قصص

قصة قصيرة”الصلح خير” للكاتب محمد نجيب الجزار

كتب : حنان محمد

الصلح خير

••• دق الأستاذ جرس الباب مرارا فلم تفتح زوجته ، فأيقن أنها نائمة لتستريح من عناء العمل في البيت طوال النهار من كنس ومسح وطهي للطعام وأعمال لاتنتهي أثناء وجوده في عمله ، دعها تستريح ولاتزعجها ـ هكذا قال في نفسه ـ ثم أخرج كومة مفاتيح من جيبه واستخلص منها مفتاح الشقة وفتح الباب .
… دخل ينادي بصوت خفيض حتى لايؤذي مسامعها أو يزعجها : حبيبتي حبيبتي . سوسو سوسو ، ثم دَلِف إلى حجرة نومها حبيبتي حبيبتي ، فلم يجد أحدا على السرير .

طاف على كل الحجرات يبحث عنها فلم يجد لها أثرا إلا صورها المعلقة على الحائط . وبينما هو كذلك إذ هو بروائح الطعام تنبعث من المطبخ فتغزو أنفه ، والجوع قد أنشب مخالبه في بطنه فازداد شوقا إلى الطعام .
قال في نفسه شكرا ياسوسو ، يبدو أنها قد أعدِّت لي طعاما شهيا ذلك الذي تنبعث رائحته من المطبخ ، أظنه
( محشي مع دجاج مشوي ، بل هو أرز معَمَّر مع الحمام ، لا لا بل هو طاجن من البامية مع اللحم الضاني ، أو ربما كفته مع الكباب )
، يالها من طاهية ماهرة تعرف كيف تنفذ إلى قلبي عن طريق معدتي وتعمل بالمثل القائل [ أقصر طريق إلى قلب زوجكِ هو معدته ] ، إنها حبيبتي وملاك قلبي وتاج رأسي ومقلتاي التي بهما أرى الحُسن في كل شئ ، لله دَرُّكِ ياحبيبتي .
… سأدخل المطبخ لأرى ما لذَّ وطاب من صُنوف الطعام التي تَهُبُّ رائحتها عاتية كأنها رياح الخماسين ، ثم دخل المطبخ وهو يغني كلمات فؤاد المهندس في رمضان ( فين اللحمة المشوية والفَتَّة فين والتَّقْلية ، والسمك البوري اللي انا جايبه…) وما إن توسَّط المطبخ حتى كاد أن يُصعَق من هول المفاجأة ، لم يجد أثرا لطعام ولا شروعا في طعام ولا حتى تجهيزا لطهي طعام ، إن هذه الرياح الخماسينية المحمَّلة بروائح اللذيذ من الطعام التي تهُبُّ عليه وتخترق أنفه قادمة من عند الجيران ، يالَلْجحيم .. أبَعد هذه الأمانِيّ التي منَّيتُ بها نفسي ولعابي الذي كاد يسيل على صدري لاأجد الخبز الجاف ، وأنا العائد من عملي ، المُثقَل بالهموم والأوجاع فضلا عن الجوع الذي ينهش الأحشاء .
.. مازال يخاطر نفسه : ياليتني أطعت أمي أن أشاركها طعامها حينما مرَرْتُ عليها أثناء عودتي من عملي ، لكني رفضت خشية أن أُغضِبَ حبيبة الفؤاد زوجتي وتعللت لأمي بأني شبعان لاأتوق إلى طعام .
ياليتني أطعت أمي وأكلت من لذيذ طعامها ، فالجنة تحت قدمها والطعام اللذيذ فوق مائدتها ، هاأنذا لم أدرك الشرق ولا الغرب ، وعدتُ بخُفَّيْ حُنَيْن ، وضاعت معدتي بين أمي وزوجتي .
… بعد وقت ليس بالطويل دقَّت سوسو جرس الباب دقةً واحدة ثم فتحت ودخلت وهي تنهج بأنفاس زافرة مسموعٌ صوتها ، ولصدرها أزيز كأزيز الطائرة يعلو ويهبط ولايستقر على حال ، حاوَلَتْ أن تبتسم فلم تُطِعها شفتاها ، وقد استقبلها زوجها بأعين حمراء تَقدَح الشَّرَر ، ووجهٍ عابسٍ قمطرير كالحٍ مخيف كأنه وجه عَزرائيل .
… وقبل أن ينطق زوجها بكلمة عاجَلَته بقولها : أنا كنت عند جارتنا الست رباب أصلِحُ بينها وبين زوجها ، لأنها أضاعت يومها في أحضان هاتفها المحمول بين المكالمات والإنترنت ولم تطبخ طعاما لزوجها الذي عاد لتوِّه من عمله جائعا ..
.. أليس الصلح خيرا ياحبيبي ؟
فإياك إياك أن تفعل مثله وتضرب .

تابعونا علي صفحة الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى