قصص

الــتربى الــرمــادى…..الــتربى الــرمــادى

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

بقالي كام يوم بلاحظ إن فيه آثار أقدام وحضور في المقابر بالليل، ودي حاجة سهلة جدًا وأقدر ألاحظها بصفتي التُربي والمسؤول عن تأمين المقابر من سنين طويلة، بل وأقدر أقول بكل صراحة إني بعرف أفرق بين صوت الأموات اللي بسمعه بالليل وبين صوت الأحياء، فيه فرق شاسع وإللي عاشر الأموات والأحياء هيقدر يلاحظه، وصوت الأموات هنا كناية عن سُكان المقابر من الجِن مش الأموات نفسهم، لأن الأموات في عالم تاني اسمه عالم البرزخ..
بس رغم إحساسي بحضور الناس بالليل وآثار الأقدام اللي كنت بلاحظها إلا إن مكنش في ايدي أي دليل أقدر أقدمه للناس، وكان لازم دليل قوي وملموس عشان ناخد أي إجراء، لأن مكان زي ده بيعتبر كنز لناس كتير منهم دجالين وسحرة وتُجار بشر، لحد ما في يوم وأنا بتجول كالعادة لقيت قبر من المقابر بابه الصغير مفتوح، جسمي كله اترعش وخوفت يكون جسم الميت اللي جوة اتسرق، بس الميت كان في مكانه..
اتصلت بسرعة بأهل الميت وبلغتهم باللي حصل والناس حضروا وفضلنا نفتش عن أي دليل، أو عن السبب اللي يخلي حد يعمل الموضوع ده لكن موصلناش لأي حاجة، وفي النهاية جابوا قِفل كمبيوتر كبير وقفلوا بيه باب القبر والموضوع انتهى وحاولوا يتكتموا على الخبر، بس الغريب إن تاني يوم لقيت نفس القبر مفتوح والقِفل مش موجود مكانه، بس الميت كان مكانه والأكفان زي ما هي جوة القبر، واتصلت من تاني بأهل الميت وبدأ القلق يزيد بين الناس بل والموضوع ينتشر إن فيه حد بيدخل مقابر البلد بالليل من غير عِلمهم وإنه ناوي شر بأهل البلد..
في النهاية ولما الموضوع اتكرر أكتر من مرة قرر أهل البلد إنهم يعينوا حد معايا للحِراسة وفي نفس الوقت يدفعوله من معاهم وزودونا بالسلاح كمان، وكمان اتقالت تحذيرات للناس إن محدش يقرب من المقابر بالليل أبدًا لأنه هيكون مشتبه فيه، وإن ممكن الحُراس يتعاملوا معاه بالسلاح، وكل راجل حذر ولاده حتى إنهم يعدوا من المكان ده بالليل..
ومشيت الأمور بصورة طبيعية جدًا، كنت بسهر مع الحارس التاني إللي كنت أعرفه معرفة سطحية ونشرب الشاي طول الليل لحد الصبح، وفضل الموضوع مكمل لمدة شهر تقريبًا، لحد ما في يوم سمعنا صوت وقرر إنه يروح ويشوف أيه إللي بيحصل، ولما راح اتأخر عليا فقررت أشوفه ولقيته مقتول قدام قبر من المقابر وراسه بتنزل دم بكمية كبيرة أوي، بلغت أهل البلد والدنيا اتقلبت والشرطة جت وبدأت التحقيقات بس للأسف محدش وصل لأي دليل، ولما قرروا يعينوا حارس معايا عدد كبير من الناس خاف، فبلغتهم إني هكمل لوحدي ومحدش يقلق خالص وأنا هتعامل مع أي دخيل ممكن يدخل للمقابر..
وفعلًا مشيت الأمور بصورة طبيعية لمدة تلت أيام وكانت الأمور كلها هادية تمامًا، لحد ما في يوم وأنا قاعد بشرب شاي لقيت حجر صغير بيتحدف عليا من ناحية المقابر المظلمة، جسمي كله اتنفض وقمت مكاني ومسكت السلاح، فضلت أنادي وأحذر بس مكنش فيه أي رد فِعل غير الحجارة اللي كانت بتتحدف عليا وبس، استعذت بالله من الشيطان الرجيم ودخلت للمقابر، ولعت الكشاف وبدأت أتجول وأفتش عن الدخيل، وفضلت أفتش هنا وهناك بدون أي نتيجة لحد ما في النهاية لمحته، كان واقف مستخبي ومديني ضهره ومش شايفني، وقررت إني منتظرش لحظة واحدة، ده حرامي ويستحق، ومش هعرف أمسكه غير لو اتصاب أو قتلته..
وفعلًا ضربته بالنار، وتوقعت إنه هيقع في الأرض أو هيتألم رغم إن الرصاصة جت فيه، لكنه بص ناحيتي وعلى ضوء الكشاف لقيته مبتسم والدم مغرق راسه ووشه، كان المساعد اللي اتقتل قدام القبر من فترة بسيطة وإللي كان بيساعدني في حراسة المقابر، رجعت بهدوء وأنا حاسس إن قلبي هيخرج من مكانه، لقيته بيضحك وبيقولي (حلوة الخِدعة إللي أنت عملتها، بس لو اتعملت على الإنس استحالة تتعمل علينا أحنا)..
وقتها بس شعري شاب من كلامه، وجريت زي المجنون في قلب المقابر، بس كل ما كنت بجري بلاقيه واقف قدامي سادد عليا الحارة، أحاول أخرج من حارة تانية ألاقيه برضه واقف قدامي، وكأنه بيستدرجني لمكان معين، لحد ما اتفاجئت إني قدام القبر اللي بابه كان بيتفتح، وقبل ما استوعب اللي حصل لقيته قدامي وبيزقني ناحية القبر، وفجأة لقيت نفسي جوة القبر والباب بيتقفل، وآخر جملة سمعتها منه (نهايتك يا حارس الأموات)..
الناس وصلوا في الوقت ده للمقابر بسبب صوت الرصاص، سمعوني بصرخ بجنون جوة القبر، ولما فتحوه لقوني جوة، شعري أبيض وجسمي منكمش كله، خرجوني من القبر وأنا عمال اتنفض وبتكلم وكأني بكلم نفسي..
أنا كنت بشتغل مع ساحر بأجر كبير، باخد الأعمال ادفنها في المقابر، لحد ما شاب من البلد شافني وخفت إنه يحكي للناس، فعملت خدعة فتح الأبواب دي عشان لو حكى أقول إنه مش أنا وأكيد شاف حد تاني، لأن الوقت يومها كان ليل، وطلعت الإشاعة والناس صدقوا إن حد بيدخل المقابر غيري وعينوا معايا حارس تاني، كنت بسيبه يشرب الشاي وأكمل دفن الأعمال يوميًا لحد ما شافني وكان هيفضحني لولا إني قتلته يومها قدام القبر وبلغت أهل البلد إن حد قتله..
عديت من الموضوع ومحدش اكتشف أي حاجة، بس مكنتش أعرف إني نهايتي هتكون بالطريقة دي، على ايد قرينه ويمكن حاجة مش مفهومة، كنت بحكي وبتكلم والناس مذهولين من إللي بقوله، ولما انتهيت من الحكي سلموني للشرطة، بس أنا واثق إني مش هلحق اتعدم، فيه حاجة بتلاحقني وهي اللي هتعدمني، فيه حاجة بتزورني كل يوم وأنا مش قادر أهرب منها..
التُربي مات مُنتــ ــحر في الزنزانة قبل إعدامه بشهر ومحدش عارف السبب حتى يومنا هذا، إللي يلعب بالنار هيتحرق بيها، حتمًا ولابد..
…………

تابعونا على  صفحتنا الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى