قصص

حكماء الجن….حكماء الجن

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

كنت واقف في الصيدلية من شوية وكاتم دموعي بالعافية وانا دماغي بتغلي من التفكير، دول آخر ٤ الآف جنيه في تحويشة العمر، هشتري بيهم علاج الشهر لأمي اللي بتحتضر بقالها سنة كاملة، والشهر الجاي حرفيا مش عارف هجبلها علاج منين وازاي، وغصب عني بدأت من تاني استعيذ بالله من قهر الرجال، لأن الفقر هو أخطر عدو ممكن يقهر الراجل، لما تلاقي نفسك مش قادر تشيل الست اللي في حياتك في محنتها، سواء أم أو أخت أو زوجة وقتها بتعرف يعني ايه معنى قهر الرجال..
اشتريت العلاج ورجعت على البيت معايا ملاليم، ودماغي واقفة تماما، ووسط شرودي ده لقيت تلت عيال رابطين قطة صغيرة بحبل مشدود على رقبتها، في العادي كنت بزعق فيهم وبفكها وبكون رحيم مع الحيوان ايا كان كلب أو قطة، أما دلوقتي فانا مُرهق، طاقتي خلصانة ودماغي مشوشة، عديت من جمبهم وقتها كان عن يميني بيت قديم اوي وجمبه كوم زبالة كبير، شوفت عيون صغيرة بتراقبني من جوة البيت، معرفش ليه العيون دي سحرتني، وفكت التشويش من على راسي..
وبكل غضب زعقت في العيال وخدت منهم القطة اللي كانت منهكة ومجروحة، فكيت الحبل من عليها وخدتها في كرتونة صغيرة معايا، اشتريت علبة تونة من السوبر ماركت وخدت القطة على البيت، غسلتها بالمية وطهرتلها الجرح وخلتها تاكل علبة التونة كلها، الغريب إني شوفت نظرة امتنان غريبة في عنيها، كأنها إنسان مش مجرد قطة..
يومين بالظبط وصحتها رجعت من تاني ورجعتها الشارع، بس يوم بعد يوم دماغي بقت تفكر في أول الشهر الجديد، هعمل ايه وأجيب العلاج ازاي ومنين، انا قبضي كله تلت الاف جنيه، الف مواصلات وأكل، والف مصاريف البيت، كدا هوفر الف واحد بس، وأمي محتاجة علاج طويل، طويل أوي..
وبدأت الأيام تجري بطريقة مخيفة لحد ما وصلت ليوم ١٥ في الشهر، واتكرر نفس الموضوع وانا راجع من الشغل، نفس العيلين رابطين قطة تانية وبيلعبوا بيها ويعذبوها، ورغم تعبي وإرهاقي برضه خلصتها منهم وهددتهم لحد ما خافوا ووعدوني انهم مش هيعملوا كدا تاني، اشتريت التونة وخدتها على البيت، عناية تلت أيام وخرجت للشارع مبسوطة من تاني..
وعدت الأيام لحد ما بدأ آخر الشهر يجي، كان باقي عليه ٤ أيام بس، وكان الهم زاد بطريقة صعبة، لأني طلبت من ناس كتير يسلفوني، بس محدش منهم وقف معايا، كل الناس ظروفها صعبة للأسف، طلبت سُلفة من الشغل اترفضت، كل حاجة حرفيا واقفة بطريقة عجيبة..
في اليوم ده كنت راجع من الشغل وهموم الدنيا على كِتفي، وعديت من قدام نفس البيت المهجور، بس المكان كان فاضي تماما، مفيش عيال بتلعب، والمحلات كلها قفلت، وقبل ما أعدي من قدامه سمعت مواء عالي أوي، بس مواء فيه ألم، وكأن القطة بتستغيث أو بتطلب المُساعدة، حاولت بكل الطُرق أكبر دماغي انا هموت من التعب، بس ضميري للأسف، هعمل ايه في ضميري..
نورت فلاش الموبايل ودخلت للبيت المهجور أشوف القطة دي تطلع مين وهقدر أساعدها ازاي، البيت كان قديم اوي من جوة وريحته غريبة، كأنك داخل كهف مهجور، والغريب إني مشيت في طُرقة البيت كتير، كنت ماشي في طُرقة طويلة مبتخلصش، كأن البيت ضخم اوي وده استحالة لأن البيت صغير في الأساس، وقتها كان صوت المواء عالي أوي وجاي من اوضة قريبة، دخلت الاوضة وكانت الصدمة، لقيت نفسي في مكان واسع اوي وكأني اتنقلت بالزمن، وفيه مقبرة ضخمة في النص وجمبها قط، قط اسود وضخم اوي وكأنه حصان مش قط، شعر جسمي كله وقف أول ما شوفت عنيه وأنيابه، بصيت ورايا ملقتش الباب، وكأني اتنقلت لمكان تاني خالص..
والأسوأ ان القط بدأ يتقدم ويقرب ناحيتي، وفي عنيه شوفت نظرة شر، شر كبير أوي، وكأنه بيقولي إني مش هخرج من هنا حي، لحظة واتفتح باب القبر، وسمعت وشوشة في وداني بتقول:
– يالا عشان تدخل مكانك
وقتها وصلت لأعتى مراحل الرعب، ولسة القُط بيقرب ونظرة الشر جوة عنيه، وبدون ما اقدر اتحرك ولو خطوة واحدة بس فوجئت بيه بيهجم عليا، ووقعت من طولي، وكأن جسمي كله اتشل، بس وعيي كان حاضر، شوفته بيشدني بقوة ناحية القبر، وكأنه عايز يدفني جوة، وانا صفر مقاومة، فقدت القدرة تماما على جسمي كله، واتأكدت اني هموت لسبب انا معرفوش، وبدأ يظهر باب القبر قدام عنيا، وشوفت ظلام دامس، ظلام هفضل فيه ليوم البعث، وقبل ما افقد وعيي في اللحظة دي سمعت صوت صياح رهيب، وكأن فيه خناقة كبيرة قامت قدام باي القبر، وفقدت الوعي من الرعب والفزع..
فضلت فاقد الوعي كتير، وأول ما فقت لقتني مرمي جوة اوضة صغيرة في البيت المهجور، وجمب مني قطة بيضا صغيرة اوي، وعنيها واسعة وزرقا ونظرتها عاملة زي السحر، لدرجة اني قمت مبهور ونسيت رعبي وكل اللي حصلي، بدأت تتمسح فيا وتبص في عنيا بتركيز شديد، ومقدرتش اسيبها، مقدرتش إطلاقا وخدتها معايا، بس الغريب إنها كانت خفيفة وكأنها من القطن، مالهاش أي وزن..
خدتها على البيت وجبتلها أكل ونامت جمب السرير، مكانتش بتعمل أي شغب، تاكل وتشرب وتتمسح في رجلي وكأنها ملاك من عالم تاني، وجه يوم القبض، واتصلت بكل معارفي تاني عشان حد يسلفني، بس مفيش، مفيش أي سلف..
وقعدت على السرير مغموم، حطيت ايدي على راسي ومكنتش بنطق، حاولت القطة تتمسح بيا بصتلها بعيون كلها دموع ومنطقتش بنص كلمة، بس بدأت عنيها كأنها بتسحبني، أو بتخدرني، ولقيت دماغي بتتقل ووقعت على السرير ونمت، نمت تماما..
معرفش ليه صحيت في نص الليل تقريبا، صحيت مرة واحدة، القطة مكانتش موجودة، روحت أطمن على أمي ومسافة ما فتحت الباب لقيت القطة واقفة على باب اوضة أمي، واقفة زي البشر على رجلين، قربت منها وبصيت على سرير أمي وشهقت..
كان فيه حوالي ست أفراد، او ست كائنات لابسين لبس أزرق وعندهم قرون وعيونهم مشقوقة بالطول، في اللحظة دي القطة عضتني من رجلي عشان أقع في الأرض وأحس ان جسمي كله اتخدر، وقعدت أراقب اللي بيحصل وانا لساني مشلول وجسمي متخدر، كانوا بيطحنوا اعشاب ويدهنوا بيها منطقة الصدر والبطن، وجابوا سائل شربوه لأمي وهي نايمة، وبعدها مسكوا أدوات غريبة وبدأوا يغرزوها في جلدها، بس الغريب ان مفيش نقطة دم واحدة نزلت، ووقعت في غيبوبة من تاني..
صحيت لقيت أمي بتفوقني، كنت نايم قدام باب اوضتها، بصتلها وصرخت، انتي بتمشي ازاي وبتتحركي، لقتها بتقول انها صحيت لقت كل الألم راح وبتتحرك كأنها صغرت عشرين سنة، سجدت وانا بصرخ من الفرح وبكيت في حضنها كتير اوي، جرينا على المستشفى نكشف والدكتور قال ان كل حاجة سليمة تماما..
قلبت بعدها البيت كله عن القطة بس كانت اختفت، روحت البيت اياه، وفي الشارع، وفي كل حتة، بس مكانتش موجودة، حزنت على فراقها حُزن السنين للأسف، لحد ما بعد يومين شوفت بنت لابسة تاج وعنيها زرقا وفي قمة الجمال، كانت مبتسمة وباركتلي شفاء أمي، اتوسلت ليها تفهمني لأني مش فاهم حاجة..
قالتلي انها بنت ملك من ملوك الجن، شافتني بالصدفة البحتة برحم قطة من ايدين الاطفال وانها كانت العيون اللي بصتلي من البيت يومها، وسابت عليا حارس كهدية منها، ولما دخلت البيت كان فيه جن مؤذي بيحاول يأذيني وقتها ووهمني بالقبر والظلام وكان هيحصلي مس لو وقعت في القبر، والحارس بلغها وهي لحقتني وقتها منه، ولما شافتني كمان رحيم معاها جت تشوف حياتي، واتفاجئت بمرض أمي فكلمت أبوها وجه وفد من أطباء الجن عالجوها لوجه الله وبأمر الله، قالت الكلام ده ومشيت..
ولما صحيت بكيت كتير أوي، وعرفت ان لما ربنا يزرع في قلبك الرحمة دي نعمة عظيمة، وحتما ربنا هيكافئك عليها، مهما شوفت أذى هتلاقي ربنا بيسخرلك الدنيا كلها، لأن ربنا بيحب العبد الرحيم، وبيرحمهم، وبيدخلهم الجنة، وعرفت ان من أعظم نعم ربنا عليا انه خلاني رحيم بمخلوقاته حتى لو بتأذي من الناس فانا هفضل رحيم بالناس لحد ما أموت..

 

تابعونا علي صفحة الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى