أمي الله يرحمها كانت بتشتغل مُغسلة أموات، كانت ست بيطلبوها مخصوص في بلدان كتير من كتر ما كانت متدينة ومؤمنة بقضاء الله وقدره، وياما شافت وحكتلي مواقف تشيب حرفيا، كانت بتعرف حُسن الخاتمة من سوء الخاتمة، تعرف مين كان بيتكلم في أعراض الناس ومين كان بيذكر الله ليل نهار، شافت جثث بتتحرك وجثث بتتكلم، وكانت دايما متماسكة، وعلى لسانها جملة واحدة بس:
“ادعوا للميت لأنه احوج ما يكون للدعاء دلوقتي”
وكانت دايما بتحفظ سر الميت ومتحكيش عن اللي حصل إلا لأقرب الأقربين، واكتر حكاية حكتهالي وأثرت فيا أوي عن بنت كانت بتغسلها عندها عشرين سنة تقريبا كانت ماتت في حادثة وكانت حرفيا مش عارفة تشيل البنطلون الجينز من عليها، ولا بالمقص ولا بأي حاجة، وفي النهاية اضطروا انهم يكفنوها بالبلوزة والبنطلون الضيق، وكانت بتحكيلي الحكاية دي عشان تعرفني ان اكبر كارثة ممكن تعملها البنت في حق نفسها انها تلبس لبس فاضح يكشف جسمها..
لحد ما كبرت شوية شوية ولقيت نفسي عاوزة أورث الشغلانة، الشغلانة اللي بتعلمك تتعظ وتبعد عن أغلب الحرام في حياتك، بس بعد وفاة أمي مقدرتش أكسب ثقة الناس زي ما كانت أمي كسباها، وقليل أوي لما كانوا بيطلبوني وحسيت إني مش هلاقي نفسي في الشغلانة دي، لحد ما اقترح عليا حد اشتغل في المستشفى العام، موظفة بمرتب ثابت وهمارس الشغلانة اللي انا لاقية نفسي فيها، وفعلا قدمت في المستشفى العام واختبروني أكتر من مرة وخدوا رأي المغسلة القديمة وقالت اني خبرة وهنفع في الشغلانة الحساسة دي..
كنت بشتغل تلت ايام لمدة ٢٤ ساعة في المستشفى وأريح تلت أيام في البيت، بنبدل انا وزميلتي اللي كانت اقدم مني بمراحل، وطبعا طبيعة الشغل تغسيل اي مريضة تموت في المستشفى وتكفينها عشان أهلها ياخدوها على الدفن على طول..
وبصراحة أغلب الحالات كانت سلسة ويمكن مشوفتش أي حاجة غريبة من الحالات اللي كنت بسمع عنها، وكأن أمي كانت بتألف عليا أو حكاياتها مكانتش حقيقية، لحد ما كنت مريحة الساعة ٢ بالليل شوية واتصل بيا موظف الطوارئ وقالي ان فيه بنت ماتت في الطوارئ وجاية تتغسل وهتخرج، استغربت انها جت من الطوارئ على الغسل على طول بدون المشرحة بس اوقات اهل الميت بيبقا ليهم معارف وبيعرفوا يطلعوا الميت بسرعة في الاجراءات، ونقلوا البنت للغُسل. وسألت العاملة لقتها وشوشتني وعرفت ان اخواتها دفعوا كتير عشان تخرج بدون اجراءات كتير، كبرت دماغي وقولت ادخل اشوف شغلي..
كانت جاية مع تلاتة، شابين وبنت، الشابين كانت نظراتهم غريبة وقاسية أوي، والبنت نظراتها كانت زي ما تكون خايفة، تجاهلت كل ده وقررت أدخل أشوف شغلي، اتصلت بالعاملة تساعدني زي ما بتعمل لقتها في الحمام وتعبانة، قولت مش مهم وهغسل انا بنفسي..
البنت كانت مجروحة جرح كبير في دماغها، اني حادثة اللي تعمل جرح كبير زي ده، وفين معاينة الدكتور، عامة اكيد الموظف شاف شغله، حطيت دورق المية جمب رجليها وبدأت امسح بالمية على جسمها، بس الغريب اني وانا بمسح على جسمها رجليها اتحركت وزقت دورق المية وقعته على الأرض..
اترعبت وحسيت انها صاحية، قست نبضات القلب بس مفيش، دي مجرد جثة، مليت الدورق تاني وحطيته المرة دي جمب ايديها، بس قبل ما احط القماشة في المية برضه حركت ايديها وقعت الدورق، تمالكت اعصابي بالعافية وحطيت دورق المية مرة تالتة بعيد عنها، بس الغريب اني كنت بمسح على جسمها بالمية الاقي المية بتمشي على جسمها وتنزل على ترابيزة الغُسل، وكأن الجسم رافض يشرب المية، الدم مبيتمسحش اطلاقا، واللي رعبني اكتر ان خياطة الجرح بدأ ينزل منها دم من تاني.
وقتها رنت في ودني جملة أمي قالتها زمان في موقف مشابه:
– الميت عايز يوصل رسالة
وبدأت افكر ايه اللي يخلي الميتة مش عاوزة تتغسل وتدفن، وبدأت اركز، جرح كبير، فلوس عشان تخرج بدون تقرير، اختها خايفة، اخواتها نظراتهم قاسية، وبدون تفكير كتير طلبت اختها تغسل معايا وسط ذهول اخواتها الشباب، بس اتحججت وقولت عشان تكفن اختها..
وسحبت البنت لجوة وبكل قسوة قولتلها:
– انتي اللي قتلتيها صح
لقتها اتنفضت وبدأت تترعش وتتنفض ومنطقتش، اتأكدت من ظني وقولت:
– انا هبلغ عنك لو معرفتش الحقيقة
وقتها ردت برعب وقالت:
– اقسم بالله هما مش انا
– فهميني كل حاجة عشان حق أختك ميضعش
خدت نفس عميق وقالتلي انهم ورثوا حتة أرض كبيرة هي واختها واخواتها الاتنين، واختي كانت عايزة تبيع وتاخد نصيبها لأنها مريضة وبتحتاج فلوس كتير لعلاجها، بس اخواتي كانوا رافضين تماما لأن الأرض كانت داخلة مباني قريب وسعرها هيتضاعف بعد تلت سنين، بس هي أصرت إصرار غريب وهما هاودوها انهم موافقين، وفي يوم كنا على السطح وشالوها قدام عنيا ورموها قدام عنيا، ومسكوا بنتي الصغيرة وهددوني لو نطقت هيرموها وهيرموني، كتمت رعبي وبلعت لساني ومنطقتش من الرعب.
ونزلوا يجروا يصرخوا على أختهم اللي وقعت من غير قصدها وجريوا بيها على المستشفى وكأنهم خايفين عليها فعلا، وجيت معاهم وبنتي مع واحد صاحبهم قالولي اني مش هاخدها الا لما ندفن وكل حاجة تعدي، وانهارت في البُكا، وقتها لقيت خبط عنيف من اخواتها على الباب بيستعجلونا، فكرت وفكرت وبعدها قلتلهم احنا خلصنا، خاصة انهم كانوا معاهم تصريح خروج..
طلبت منها تخرج لأني هكفن خلاص، وروحت جبت مانيكان جلد من مخزن المستشفى ومليته تراب وكفنته وخليت العاملة تشيله تحطه في عربية الاموات، وركبوا كلهم وخرجوا، وحطيت جثة البنت في مشرحة المستشفى بعد ما خدت بياناتها كلها، وخدت رقم اختها واستنيت يوم كامل، لحد ما رنت عليا وقالت انهم ادوها بنتها ورايحين يدفنوا، ومحدش لاحظ انه مانيكان لأنه كان جلد وحطيت فيه طين ومية مع التراب، موهبة ربنا ادهاني وقتها..
ومسافة ما كلمتني بلغت نقطة شرطة المستشفى بكل حاجة، وبلغوا المديرية اللي بلغت قسم منطقتهم واتقبض على الاخين وتم التحقيق معاهم، واعترفوا، اعترفوا لما اختهم شهدت عليهم، ووقعوا في قفص الاعدام..
وحمدت ربنا اننا قدرنا نرجع حقها، وطلبت من الناس يدعولها، ودعيت لأمي اللي فهمتني اننا لازم نفكر ونعرف ليه الميت مش عاوز يتدفن، هل طالب حقه ولا بسبب المعاصي والذنوب..
تابعونا على صفحتنا الفيس بك