اقتراع، بل تجربة سياسية متكاملة تبدأ بالوعي وتنتهي بصناعة القرار.
الاستجابة لها تستلزم قراءة عميقة
استحقاق انتخابي، يبقى الرهان الحقيقي على استعادة الثقة بين المواطن، خاصة الشباب، وبين المؤسسات المنتخبة. وإذا كان العزوف رسالة صامتة، فإن الاستجابة لها تستلزم قراءة عميقة، وحلولًا واقعية تبدأ من التعليم، وتصل إلى التمثيل.
مشاركة أوسع، وأصوات أكثر
فمصر التي تطمح إلى مستقبل أكثر استقرارًا، تحتاج إلى مشاركة أوسع، وأصوات أكثر تنوعًا، ووجوه جديدة تحمل رؤى هذا الجيل.
تابعونا علي صفحة الفيس بوك