المكتب الثقافي المصري بالرياض يناقش بلاغة السرد وجمالياته
كتب: د. إبراهيم جلال
أقام المكتب الثقافي المصري بالرياض يوم أمس الأربعاء 27 أكتوبر 2021م، ندوة ثقافية برعاية السفير أحمد فاروق سفير جمهورية مصر العربية بالمملكة العربية السعودية، وتحت إشراف الأستاذ الدكتور عمرو عمران الملحق الثقافي ورئيس البعثة التعليمية المصرية بالمملكة، وشارك في هذه الندوة التي أُقيمت تحت عنوان “بلاغة السرد وجمالياته“، الناقد والشاعر والقاص السعودي الدكتور حسن بن حجاب الحازمي أستاذ النقد الحديث في جامعة جازان، وعضو مجلس الشورى السعودي، والناقد والشاعر المصري الدكتور إبراهيم منصور المحاضر المتعاون في قسم اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالأحساء، ومشرف اللغة العربية بمدارس المستقبل، وأدارها الشاعر والكاتب الصحفي السيد الجزايرلي، وقد اشتمل برنامج الندوة على فواصل موسيقية متميزة قدمها الفنان السوري ماهر العامر عزفا على آلتي العود والناي.
بدأت الندوة بكلمة ترحيبية للأستاذ الدكتور عمرو عمران أشار فيها إلى أن هذه الندوة تُعد امتدادا لسلسلة من الأنشطة المتميزة التي قدم من خلالها المكتب الثقافي المصري بالرياض عددا كبيرا من الندوات والأمسيات التي تختلف موضوعاتها كليا من ندوة لأخرى، ولا تتشابه إلا في نُبل أهدافها ومقاصدها الثقافية، موضحاً أن هذه الندوة تكتسب أهميتها من أهمية موضوعها الأدبي المختلف عمَّا سبق من ندوات، وكذلك من دقة ارتباط موضوعها بالتخصص العلمي للضيفين المتحدثين فيها، لأنها تلقي الضوء على جوانب متميزة جدا من فنون كتابة القصة والرواية والحكاية التراثية التي عرفناها من خلال قصص (ألف ليلة وليلة)، وما لها من تأثير في الذاكرة العربية والإنسانية بشكل عام.
وقال الدكتور عمرو عمران: استضفنا خلال الندوات التي أقامها المكتب الثقافي المصري بالرياض طوال الفترة الماضية، شخصيات ثقافية وأدبية بارزة من المبدعين المصريين والأشقاء السعوديين والعرب، لأننا نسعى دائما إلى تحقيق أعلى درجات الفائدة الثقافية، وبناء جسور الحوار المشترك بين الأشقاء، وتعزيز التبادل والتواصل الثقافي بصورته الإيجابية المنشودة، وتعميق العلاقات الأخوية بين المصريين وأشقائهم العرب في كل مكان، وتعتبر هذه الندوة أحد الشواهد على هذه المساعي التي نطمح من خلالها إلى تنشيط العمل الثقافي بهدف التوعية والمعرفة من جهة، وهدف الاستمتاع بالآداب والفنونمن جهة أخرى
.
بلاغة السرد ومفاهيمه الاصطلاحية المتعددة
في ورقته النقدية، تحدث الناقد السعودي الدكتور حسن بن حجاب الحازمي عن بلاغة السرد ومفاهيمه الاصطلاحية المتعددة، وعن كيفية تحقيق السرد لبلاغته الخاصة، وكذلك عن المفهوم والمعنى اللغوي للبلاغة، مشيرا إلى أن البلاغة بمفهومها اللغوي العام، وبمفهومها الاصطلاحي الخاص تروم الوصول بالشيء إلى منتهاه وتحقيق قمة اكتماله، وأشار الدكتور الحازمي إلى أن السرد له أربعة مفاهيم اصطلاحية، هي فعل القص الذي يقوم به الراوي السارد، والخطاب الذي يُقدم به النص السردي، والسرد كأحد مكونات لغة النص، والسرد كنوع أدبي يضم تحت مظلته كل الأشكال أو الأنواع السردية قديمها وحديثها.
وأوضح الدكتور حسن الحازمي أنه على ضفاف مصطلح السرد نشأ علم جديد عرف بعلم السرديات، وهو العلم أو التخصص الذي يدرس الأشكال السردية، ويستنبط قواعدها الداخلية، ويصف مكوناتها، ويتعرف على كيفية بنائها وتركيبها داخل كل شكل سردي ويميز بينها، ويكشف أبنيتها وأساليبها ودلالاتها، ويرجع الفضل في اشتقاقمصطلح السرديات إلى تودوروف الذي نحت هذا المصطلح عام 1969م للدلالة على الاتجاه النقدي الجديد المختص بالدراسات السردية، بيد أن أول من بحث في الأبنية الداخلية للسرد؛ هو فلاديمير بروب الذي درس الحكايات الخرافية، واستنبط القواعد الأساسية لبنيتها السردية، وذلك في كتابه الشهير (مورفولوجيا الحكاية الخرافية)، أي بنية الحكاية الخرافية، وقد أصبح تحليل بروب ودراسته للحكاية الخرافية مرجعا ملهما لكتاب السرد الذين راحوا يتوسعون فيه، ويتحققون من إمكاناته النظرية والتحليلية، وقد أطلق روبرت شولز على هؤلاء “ذرية بروب”، وفي مقدمتهم: غريماس، وبريمون، وتودوروف، وجيرار جينيت.
وقال الدكتور الحازمي: إذا أردتُ أن أكون أكثر إنصافا في قضية النقد السردي، فإنه يتوجب عليّ القول بأنني لم أذكر تودوروف في البداية إلا لأنه صاحب اشتقاق مصطلح السرديات، وإلا فإن الشكلانيين الروس هم أول من اهتم بدراسة البنية الداخلية للسرد، وعلى رأسهم فلاديمير بروب الذي درس الحكاية الخرافية، وتوماتشفسكي الذي كان أول من فرّق بين المتن الحكائي الذي يمثل الحكاية في شكلها الخام، والمبنى الحكائي الذي يمثل الحكاية في صورتها النهائية داخل النص السردي، وفي مقابل الشكلانيين الروس، كانت هناك حركة نقدية في إنجلترا في عشرينيات القرن العشرين مهتمة بالسرد وخصوصا في الرواية، وكانت تبحث في أبنيتها الداخلية وطرائق تشكيلها، وفي هذا الصدد ظهرت كتب مهمة منها: “صنعة الرواية” لبيرسي لوبوك، و”أركان الرواية” لفورستر.
وختم الدكتور الحازمي ورقته بالإجابة على السؤال المطروح حول مدى إمكانية دراسة السرد عبر البلاغة بمفهومها المبدئي كالصور البلاغية من تشبيه واستعارة ومجاز إلى آخره، قائلا: يمكن دراسة لغة السرد تحت عنوان بلاغة اللغة السردية، ولكنها لا تدرس وفق المعنى الضيق للبلاغة، بل وفق معنى أوسع ينظر إلى مستويات لغة السرد المتنوعة
.
كبار أدباء العالم تأثروا بكتاب (ألف ليلة وليلة)
من جانبه أشار الدكتور إبراهيم منصور في ورقته إلى أن كتاب (ألف ليلة وليلة) امتد أثره إلى أصقاع الدنيا، واعترف كبار أدباء العالم بتأثرهم به، وكانت طباعته للمرة الأولى في الغرب في بدايات القرن الثامن عشر، ثم توالت طباعته العربية في الربع الأول من القرن التاسع عشر، وكما لا يمكن حصر ما كُتب عنه، فلا يمكن حصر طبعاته التي لاقت رواجا كبيرا، وتنوعت ما بين الطبعات التي أبقت على أصل الكتاب، أو الطبعات التي نقحته وأزالت ما به من ألفاظ وعبارات خارجة، وكذلك طبعات شعبية، وأخرى للناشئة، مشيرا إلى أنه لم يحدث لغط حول كتاب عربي كما حدث حول كتاب “ألف ليلة وليلة“، الذي وصل للمحاكم، وتم الإفراج عنه لتزداد أقلام الدراسة حوله بشكل لا يمكن ملاحقته.
وأضاف الدكتور إبراهيم منصور أن النص الذي يفتقد إلى مؤلف، يقدم ضمنا صورة لموت مؤلفه، ويتحسس رواته من المروي عليهم باعتبارهم متلقين في داخل النص، ولا يمكن تناوله البلاغي بعيدا عن أثر هذه البلاغة الجديدة في صنع علاقات سردية تبرز جمالياته، مؤكدا أن هذا الكتاب لا يزال كنزا مفتوحا ينهل منه الكتَّاب وغيرهم، ويقدم عجائبه التي لا تنتهي من خلال لغة يفهمها الخاصة والعامة، وكعادة الأدب العظيم كان كتاب ألف ليلة وليلة حمّال أوجه؛ إذ تعددت الرؤى في تناوله لأنه يستند للذاكرة الجماعية التي تضافرت على تكوينه، فهو كتاب شعبي تمثلت فيه طوائف الشعب وطبقاته، وتراءت من خلاله ميوله، ونزعاته.
وأوضح الدكتور إبراهيم منصور في ختام ورقته أن مؤرخي الأدب والنقاد من العرب وغيرهم اختلفوا في أصل الكتاب حتى ذهب بعضهم إلى أن أصوله هندية ثم ترجمت إلى الفارسية ثم إلى العربية، والراجح أن “ألف ليلة وليلة” عربية الأصل، وذلك لكون أغلبها حدث في بلاد العرب متنقلا بين بغداد ودمشق والقاهرة وصولا إلى المغرب العربي، ليس هذا فحسب دليلا على عروبتها، وإنما لكون العقل العربي ينتقل في حكيه كما يفعل الراوي الإطار في حكيه، وكما تفعل المرأة الحاكية في قصص العرب، تقدم شهرزاد عروبتها وانتصارها للعرب على ما سواهم في قصصها، واللافت للنظر أنها لم تنتصر للحكي لكونه مطلبا للأمم البدائية التي يشغل الفراغ جل وقتها وتتآزر الطبيعة من براح الأرض والسماء لاستدعاء السرد، لكن شهرزاد ابنة مدينة؛ لذا كان تركيزها على أبطال المدينة مضيفة إلى شخصياتها النمط النفسي الذي يعالج أمراض شهريار، وقد استخدمت شهرزاد في سردها سلاح المعرفة لتحمي نفسها وغيرها من الموت المنتظر.
وقد اشتملت الندوة على ثلاث فقرات موسيقية قدمها الفنان السوري المتميز ماهر العامر، بالإضافة إلى عدد من المداخلات المهمة التي شكّلت نقاشا تفاعليا بين المتحدثين والحضور، وأثرت الكثير من جوانب الندوة وموضوعها المتصل بالسرد وجمالياته.