رواياتقصص

ولادة شيطانــية….ولادة شيطانــية

بقلم: أحمد محمود شرقاوي

أنا ولدت ابني الصغير في الحمام, وبالأخص في البانيو, ومهما حكيت وقولت عن الليلة دي مش هقدر أوصف كمية الرعب والعذاب اللي عيشته فيها, وكأنها كانت ليلة من ليالي الجحيم, ليلة بتمهد لحاجة أسوأ الف مرة, بتمهد للموت, الموت الأزلي..
يومها كنت في الشهر التاسع وعلى وش الولادة زي ما بيقولوا, وجوزي كان مسافر ومش هيعرف ينزل بس كان بيتابع معايا دايما وكل أهله واقفين معايا, اتحجزت يومين كاملين في المستشفى بس الولادة اتأخرت, وقررنا نرجع للبيت يومين بس, رجعت على البيت وكان الألم بتاع الولادة هادي نوعا ما طلبت من اخوات جوزي يروحوا وانا هكلمهم لو تعبت, ومسافة ما غيرت هدومي ودخلت الحمام بدأ الألم, الجحيم, ألم وصل لمرحلة إن صوتي وقف في حلقي ومخرجش, وعنيا جحظت مكانها وقلبي بقا بيدق بهيستريا شديدة, قعدت في البانيو وشوفت كل أنواع الألم اللي في الدنيا, شوفت النار, والعذاب, شوفت الموت بوشه الحقيقي, وبدأت عملية الولادة بالفعل, جوة البانيو وفي قلب الحمام..
وقتها كنت قادرة اتألم, وخرج صوتي, بس كان ضعيف, صرخات صداها بيتردد في الحمام وبس, حاولت مرة واتنين بس الولادة كانت صعبة, صعبة جدا, متعسرة, والجنين واقف عند عُنق الرحم مبينزلش, وشهقت مرة واتنين وانا حاسة إن روحي هتخرج من مكانها, شوية ووسط الألم العظيم ده شوفت طفل صغير أوي, مش ظاهر منه ملامح, قرب من البانيو بتاع الحمام وسحب ابني, سحبه بقوة عشان أصرخ صرخة رهيبة وأقع في غيبوبة بعدها..
الجيران سمعوا الصرخة, وكسروا الباب, وشافوا المشهد الرهيب, الرجالة بعدوا وفيه أكتر من ست تولوا الموضوع, غسلوني انا وابني وشالوني وحطوني في السرير, ودكتور جه من المنطقة واتطمن عليا واتصلوا بأهل جوزي, والولادة تمت, تمت رغم الجحيم اللي شوفته فيها..
بس ابني مكانش طبيعي من يوم الولادة, مكنش طبيعي إطلاقا, ابني تقريبا مكانش بيبكي أبدا, حتى لو سبته يوم كامل من غير ما أرضعه, وكان دايما بيلعب مع كيان غير مرئي, ويفضل يتهز ويضحك ويبص ناحية الفراغ, كل ده كان بيولد جوايا خوف غريب, وشعور بعدم الأمان, كلمت جوزي ينزل أجازة بس مكنش ينفع انه ينزل إطلاقا..
وفضلت لوحدي, مع المواقف العجيبة دي, لحد ما في ليلة كنت برضعه وانا ممددة على السرير وغفلت من كتر التعب, غفلت يمكن لحظات بس, ولما فتحت لقيت ابني وطفل صغير والاتنين بيرضعوا مني, بصيت للطفل التاني بفزع, كان كبير, ومع ذلك بيرضع بطريقة مخيفة, ومسافة ما شوفته بص ناحيتي بعيون مجوفة, فاضية وقال:
“أنا مشبعتش منك خالص”
وشهقت, شهقت شهقة رهيبة وفتحت عيني, كان مجرد حلم, بس حلم واقعي ومُخيف, مخيف بطريقة رهيبة, ببص ناحية ابني الصغير لقيت عنيه مفتوحة وباصص ناحيتي بثبات, كانت نظرته غريبة, ومُخيفة, وكأنه شايف أفكاري من جوة, بعدته عني لأن البصة كانت بترعبني, وكمل رضاعة زي ما هو, رنيت على جوزي بس كان قافل النت للأسف, حطيت ابني في السرير وقعدت في الصالة أشرب القهوة وانا حاسة بإرهاق ورعب غريب..
ووسط سرحاني لمحت طفل صغير بيزحف ودخل الحمام في لحظة واحدة, جسمي كله اتكهرب, دخلت الأوضة أبص على ابني ملقتوش مكانه, من امتا طفل عنده اسابيع هيعرف يتحرك من مكانه وينزل من على السرير, وقبل ما أخد قرار سمعت صوت بكاء خفيف أوي جاي من الحمام, وجالي اليقين إن فيه مُصيبة هتحصل, وان أيامي هتكون معدودة في الشقة دي للأسف, اتحركت ناحية الحمام, واحدة واحدة لحد ما فتحت الباب وانا قلبي خلاص هيقف, وفي قلب البانيو كان ابني الصغير قاعد وفيه طفل بيلاعبه ومديني ضهره, وأول ما فتحت النور بص ناحيتي, بنفس العيون المجوفة, وقفت قدامه مشلولة, مش قادرة أنطق, وبآخر ما اتبقى من طاقتي كلمته وقولت:
– انت مين
ابتسم, ابتسم ابتسامة شيطان وقال:
– انا بلعب معاه بس, مش هو زي أخويا, ولا, ولا نقول أخويا
ومقدرتش أسمع نص كلمة تانية لأني وقعت من طولي, ولما صحيت كان ابني رجع السرير من تاني, ومفيش أي حاجة تدل إن فيه شيء غريب, وقعدت في الصالة أدخن سيجارة, رغم إني بطلت العادة دي من زمان, بس خلاص مبقتش فارقة, معقولة, معقولة يكون ده جزاء ذنب قديم عملته في حياتي, ذنب عملته وندمت عليه مليون مرة..
اتصلت بيه وقبل ما أحكي أي حاجة بدأ يشتم ويزعق ويقول:
– أنا مش قولتلك أنا راجل متجوز دلوقتي, وإياك تكلميني تاني وإلا هفضحك
وقفل السكة في وشي, قفلها تماما, وقعدت مكاني أبكي, أبكي بهيستريا شديدة, وفجأة ووسط البكاء ده حسيت بحد بيحط ايده على شعري, بصيت بفزع لقيته نفس الطفل, ولقيته بيهمس في ودني وبيقول:
– أنا واخويا عاوزين نرضع يالا تعالي
وجري على أوضة أخوه الصغير, جريت وراه وانا مرعوبة لقيته نزل تحت السرير, كان واضح انه مش هيمشي, وانه هيفضل معانا لحد ما ينفذ حاجة في دماغه, خدت ابني بسرعة وخرجت من الأوضة وقفلت الباب بتاعها, وقعدت أرضع ابني في الصالة, ومن جوة الحمام بدأت اسمع صوت المية بتشتغل, حطيت ابني بسرعة على الكنبة وقربت من الحمام برعب وفتحت الباب, ولقيت ابني اللي لسة حطاه على الكنبة جوة البانيو, بيستحمى, ومعاه نفس الطفل المُخيف..
بس المرة دي كان بيغرق ابني, بيغرقه في البانيو, صرخت, صرخت بهستريا وهجمت عليه, وبدأت أغرق فيه هو, وكل ما كنت بغرقه كان بيضحك, يضحك أوي, واتكسر باب الشقة من صوت صريخي ودخل الجيران, دخلوا عشان يشوفوا مشهد واحد بس, شافوني وانا بغرق ابني الصغير, الطفل, وعلى ما لحقوني كان ابني غرق في المية ومات, كانوا مذهولين, مش مصدقين اني ممكن أغرق ابني, حضنت جثته وبدأت أضحك, أضحك, وقولت جملة واحدة بس:
– انا كدا غرقت الاتنين
وجت الشرطة واتقبض عليا, كنت مُغيبة, تايهة, حولوني على مصحة عقلية, وكنت بحكي حكايتي لكل الناس, بحكيها بيقين لأن كل تفاصيلها حصلت..
“أيام الجامعة حبيت مروان أوي, حبيته أكتر من نفسي, وكنت مستعدة اديله من دمي بس يجي يتقدملي, بس مجاش, ورفضت عريس واتنين وعشرة, وبرضه مروان بيماطل, لحد ما جه جوزي ده يتقدم, وأهلي أجبروني أتجوزه لأني قدامهم كنت خلاص اتكشفت, كلمت مروان واترجيته يجي يتجوزني بس برضه اتحجج بألف حِجة, واتجوزت, بس فضلت على علاقة بمروان, كان حبه بيجري في دمي حرفيا, وعلى أد حبي لمروان على أد ما كرهت جوزي رغم انه معملش أي حاجة وحشة ناحيتي, وكرهته أكتر لما حملت منه وخلفت, كرهته وكرهت ابني أوي, كرهتهم وكرهت بطني اللي شالت الطفل ده, وقتها بس كان مروان جاهز, واتفقت معاه اتطلق ويجي يتقدم, بس رفض لأني معايا طفل, وفي ليلة مجنونة غرقت ابني في البانيو على اساس ان محدش هيكتشف وبعدها أتطلق واتجوز مروان..
وفعلا محدش اكتشف وفاة الطفل, بس مروان لما عرف قاطعني, قاطعني للأبد واتخلى عني, رغم إني قتلت ابني عشانه, وعشت مع جوزي اللي من حزنه بقا بيسافر كتير, وحملت منه للمرة التانية, عشان يشاء ربك أولد في البانيو, نفس المكان اللي غرقت فيه ابني الأول, وتحصل أمور مجنونة, أمور خلتني أفقد عقلي تماما, واتأكد إن جه وقت الحساب, حساب للجريمة الشنيعة اللي عملتها..
أنا حاليا في المصحة ولادي الاتنين الغرقانين بينادوني كل ليلة, عاوزين ياخدوني معاهم, بشوفهم في كل لحظة, وحاسة إني قريب هكون معاهم, بس قبل ما أروح عاوزة أوصل رسالة, رسالة لكل بنت..
“الراجل اللي يتسمى راجل ده اللي بيجي يخبط على باب البيت, ده اللي يستحق حبك واحترامك وتعيشي بين ايديه للأبد, إنما الراجل اللي يعرفك برة بيتك ولو يوم واحد ده مينفعش تثقي فيه, ولا تحبيه, ولا تكلميه بنص كلمة, ربنا خلقنا غاليين, بس احنا للأسف بنرخص نفسنا, وكل علاقة حرام بتكون نهايتها من أسوأ ما يكون, وانا سبت اللي اشتراني من بيت ابويا وجريت ورا اللي كان بيلعب بيا, فكانت النهاية, عارفين ايه النهاية, هتعرفوها بكرة في جريدة الحوادث..
“انتحار امرأة بقطع شرايينها في مصحة الأمراض النفسية والعقلية, وتحقيقات كبيرة لمعرفة سبب الإهمال الذي تسبب في دخول أداة حادة بداخل أروقة المصحة”
(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)
تابعونا علي صفحة الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى