قصص

أبـــو الـــبنـــات……أبـــو الـــبنـــات

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

جوزي ورث مبلغ كويس جدًا من تلت أسابيع، وبقا كل همه إنه يعمل مشروع كويس نقدر نعيش منه بدون مرتب الوظيفة اللي مبقاش جايب همه زي ما بيقولوا، بس كانت مشكلتنا إننا قاعدين في قرية في الصعيد، فلازم تتأنى وتشوف مشروع كويس يمشي مع كل الناس ويفيدهم لأننا ممكن نكلف ونِصرف على مشروع كبير وفي الآخر نخسر فيه، عشان كدا صبرنا طول الفترة دي لحد ما لقيت جوزي راجع يجري من برة وفرحان، وأنا ولأني عارفاه كويس اتأكدت إنه لقى فكرة مشروع كويس..
قالي إن فيه بيت فخم جدًا على الطريق وفي منطقة كويسة ومعروض للبيع أو الإيجار، ولو اتعمل كافيه كويس هيبقا مشروع العُمر، البيت له جنينة حلوة أوي وأوضة كبيرة على أول البيت كمان تنفع لعمل المشاريب، وباقي البيت هيكون بتاعنا ممكن نقعد وننام فيه كمان، مش عارفة ليه اتحمست أوي وبزيادة بس فكرت وسألته
أبـــو الـــبنـــات
وهنا جاوبني وقالي إن الصعيد دلوقتي بقا متطور يمكن أكتر من القاهرة وبعدين ده طريق رئيسي والمشروع هينجح جدًا كمان..
وفعلًا روحنا شوفنا البيت، حاجة فخمة ومحترمة وكأنها من العهد الملكي، بس طبعًا كان محتاج تنضيف وده فيه ناس هتيجي تتكلف بيه، بس اللي عرفناه إن المستأجر هيأجره أقل حاجة 5 سنين والإيجار كله مقدم، كان أسلوب إيجار غريب جدًا بس حقه لأن البيت يستاهل والإيجار بسيط مش غالي، بس كان لازم نتأنى كويس أوي لأننا كدا هندفع مبلغ كبير وكمان التجهيزات هتاخد مبلغ أكبر..
وهو عشان يقنعنا خلال يومين جاب ناس نضفوا الجنينة وقصوا الشجر، وجاب ستات رجعوا البيت وكأنه قصر ملوكي، وأحنا وقدام الجمال ده كله ضعفنا، وفعلًا دفعنا المبلغ كله وجوزي نزل يجيب كل مستلزمات الكافيه، وأكدت عليه إننا نلغي الشيشة وأي حاجة فيها حرمانية، حتى الأغاني اللي هتشتغل هنستبدلها بحاجة تنفع الناس، وعملنا ركن في الجنينة زي مُصلى صغير عشان اللي حابب يصلي، وعشان منكلفش نفسنا أكتر قررنا نشتغل أحنا أول شهرين لحد ما نفهم الدنيا هتمشي ازاي في الكافيه وبعدين نجيب عُمال، نعرف هيدخل كام يوميًا وبنصرف كام خامات وهكذا عشان ناخد الخِبرة اللازمة..
وفعلًا عملنا الافتتاح واتفاجئنا بالناس بيجوا على الكافيه من كل مكان، وكل ركن كان عاجب الناس جدًا، ركن العائلات، وركن الصُحاب، وركن الأطفال، كل حاجة كانت جميلة جدًا، ووقفت أنا في أوضة المشاريب مكنتش بخرج منها، طول اليوم بعمل مشاريب وقهوة وعصاير، وجوزي ياخد الحاجة يقدمها ويحاسب الناس، وفضلنا على الحال ده يمكن أسبوعين لحد ما حضور الناس هدي شوية على الكافيه، بس الأمور كانت كويسة لأننا بنكسب كويس بصورة يومية..
وأثناء ما أنا شغالة ومنهمكة مراية الحمام الصغير اتكسرت مرة واحدة، اتخضيت في مكاني وروحت أشوفها لقتها متكسرة والازاز مرمي في كل حتة، مسكت حتة ازاز وبصيت فيها ولمحت ورايا بنت شعرها طويل ولابسة عباية سودة بتدخل من الجنينة على البيت، لفيت بسرعة بس ملحقتش أشوفها كويس، دخلت أشوف مين دي وداخلة ليه ولمحتها دخلت على الأوضة اللي بننام فيها..
أبـــو الـــبنـــات
جريت وراها وناديت عليها وأول ما فتحت الباب لقيت شباك الأوضة مفتوح وهي مش موجودة، بصيت من الشباك لقيتها دخلت وسط الكافيه تاني ومبقتش قادرة أشوفها، وغصب عني بدأ الشك يدخل قلبي وتحديدًا من كتر البنات اللي بقت بتيجي الكافيه، هل ممكن جوزي يكون بيخوني مع حد، وازاي كانت عارفة الأوضة بالسهولة دي، وأيه اللي يدخلها بالجرأة دي إن مكنتش عارفة المكان كويس..
فضلت كاتمة الموضوع في نفسي ومكنتش قادرة أتكلم فيه، بس غصب عني كأنثى بقيت براقب جوزي كل شوية وأنا بعمل المشاريب، وبقا عندي إصرار يجيب شاب صغير يعمل المشاريب وأنا أراقب معاه جوة الكافيه وارتاح شوية، وفعلًا وعدني إنه هيجيب حد كويس للموضوع ده، ومن تاني يوم اتكرر نفس الموضوع وأنا شغالة، بس المرة دي كانوا بنتين مش بنت واحدة، وفي اليوم التالت بقوا تلت بنات، وبرضه ملحقتش أوصلهم لأنهم كانوا بيهربوا من قدام عيني..
كان لازم أصارح جوزي وأحكيله، قالي إنها أكيد أوهام من تعب الشغل لأني طول النهار واقفة، وبص في عنيا وضحك وقالي
(متقلقيش مش هخونك يا أم دماغ بايظة)
أبـــو الـــبنـــات
ضحكت على كلامه واطمنت شوية، لحد ما في اليوم الرابع وأحنا بنقفل الكافيه جوزي خرج كالعادة يقابل بتاع الديليفري اللي بيجيب السكر والحاجات الناقصة وأنا كنت بنضف المكان، ولوهلة وأنا مندمجة سمعت صوت صراخ واطي أوي جاي من جوة البيت، حسيت بخوف غير طبيعي ودخلت أشوف فيه ايه..
أول ما دخلت لمحت خيال بنت بتجري وشعرها طويل، شوية ولمحت خيال تاني وتالت، حسيت إن هيجرالي حاجة لو فضلت في لعب العيال ده، طلعت الدور التاني وبدأت أسمع صوت الصراخ مرة تانية، وقدام عيني شوفت البنات، تلت بنات بيجروا وواحد ماسك سكينة وبيجري وراهم، المشهد جمد الدم في عروقي، وفضلت أراقبه وهو بيقتـ ..ـل البنات بطريقة وحشية لدرجة إن الدم غرق الدور كله، ووسط ما أنا مصدومة ومذهولة من اللي بشوفه واحدة منهم مسكتني من رجلي وصرخت، وقتها أنا صرخت بأعلى صوت وكل حاجة رجعت زي ما كانت، بس قدام عنيا لمحت جملة مكتوبة بالدم (دمنا لسة منشفش)..
نزلت أجري وأنا هموت من الفزع واستنيت جوزي لحد ما جه، حكتله كل حاجة وطلع يشوف بس مكنش فيه أي حاجة، بدأ يشك فيا بس بكائي وحالتي أقنعوه إن كل ده بجد، وكان القرار إني هرجع البيت القديم وهو هيفضل هنا مع العامل اللي هيجيبه خلال يومين، عشان منخسرش كل فلوسنا لو سبنا المكان، وكان قرار حكيم، أو كنت فكراه قرار حكيم، بس مسافة ما كنت بنام كنت بشوف نفس الراجل بيقتل البنات التلاتة، وكنت بشوف راجل تاني بيراقب المكان من بعيد وبيضحك، وتقرب بنت منهم في نهاية الحلم مني وتقولي (دمنا لسة منشفش)..
وأقوم من نومي مخضوضة وخايفة، ولما اتأكدت إن الرعب هنا وهناك قررت أفضل جمب جوزي ونشغل قرآن في الكافيه وأفضل وسط الناس متحركش، وأثناء انهماكي في الشغل لمحت راجل عجوز واقف مع جوزي بيتكلم معاه، قلبي دق بهيستريا لما شفته، كان نفس الراجل اللي بشوفه في الحلم بيراقب الجريمة وبيضحك، اه ده أكبر كتير منه بس أنا على يقين إنه هو، قربت بهدوء وسمعته بيسأل جوزي إن كانت كل الأمور كويسة، وهل فيه حاجة غريبة بتحصل في المكان..
وقتها اتأكدت إن الراجل ده يعرف اللي حصل في المكان ده، وعرفت اسمه وعرفت إنه من أهل البلد كمان، وخرجت يومها اشتري حاجات من السوق، معرفش كنت نازلة ليه بس كنت حابة أعرف قصة البيت ده، قابلت واحدة ست عجوزة بتبيع خُضرة، واتكلمت معاها شوية وسألتها عن البيت اللي اتعمل كافيه، ولما اطمنتلي حكتلي حكاية غريبة أوي، قالتلي إن البيت ده كان لراجل اسمه (حسَّان) وكان متلقب وسط الناس (بأبو البنات) وكان بيحب اللقب ده وعايش في البيت مع بناته التلاتة اللي كان جمالهم غير طبيعي لأن أمهم مكنتش مصرية..
كانوا قمة في الأخلاق والأدب لكن في يوم الناس صحيوا على أبوهم اللي اتخلص منهم التلاتة عشان يغسل شرفه لأنه عرف إن التلاتة مش كويسين وبيعملوا حاجات حرام، وبعد الجريمة دي مات بسكتة قلبية وورث البيت أخوه اللي حاول يقعد فيه مقدرش، حاول يبيعه مقدرش، فسابه فترة طويلة لحد ما حد استأجره وعمله كافيه، سألتها إن كانت تعرف البنات، قالتلي تعرفهم من سنين طويلة وكل الناس قالوا استحالة إنهم يعملوا كدا وإن ده مقلب اتعمل في أبوهم اللي كان دمه حامي وممكن يصدق عليهم أي حاجة..
سألتها على الراجل اللي كان واقف مع جوزي انهاردة، قالتلي إنه كان بيشتغل مع حسَّان وكان يعرف البنات كويس، وغصب عني بدأت أربط الأمور ببعض، وبدأت أراقب الراجل ده من وقت للتاني، وده لأنه بقا فعلًا بيزور الكافيه كل شوية ويقعد طول النهار، الراجل رغم إن عمره كبير بس كان خبيث، وكان بيحاول يفتح معايا كلام كل شوية لأي سبب، حاولت أهاوده واتكلم معاه وعرفت إن عنده استعداد إنه يعمل الحرام ويخون الراجل اللي قاعد في مكانه ده..
وأثناء ما كنت بتكلم معاه لمحت واحدة من البنات واقفة في شباك البيت وبتشاورلي عليه، جسمي كله اتكهرب ومع ذلك تمالكت أعصابي، بدأت استدرجه في الكلام وهو ومع حُكم السن والرغبة كان بيتكلم والكلام بيقع منه، عرفت منه إنه كان يعرف البنات وأبوهم، وكانوا بيرفضوه ومحدش من البنات بيحبه، معرفش ليه جت في بالي فكرة إنه حاول مع البنات ولما صدوه عمل فيهم مقلب وخلى أبوهم يتخلص منهم، أو يمكن كان هيتفضح فقرر يطلع عليهم سُمعة، وحسان ده حسب الي عرفته من الست، إنه كان دمه حامي جدًا واستحالة يتأنى في شرفه..
ولقيته بيطلب مني يدخل الحمام، ولقتني بوصفله حمام البيت مش حمام الكافيه عشان يدخل جوة خالص، وبإبتسامة لزجة لقيته بيقول (هستناكي جوة) ودخل فعلًا ولمحت البنات التلاتة بيدخلوا وراه، وفضل الراجل جوة يمكن ساعة كاملة، ولما كلمت جوزي يدخل يشوفه دخل لقى الراجل جثة هامدة، ومكتوب بالدم (أخيرًا دمنا نشف)..
مسحنا الدم بسرعة وبلغنا الناس إن الراجل دخل الحمام ومات جوة، ولما جت الشرطة قالوا إنها أزمة قلبية ومفيش أي شبهة جنائية، ومات الراجل ومن يومها اختفت أي أحداث مخيفة من البيت، ورغم إنها تجربة قاسية أوي بس علمتني إن أسهل حاجة إن حد يتهم حد بالزور، ولما يجيلك اتهام لازم تتبين منه وده أمر رباني لما قال ربنا سبحانه وتعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] سورة الحجرات

تابعونا على صفحتنا على الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى