ثقافة وفنقصص

قصة قصيرة “لطف الله وحفظه” الكاتبة حنان محمد بعرور.

كتبت/حنان محمد بعرور

 

في عمارة شاهقة في القاهرة،

كانت تعيش ابنتي أمال مع حفيدي يونس، البالغ من العمر سنتين ونصف، نظرًا لسفر زوجها للعمل خارج البلاد. كانت حياتهم هادئة ومستقرة، مثل عش هادئ في صحراء واسعة. لكن في يوم من الأيام، تغير كل شيء.

 

جلب أصحاب العمارة رجلًا سيئًا ليعمل بوابًا، وكان هذا الرجل يسيء إلى سكان العمارة بطرق مختلفة. كان يسهر الليل في الغرفة تحت السلم، مع أصحاب السوء، يشربون الحشيش وأنواعه المختلفة. اشتكى السكان مرارًا وتكرارًا، لكن لم يتخذ أصحاب العمارة أي إجراء.

في أحد الأيام، حاول هذا الرجل التحرش بإحدى الساكنات، فثار السكان وطردوه من العمارة على الفور. لكنه لم يكتفِ بذلك، بل قرر الانتقام. وفي الظهيرة، كان الجو حارًا والشمس محرقة، بعد أن تأكد من خروج الأزواج إلى أعمالهم، ولا يوجد في العمارة غير النساء والأطفال، أشعل النيران أسفل العمارة، ومن فوقها على السطح، حاصرهم بالنيران الملتهبة.

جعلني هذا عندما سمعته، اتذكر مدرسة دير ياسين، جبروت الصهاينة وما يفعلوه إلى الآن وحتى هذا اليوم، بالأطفال والنساء وكل الناس جميعًا بفلسطين.

بدأ الدخان يتصاعد، والنيران تشتعل أكثر، مثل نيران الجحيم.

داخل العمارة من الأسفل مواتير المياه البالغة حوالي العشرين، التي ساحت من النيران هي ومواسير الصرف الصحي وبعض سلوك الكهرباء، كما أشعل النيران أسفل الأسانسير العالق الذي احترق هو أيضًا وضربت به الكهرباء.

هرعت ابنتي مع يونس وجيرانها للنزول من السلم. كان يونس يبكي ويصرخ، وهو لا يفهم ما يحدث. هو وأطفال العمارة وأطفال جارتها الثلاثة التي كانت أصغرهم تتعدى السنة تقريبًا، كانت ابنتي تحمل يونس وتحاول تهدئته، وهي خائفة أيضًا من أن يكون هو الموت المحتوم بهذه الطريقة البشعة. ابنة الجيران التي تبلغ من العمر ست سنوات، كانت تحدث والدتها وهي تبكي، بأنهم سيذهبون جميعًا اليوم إلى الله.

بدأوا النزول على السلم، والدخان يتصاعد حولهم، مثل جحيم يلاحقهم. كانوا يتنفسون بصعوبة، يختنقون من الدخان، كما كانت تحجب عنهم الرؤية. ولا تأثر فيها كشافات التليفونات، كلما نزلوا درجة كانت النيران والدخان يقتربان أكثر، كان الموت يلاحقهم. الأطفال يصرخون ويبكون، يحاولون التنفس ببطء بعد أن غسلهم التعرق وأجسادهم المتراخية التي تشارف على الإغماء.

كانت ابنتي تشعر بالخوف والرعب، وتسعى جاهدة لحماية يونس ومن معها من أطفال، من النيران والدخان. كانت كل درجة ينزلونها، تجعلهم أقرب إلى الموت، وأبعد عن الحياة. يستقبلهم تزايد سخونة النيران والرائحة وسواد الدخان، كثعبان يلتف حول الرقاب ليضيق عليها الخناق، ومنعها من التنفس شيئًا فشيئًا، حتى تأتي لحظة غرس السم وغروب العين، وفراق الحياة.

الخوف يملأ قلوبهم. ولكن برغم كل ما يشعرون به، لكنهم لم ييأسوا، بل استمرّوا في النزول، تزحف أقدامهم على السلم، وتشد أياديهم الأبناء بكل عزم وقوة رغم كل الصعوبات، حتى وصلوا أخيرًا إلى باب العمارة، خرجوا إلى الشارع خروج الموت إلى الحياة. يتناثرون على الأرض، يحاولون إنعاش قلوبهم بشم أكبر قدر من الأكسجين.

وصلت عربات المطافي والإسعاف والبوليس. انتظرت أمال ويونس والنساء والأطفال جميعًا في الشارع لمدة ساعتين، و الغبرة السوداء تغطي وجوههم وأيديهم وأرجلهم وملابسهم.

وصل ازواج النساء يهرعون عندما علموا بما حدث، للأطمئنان علي زوجاتهم وأطفالهم، تم ذهبوا مع البوليس إلي قسم الشرطة ليقاضوا الجناه البواب وأصحاب العمارة، ورجعوا ليأخذ كل منهم أسرته، ويتوجهون إلي قريب أو معرفة لقضاء بعض الأيام، والعودة بعد أصلاح الأضرار والقبض علي الجاني.

ذهبت أمال إلي بيت أهل زوجها،الذين رحبوا بها ووقفوا بجانبها،

كانت حالة يونس النفسية سيئة للغاية، أصبح في يوم وليلة يخاف من الأماكن والشبابيك المغلقة، يخاف أن يختنق مجددًا. كما أصبح عصبي يصيح علي والدته، ورغم كل هذا، الحمد لله الذي لطف بهم وحفظهم و حماهم جميعًا، وخرجوا دون أن يمسهم شيء من حطام العمارة وحريقها.

وأنا الآن في انتظار ابنتي وحفيدي، يأتوا لي للاطمئنان عليهم، ويطمئن قلبي برؤيتهم.

تابعونا على فيس بوك

https://www.facebook.com/share/16rZ6954AL/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى