قصص

أجــراس الـــقبـــور….أجــراس الـــقبـــور

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

عندنا في البلد أكتر من حالة اتدفنوا وهما صاحيين، ولما الناس فتحوا القبور مرة تانية اكتشفوا إن الجُــ ــثث متحركة من مكانها، وده معناه إن الشخص صحي بعد ما اتدفن ومات مرة تانية، وبغض النظر عن الفكرة لأنها بتقشعر جسمي كل ما أفكر فيها إلا إن أهل البلد قرروا يعملوا حاجة غريبة أوي، كل واحد ركب جرس على باب القبر وخلى الزرار بتاعه من جوة، بحيث لو لا قدر الله حد اتدفن صاحي وصحي لقى نفسه مدفون يتحرر من الكفن اللي اتفقوا ميتربطش ويخلي الميت حُر ويتحرك ناحية الحيطة في الضلمة ويتحسس باب القبر من جوة لحد ما يوصل للزرار، وهنا أي حد هيسمع الصوت من الأهالي حولين منطقة المقابر هيبلغ الناس ويفتحوله..
وفعلًا كل الناس بلا استثناء نفذوا الموضوع واتكفل أكتر من كهربائي بالموضوع وخلال أسبوع واحد كانت كل المقابر بأجراس، وكلها كانت شغالة..
وهديت الأمور نوعًا ما لحد ما حصلت الوفاة الأكبر في البلد، دكتور الوحدة الصحية جتله أزمة قلبية ومات، والدنيا اتقلبت يومها لأنه شخصية مهمة في البلد لكن في النهاية كان لازم يتدفن زيه زي غيره، وناس كتير فرحوا من جواهم في جنازته وقالوا إن إهماله الفترة اللي فاتت في شغله كان السبب إن الناس يتدفنوا صاحيين، وإنه يستحق الموتة دي بل واتحسبنوا عليه كمان، واتدفن الدكتور في جنازة كبيرة أوي والدنيا هديت تمامًا، ليلتها سرحت أوي وفضلت أفكر جامد، هل فعلًا الدكتور كان مُهمل وكان السبب في دفن الناس أحياء، احتمال وارد جدًا لأسباب كتير، منها إن مفيش ميت إلا وبيتعرض على الدكتور وهو اللي بيأكد وفاته وبيطلع تصريح الدفن، ووسط تفكيري وقعدتي على السطح اللي كان بيطل على المقابر سمعت صوت خلى قلبي يقف في مكانه..
صوت جرس جاي من قلب المقابر، يعني ببساطة فيه حد اتدفن صاحي وبيستغيث، ولأن المكان مُظلم تمامًا ولأن الجرس على باب القبر بينور بلون أحمر ضعيف قدرت أفهم إن ده قبر الدكتور علي اللي اتدفن انهاردة، ولأني كنت براقب الجنازة يومها وعارفة إن ده القبر اللي اتدفن فيه، فضلت مكاني عاملة زي المشلولة، أنا ممكن أعمل ايه، غير حالة الرعب الكبيرة اللي كنت حاسة بيها ومش قادرة اتحكم في نفسي..
نزلت لقيت أمي نايمة وفي دنيا تانية، وخفت أصحيها لأنها مريضة وممكن يجرالها حاجة، وملقتش قدامي غير عم (حسَّان) الراجل الجدع اللي جالي يوم موت أبويا وقال بالنص (اوعى في يوم تحتاجوا حاجة وتروحي لحد غيري، أنا زي أبوكي بالظبط) لبست هدومي وخرجت من البيت وخبطت عليه، فتحلي الباب وهو مخضوض لأن الجو كان متأخر، وأول ما شافني حس بالقلق وقالي:
– خير يا مريم يا بنتي أمك حصلها حاجة..
– لا أمي بخير يا عم حسان بس بس …
– خير يا بنتي قلقتيني..
– الجرس بيرن في المقابر يا عم حسان..
الراجل في البداية مستوعبش الكلمة من الأساس لحد ما شرحتله الموضوع كله، وفورًا دخل يجري صحى ابنه أحمد وخبط على بيت أخوه وصحاه وقرروا يدخلوا يشوفوا قبر الدكتور فعلًا، طلبت منه أدخل معاهم لأني متوترة وقلقانة أوي، كلهم اعترضوا إلا هو وقال (تعالي يا بنتي زي ما تحبي أنا أبوكي)..
ودخلت معاهم للمقابر ووقفنا قدام قبر الدكتور، صمت تام، خبطنا على الباب ونادى عم حسان وقال (يا دكتور أنت صاحي) بس مفيش أي رد، رعب ما بعده رعب، تخيل بتخبط على ميت وبتكلمه، وبدون تفكير جابوا مطرقة وكسروا القِفل وفتحوا القبر بعد ما بعتوا لأخوات الدكتور اللي حضروا فورًا، وقدام عنيا كانت الجثة مكانها، مفيش آثار على الرملة بتاعت القبر، الجثة مستكينة تمامًا، كلهم بصوا ناحيتي وحسيت برعب ما بعده رعب..
أخوات الدكتور كانوا هياكلوني بس عم حسان مشاهم وقفل القبر ومخلاش حد يضايقني بكلمة واحدة، وقالي يمكن كنت بتخيل الموضوع، ولأن مفيش نص دليل سكت خالص ومتكلمتش، ورجعت البيت وأنا حاسة بإحراج هعيش فيه العُمر كله.
وفضلت محبوسة في أوضتي طول اليوم ببكي وحزينة من الموقف، لحد ما جه الليل، وعلى الساعة 12 بدأ صوت الجرس يرن من تاني، طلعت جري على سطح البيت وشوفت نفس النور، وسمعت نفس الصوت، الجرس بتاع القبر بيرن، وهو نفسه قبر الدكتور أنا عارفاه كويس، وفضلت مرعوبة وبترعش ومش عارفة أنا ممكن أعمل ايه، ومينفعش أكرر اللي عملته المرة اللي فاتت، إلا بقا لو اتأكدت تمامًا وبعدها اتكلمت..
وزي المجنونة لبست هدومي ونزلت للمقابر بالليل، الشارع ساكت تمامًا ومفيش أي شخص في المكان، سامعة صوت الجرس وشايفة النور الأحمر، طلعت موبايلي وصورت فيديو عشان يكون دليل وقربت ناحية القبر، وأول ما وصلت وقف الصوت والنور تمامًا، ورغم رعبي الكبير خبطت على باب القبر الصغير وناديت
(يا دكتور)
(يا دكتور أنت صاحي)
وفجأة سمعت صوت جاي من جوة
(أيوة أنا صاحي)
وقتها جسمي كله اتكهرب، وجريت بسرعة رهيبة وخرجت من المكان كله لحد ما وصلت البيت، قعدت في أوضتي اتنفض وجسمي كله يترعش، مكنتش قادرة أتمالك أعصابي، ساعة كاملة بتنفض، مرعوبة، لحد ما هديت بعد وقت طويل، ولقيت نفسي مش قادرة أقاوم أكتر من كدا ونمت، نمت عشان أشوف حلم غريب أوي، شوفت الدكتور في العيادة واقف وفيه ناس شايلين واحد وبيصرخوا وبيقولوا
(ألحقنا يا دكتور ألحقنا)
وفعلًا بدأ الدكتور والمُساعد بتاعه يشوفوا الميت، وفي الوقت ده جت رسالة للدكتور، كان مكتوب فيها (ابنك تعبان أوي تعالى بسرعة) وفعلًا ساب الميت للمساعد بتاعه ورجع لبيته، وكان المُساعد بدون أي كشف يقول (البقاء لله ادفنوه انهاردة) واتكرر الموضوع تلت مرات ومكنش الدكتور بيبص على الحالة بشكل كامل، مرة تجيله رسالة، مرة حد يتعب تاني ويروح يجري يشوفه، وكان المُساعد بتاعه هو اللي بيقول إن الحالة اتوفت..
لحد ما شوفت الدكتور بيزعق للمساعد في مرة وبيقوله إهمالك وصلنا إن الناس يتدفنوا صاحيين أنا هبلغ عنك، شكلك منتفع من الموضوع، وبعدها شوفت المُساعد بيحقن الدكتور بحقنة غريبة وبيحطه هو وواحد تاني في أوضته، وشوفت المساعد بيرمي السِرنجة في الباسكيت وشوفت الباسكيت بيترمي في مقلب الزبالة اللي ورا المستشفى، وصحيت من النوم بعد موجة الأحلام الغريبة دي..
وتاني يوم لقيت نفسي بروح على الوحدة الصحية ودخلت مقلب الزبالة اللي ورا المستشفى، وبدون وعي لقتني بروح على نفس المكان ولقيت نفس السِرنجة، وكأن فيه دليل بيوصلني لحد هناك، خدتها بحذر في كيس وجريت على عم حسَّان، شافني واستغرب بس لقيت نفسي بحكيله كل حاجة، فتحت الفيديو اللي صورته وفعلًا لقى الجرس بيرن فبدأ فعلًا يصدقني، وروحنا لأهل الدكتور وقولنالهم إن فيه شك إنه اتقتل ولازم يتعمل تحليل للسرنجة دي ويتشاف ايه المحلول اللي كان فيها ويتم اتهام المساعد بقتل الدكتور..
وفعلًا اتقال إن السرنجة كان فيها عقار قاتل استحالة يتم استخدامه في الوحدة، وكان عليها بصمات المُساعد، وتم اتهامه بقتل الدكتور، وفي القسم كل حاجة ظهرت، اللي اتدفنوا صاحيين كانوا 4 من عيلة واحدة بسبب موضوع تار وورث، وكان الاتفاق مع المساعد بالفلوس يطلع تصاريح دفن وكانوا بيتحقنوا بحقنة مخدرة قوية، عشان لو اتكشفوا ميتقالش جريمة قتل، ولو عدت فهما هيموتوا جوة القبر ومحدش هيسمع عنهم..
وكان المساعد بيتفنن عشان يبعد الدكتور يومها ويطلع تصريح الدفن بنفسه، ولما الدكتور كشفه قتل الدكتور فعلًا والدكتور مات، بس وكأن فيه حاجة قررت تكشف الموضوع وفضلت ترن الجرس، الحاجة دي جابتني لحد القبر عشان تتمكن مني وتوريني الحقيقة كاملة، الدكتور فعلًا مات بس سبحان الله تتكشف كل حاجة بسبب الأجراس اللي اتعملت بسبب الجرايم أصلًا، وكأن تدبير القاتل مهما كان مظبوط بيكون هو السبب في كشفه وإن ربك اسمه العدل وكل حاجة لازم تظهر مهما كان، والحمد لله..

تابعونا على صفحه الفيس بوك 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى