فيه بنت وصلت المستشفى اللي أنا شغال فيها من شوية وكانت حالتها صعبة جدًا، البنت عملت حادثة وتقريبًا نجت من الموت بمعجزة كبيرة، واتعملها 3 عمليات في بعض لمدة 6 ساعات لحد ما خرجت من العمليات والدكاترة طمنوا أبوها وأمها إنها هتكون كويسة بس محتاجة من 3 أسابيع لشهر ونص تحت الملاحظة في المستشفى لأن الموضوع مكنش سهل أبدًا، وفعلا بلغوني بالحالة وخدت التقرير بتاعها بما إني المُمرض المسؤول عن الدور..
بدأت افتش في العنابر لحد ما دخلتها أوضة فاضية فيها تلت سراير ومكنش فيها حد، لقيت أمها ست منتقبة وأبوها راجل ملتحي وناس شكلهم محترمين فقررت أدخلهم مكان مخصوص عشان محدش يجرحهم، وكمان الحالة صعبة ومحتاجة مكان لوحدها..
وبعد ما وصاني أبوها عليها مشي وأمها فضلت معاها مُرافقة في الغرفة، وعلى الساعة 12 بالليل خدت بطانية من البطاطين وروحت اديتها لوالدتها واطمنت على البنت وعلقتلها المحاليل الليلية وخرجت أتمشى في الدور شوية، ورغم إن الدور بالليل بيكون صامت بطريقة غريبة والإضاءة بتاعته مخيفة إلا إني كنت بعشق الليل عشان أتمشى في الجو ده، بل كنت بتعمد أقلل الإضاءة خالص عشان أسرح مع نفسي، أفتكر حاجات كتير في حياتي خلتني أتغير للأبد تقريبًا..
ووسط الصمت والتفكير ده بدأت أسمع صوت أنين خفيف أوي جاي من مكان في الدور، أمر طبيعي وبيحصل كتير، بس صوت الأنين ده كان مختلف، مختلف بطريقة غريبة، لدرجة إني مشيت لحد ما وصلت لحمامات الدور، الباب مقفول وفيه صوت حد بيتألم جوة، وقفت شوية وأنا متردد لحد ما فعلًا اتفتح الباب، كانت إضاءة الحمام ضعيفة أوي ومقدرتش أشوف غير بنت خرجت من الحمام وغسلت ايديها على حوض المية وبعدها خرجت من قدامي وهي باصة في الأرض وكأنها خجولة أو متوترة..
وقفت أراقبها في صمت لحد ما وصلت لآخر الدور ودخلت الأوضة بتاعت البنت اللي عملت الحادثة انهاردة، استغربت جدًا لأني عارف إن أمها بس اللي معاها، وممنوع أكتر من مرافق، دخلت وراها بحِجة إني بتابع حالة البنت عشان أشوف مين دي وكانت المفاجأة، أمها قاعدة بتقرأ قرآن على السرير التاني والبنت المريضة مبتتحركش في مكانها، بصيت يمين وشمال الأوضة فاضية خالص، أنا اتجننت ولا ايه، سألت أمها إن كان فيه حد دخل من شوية قالتلي لا، ولفت نظري حاجة غريبة أوي..
البنت المريضة عاملة شعرها على شكل فيونكة، نفس الشكل اللي شوفته في شعر البنت لما خرجت قدامي، قربت منها وركزت شوية، نفس الهيئة والشكل والشعر، يعني هي قامت ودخلت الحمام، دي البنت رجليها مفرومة تحت العربية تقريبًا، يعني استحالة تحركها بس قبل شهر من دلوقتي..
خرجت من الأوضة وأنا هتجنن، ومن كتر التفكير قررت أدخل أوضة التمريض وأنام شوية عشان أقدر أتابع بكرة، بشتغل بالخمس أيام متواصلة ولازم أبقا فايق، وفعلًا دخلت الأوضة ونمت، وحسيت وأنا نايم إن باب الأوضة بيتفتح بهدوء تام، بس النوم كان كاتم عليا ومقدرتش أفتح عيني..
وبعد لحظات حسيت بحد بيحسس على راسي بهدوء تام، كان إحساس غريب ورغم ده كنت حاسس بسكينة وجسمي كله مسترخي، وأول ما فتحت عيني شوفتها، البنت اللي عملت الحادثة، كانت راسي على رجليها وبتمشط شعري بايديها وكأنها أمي، عنيها كان لونها أبيض زي التلج، وكانت مبتسمة، لدرجة إني اتشليت مكاني ومقدرتش أتحرك من مكاني ولا أهمس بنص كلمة..
فضلت أبص في العيون البيضا دي وهي بتمشط شعري، لحد ما في النهاية شالت راسي وحطتها بهدوء على السرير وغطتني بهدوء كامل وخرجت وقفلت الباب، ومعرفش ازاي نمت بعد الموقف المرعب ده..
ورغم كل اللي حصل ده قمت تاني يوم مبسوط، مبسوط وحاسس إني نمت نوم عميق جدًا، لدرجة إني كنت مبتسم وعمال أضحك واهزر مع كل الناس، وصيت على فطار محترم للست وبنتها واهتميت بالبنت اهتمام كامل، كانت لسة مبتتكلمش وفي حالة صمت كامل من مفعول العملية، ولما أمها خرجت تصلي قعدت جمبها أراقبها في صمت، عايز أقولها واسألها هي ازاي بتقوم وتيجي لحد عندي، استحالة يكون اللي شوفته ده وهم..
وعلى المغرب قررت أتابع حالتها مرة تانية وقررت أدخل استريح شوية ووصيت الممرضة اللي معايا تهتم شوية لحد ما أصحا، وبعد نص ساعة اتفتح الباب وشوفتها، نفس البنت، شايلة صينية عليها أكل، حطيتها جمب السرير وقعدت جمبي، هزتني هزة خفيفة لحد ما صحيت وقامت من جمبي وخرجت، فقت من النوم لقيت صينية عليها أكل، ناديت على الممرضة وسألتها إن كانت هي اللي جابت الأكل ده، بس قالتلي مش هي اللي جابته..
ورغم ده كلت، وشربت العصير، لأني كنت جعان جدًا ومعرفش ازاي هي عرفت إني جعان بالطريقة دي، وفضلت على الحال ده تلت أسابيع، لو نمت مش متغطي تيجي تغطيني، لو نمت جعان تجبلي الأكل، وكانت بتهتم بيا اهتمام غير طبيعي، لحد ما جه الدكتور وقالي إن حالة البنت بقت كويسة جدًا وغالبًا هتخرج بعد يومين..
وقتها حسيت وكأنه ضربني بخنجر في صدري، لا استحالة اسبها تمشي، استحالة، وفضلت في حالة اكتئاب وخوف رهيب، أنا مش عايزها تمشي، عايزها تفضل معايا، عشان كدا فكرت في فكرة مجنونة، هسحب منها دم كتير، هيجلها أنيميا، وهتقعد أكتر في المستشفى، وفعلًا سحبت منها دم لحد ما الأنيميا زادت عندها، وجه الدكتور الصبح واستغرب جدًا وقرر تقعد تلت أيام لحد ما الأنيميا تتظبط، وعملت الموضوع ده مرة واتنين وتلاتة، كنت ببكي زي العيل الصغير في الأوضة، مش عايزها تمشي، لو مشيت ممكن أموت..
لحد ما الممرضة اللي معايا لاحظت، وحكت للدكتور إني بسحب دم كتير منها بدون أي داعي وإني السبب في إن البنت مبتتعافاش، وجه الدكتور مسكني وأنا بسحب دم، وزعق معايا وقالي إني عايز أموت البنت وباخد دم كتير منها بدون أي داعي، وقتها كانت أمها واقفة وسمعتني، صرخت من اللي سمعته واتصلت بجوزها وهي بتبكي وقالتله
(تعالى بسرعة عايزين يموتوا بنتي)..
ووقفت قدام الدكتور اللي هزقني وقالي إنه هيبلغ الشرطة عني، وسابني ومشي، وأم البنت مسكت فيا وفضلت تصرخ وتضرب فيا ولولا طقم التمريض كانت قطعتلي وشي، ومفيش دقايق وجه جوزها ومسكني وعنيه بتطق شرار، سألني وهو ماسك نفسه عن سبب اللي بعمله..
و
و
وانهرت من البكاء، قعدت في الأرض زي العيل الصغير وفضلت أبكي وأبكي وأبكي، كانت فيه شلالات دموع بتنزل من عيني لدرجة إن البنت المريضة فاقت وطلبت من أبوها يهدى شوية وطبطبت عليا، وقتها بس ممرضة قديمة معانا وشوشت الراجل في ودنه شوية ونظرته اتغيرت بالكامل ولقيته بيحضني، كنت عامل زي العيل الصغير، وغصب عني كان لازم أفتكر..
بنتي (فاطمة) اللي ماتت قدام عنيا، بنتي اللي فرمتها العربية ودمها غرقني، يومها جريت بيها على المستشفى هنا، ودخلت نفس الأوضة، كنت سهران تحت رجليها بالأيام لحد ما ماتت، طاقم الدكاترة كله عجز ينقذها، بنتي اللي كانت أغلى حاجة في حياتي، وأمها سابتني واتطلقت بعدها بأيام، وعشت زي الميت 6 شهور، لحد ما رجعت المستشفى تاني، كنت بقدر الإمكان بقفل الأوضة دي..
لحد ما جت البنت دي، في عمر بنتي، وشبهها أوي، وجاية في حادثة مشابهة ليها أوي، عشان كدا دخلتها الأوضة دي، كنت بكرر تجربتي مع بنتي، وكنت المرة دي عايز أنقذها، وبعد فتح الأوضة بقت بنتي بتظهر، هي اللي كنت بشوفها، وعرفت إن طول ما البنت دي هنا والأوضة مفتوحة بنتي هتزورني وهشوفها، ولو البنت خرجت وقفلت الأوضة مش هشوف بنتي تاني، عشان كدا كنت بعمل اللي بعمله ده..
وقتها جه أمين الشرطة، بس أبوها قاله مفيش حاجة وأنا مسامح وفهمه كل حاجة، ولقيت البنت الصغيرة بتحضني وبتطبطب عليا أوي، حتى أبوها طبطب عليا كتير لحد ما هديت.
خدني على جمب وبدأ يتكلم، قالي إننا لازم نتفهم معنى قدر الله، ولازم نشكره على كل حاجة بتحصل حتى لو كانت صعبة ومش مفهومة، حكالي قصة الراجل اللي أولاده ماتوا وشافهم في الحلم بيسندوه على الصراط لحد الجنة، قالي إن بنتي سبقتني للجنة لحد ما الحقها ولازم أصبر وأحتسب عشان أروحلها الجنة، فضل يوعظني لحد ما بكيت بكاء أكتر من يوم موتها، قالي إن ربنا بيعوض وبيجبر العبد لو صبر، وحكالي إنه خلف بنت قبل دي وماتت، ومراته أجهضت تلت مرات ولكنه ميأسش من رحمة الله لحد ما خلف دي، ولما عملت الحادثة استودعها الله وربنا نجاها، وإني لو صبرت ربنا هيعوضني..
بوست على راسه عشان يسامحني وتابعت البنت يومين بعدها لحد ما اتحسنت وخرجت، وبعد كام شهر لقيتها بتزورني هي وأبوها وجايبين ليا هدية، وبعد تلت سنين من الحكاية دي كان ربنا كرمني بزوجة أجمل من مراتي الأولى ألف مرة وخلفت منها بنت، وقتها عرفت إن ربنا فعلًا بيعوض العبد لو صبر، مهما كانت حجم المصيبة هيعوضك، هو اللي نزل البلاء وهو اللي بيرفعه، أنت ملكش دعوة، أنت تصبر بس وتشكره، لأنه الرحمن الرحيم.
(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) سورة الزمر
تابعونا على صفحتنا على الفيس بوك