قصيدة (وحيُ السَّماء) للشاعر الكبير الاستاذ عمر فتحي.
كتب حنان محمد
وحيُ السَّماء
إليهم أستشهد بقول الحق تبارك وتعالى:
” فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا”
أنهم الكافرون بنعمة الله. وصون النفس عن الغي
أتعْجب رغْم الْحادثات لحاليا
تئنّ جراحاتي ولست مباليا
وأنّ اصْطباري للأمور سجيّةٌ
جبلْت عليهــا كالْجبال رواسيا
وتطْرب للصوْت الشّجيِّ وإنّني
على لـهــب النيران أرقص شاديا
ومنْ عجبٍ أنّى على طُول شدّتي
إذا صغـت مـا ألْقـى يـرُوق الأسى ليا
وإنْ سكنتْ خضْر الرّبا منْ كآبةٍ
يبلّ صدى الظّمْآن صـوْت كناريا
فأشْفــي جراح المتْعبِيــن بأنّتي
وأهـدي حياراهـمْ بطول اغْترابيا
فما كنْت أخْشى الْحادثات لأنّني
تيقّنـت أنّ الثوْب لا ريـب باليا
وأهْملْــت تعْجِيــل الثّــواب لأنّهُ
بأضْعاف ما أعْطي يكُون ثوابيا
وتعْصف بىالأهوال في كلّ ساحةٍ
وما كنْت هيّاباً وما كنـت ساليا
وكــلّ الّذي ألْقـاه ليس يضِيرني
فقـدْ مـلأ الإِيمـان منّــى إهابيا
ولا أبْتغــى شكــر الْعبــاد وإنّما
لأجل رضا ربّى بذلْـت عطائيا
وأبْدُو على رغْم التّمزّق شامخأ
ورغْم صنُوف الْهوْل تثْقـل ساحيا
إبـــاءٌ وإقْـدامٌ وعـزْمٌ وعفـةٌ
ونبـذٌ لـكــلّ الْمغْريـات ورائيـا
وأنْشــد أسْبــاب النمــاء لأمتـى
وأُوقن منْ خير أرى الدّهْر باقيا
وما كان قرْض الشّعْر محْض تصنعِ
ولَكنّهُ وحى السّماء أتانيا
ففِيهِ يفِيض الْوجد منّى صبابةً
ويمْضى بلبّ الْعاشقِين كمانيا
وتهْتــزّ أرْجــاء الدّنــا لمدامعى
ويـحْرق أهْل الشّوْق بعْض الذى بيا
ووطّنْت نفْسي أنْ أصارع مفرداً
لتَرْوِيض قلْبٍ كان بالأمس عاصيا
وآنسْت منْ نفْسى نزُوعا إلى الهدى
فيمّمْت شطْر الله رباً وهاديا
فهـدّأ مـنْ روْعى وآنـس وحْدتى
فرتلْت آيـاتٍ من الذّكر واعيا
ويا أيهــا المغرور من بعـض زائل
أخلتك عن عيـن المقدر خافيا
تـمـهّـلْ فــإنّ الــدّار دار تـقـلّـــبٍ
فـإنْ خلْتها تبْقى أرى الظّنّ واهيا
خبرْت الدّنا لـمـا خبرْت رجالـها
ترى العزْم وثّابا ترى الْقلب راضيا
أترْغب فـي دنْيا أرى جّل أهْلها
تمرّغ في نعْلِ الْمطالـبِ حافيا
وراح يغضّ الطّرْف عنْ كلّ منْكرٍ
وصُــولاً لأدْنى حظــهِ متفانيـا
إليْـك فـإنّ النّفْس يــا صــاح غصّةٌ
وقلّبـىَ مـنْ أثقالــهِ ليْـس خاليا
تقطّـعـت الأسْبـاب بيْنـى وبيْنـهــمْ
ووجّهت قلْبـي نحْو موْلاي راجيا
وعطّلْت منْ قلبي انشراحي وبهجتي
وبالذّكــر والإخْبـاتِ أيْقظْـت ليْليـا
عزِيرك منْ دهرٍ أرى الصّفـو إنْ بدا
يمـرّ كلمْح الْبـرْق في صحرائيا
وتمضـي أمانــيّ القلــوبِ سرِيعــةً
وتبْقى جراحات النّفُوس كما هيا
وفى ساحة الدّنْيا تركْت مطيّتى
وفى طاعة الْموْلـى شددْت إزاريا
ورحْت أسحّ الدّمْع فى ركن مسْجدٍ
فعلك ربّي تلْـق عبْدك راضيا
وأكْثرْت منْ سهْدى وطالتْ شكايتى
وناشدْتـــهُ أفعالـــهُ والأساميـــا
تـجاوزْ بفضْلٍ عنْ قدِيـم جهالتـى
فعفْوك أسمى ما عنتْهُ مساعيا
إلَهى قدْ وجّهْت نـحوك مهْجتى
فمرْحى بنُور الْقرْب لمّا يلح ليا
وإن تَـرضعنــى رغْـم ذنْبـى وزلّتى
تقبلْت ما ألْقى من الدّهْــر هانيا
ولــمْ ألْتـفـتْ للْحـادثـات وعصْفهـا
ولا وقع رزْءٍ ساقه الدّهْـر قاسيا
ولـمْحة وصْلٍ منْك تسْعد خاطرى
ونُور الرّضا منْكمْ يضىء سراجيا
وإنْ ساد فى الأرْض الظّــلام فإنّنى
إلـى نُورك الأسْنى شــــددْت رحاليا