قصص

الشــــيــخ أبــو المــــكــارم……الشــــيــخ أبــو المــــكــارم

بقلم/ أحمد محمود شرقاوي

أنا جوزي مات، مات وماتت معاه ألف حاجة حلوة، مات وسابني في شقة طويلة عريضة لوحدي، مات قبل ما أفرحه بالولد اللي كان نفسه فيه، مات الراجل اللي حبيته لمدة تلت سنين كاملين، يارب صبرًا”..
كتبت البوست ده على الفيس بوك وأنا مقهورة، حزينة حزن السنين، ببكي بدل الدموع دم، انهالت عليا التعليقات من
الأحباب عشان تواسيني، بس فين اللي يقدر يواسي واحدة ست فقدت نور عنيها، فقدت سندها وقوتها في الحياة..
في اليوم ده لقينا باب الشقة بيخبط، كنت انا وحماتي قاعدين بنتسند على بعض، هي فقدت ابنها وأنا فقدت حبيبي، كان طارق صاحب أحمد جوزي، لقيناه داخل وجايب معاه أكل جاهز، باس على راس حماتي وخدها في حضنه، كنت عارفة إنه أقرب شخص لجوزي، بل ممكن تقول كانوا بيحبوا بعض أكتر من الأخوات..
أقسم طارق علينا إننا لازم ناكل لأننا مكلناش حاجة طول اليومين اللي فاتوا، بل كان بيأكل حماتي بنفسه وبيحاول يخرجها من مود الحزن اللي هي فيه، فعلًا جوزي كان راجل ويستحق إن أصحابه يكونوا رجالة، طلع من جيبه مبلغ كبير ومسبش حماتي غير لما أداها الفلوس، وسابلنا رقم نتواصل معاه عليه لو احتجنا أي حاجة منه..
فضلت حماتي تدعيله كتير أوي لحد ما خرج وسابنا، وفضلنا أنا وحماتي نواسي بعض طول الليلة دي، مع شروق الشمس جت أخت جوزي وخدت أمها عشان تقعد معاها في بيتها، وعلى المغرب كنت لوحدي في الشقة، لوحدي مع حزني ومآساتي الحقيقية..
على الساعة اتناشر بالليل كنت في سريري بحاول أنام، فتحت النت شوية وفضلت أتصفح أي حاجة وخلاص، بعد شوية لقيت النت فصل، بصيت للراوتر لقيته قافل، أعتقد إن النور قطع، أحسن خليني أنام شوية..
بس اللي خلى جسمي كله يتنفض إني سمعت صوت مفاتيح بتتحط في باب الشقة، بصيت في الساعة لقيتها اتناشر ونصف، نفس وقت رجوع جوزي من الشغل، نفس صوت مفاتيحه، نفس فتحة الباب..
بس جوزي مات وأدفن خلاص؟!
شعري كله شاب وقلبي كان بيدق بعنف، خرجت على أطراف صوابعي في الضلمة وأنا ببص بحذر ورعب ناحية الصالة، مفيش أي حاجة، الباب مقفول وكل حاجة طبيعية خالص، خدت نفسي بعمق وعرفت إني كنت بتخيل، لفيت وشي عشان أرجع و.. وصرخت بأعلى صوتي وأنا ببص برعب ورايا..
كان فيه واحد متكفن كله ومش ظاهر منه غير عينيه، عينيه كانت بيضا زي الثلج، وكان ماسك في إيده عصاية غليظة، وقبل ما أصرخ تاني لقيته نزل على جسمي بالعصاية، العصاية كانت زي السوط المشتعل بالنار، نزلت على جسمي خلته يتلوى زي الثعبان من النار اللي مسكت فيه..
وصرخت، صرخت بكل ألم ورعب الدنيا وجريت، جريت في الضلمة عشان أقع على وشي ومناخيري تنزف دم، بس هو مرحمنيش ونزل بالعصاية تاني على جسمي، وبدأت اتلوى واحك جسمي في الأرض من كمية الألم والنار اللي مسكت فيه، وقمت، قمت وجريت ناحية الأوضة وقفلت عليا الباب، قفلته عشان أسمع ضربات عنيفة على الباب، ضربات عنيفة جدًا وبعدها تقف تمامًا..
وقعت على الأرض وأنا ببكي وبتألم، ببكي بحرقة من النار اللي ماسكة في جسمي، النور جه في الوقت ده، قلعت هدومي وبصيت على جسمي عشان أصرخ أكتر، كانت مناخيري بتنزف دم وكتفي أزرق شاحب من قوة الضربة اللي نزلت عليه، جسمي كان شكله رهيب، مخيف..
وقعت على الأرض تاني وفضلت مرمية لحد تاني يوم الصبح، ومع شروق الشمس نزلت على أقرب مستشفى أعالج الكدمات اللي في جسمي، خرجت في الشارع، مليش حد أروح عنده، حماتي سافرت مع بنتها، وأخواتي كل واحد في وادي ومحدش هيقف جمبي، كنت ببكي بحرقة وأنا ماشية في الشارع هتجنن، مش عارفة أروح فين وأجي منين..
ومع آذان العصر كنت قدام شقتي من تاني، بحاول أوهم نفسي إن كل ده مكنش حقيقي، دخلت شقتي فتشتها حتة حتة ومكنش فيه حاجة، قفلت باب الشقة بالقفل ودخلت أوضتي وقفلت عليا الباب بالمفتاح..
واستنيت، استنيت كتير جدًا بس ملقتش أي حاجة غريبة يمكن فعلًا كنت بتخيل وأنا اللي وقعت وتسببت لنفسي بكل ده، يمكن، بس لما جت الساعة اتناشر ونصف سمعت نفس الصوت، نفس المفتاح بيدخل في الباب..
انكمشت في سريري وأنا بترعش زي المعاقين، جسمي كله اتخشب مكانه، فضلت أسمع صوت الخطوات اللي ماشية في الشقة لحد ما وقفت تمامًا، أنا تقريبًا اتجننت، اتجننت، وقطع نور الشقة من تاني، ووقع قلبي بين ايديا، لحظات وشوفت نفس العينين البيضا قدام سريري، و….
وقبل ما أصرخ كانت العصاية نازلة على رجلي، وصرخ جسمي كله من الوجع، وقلبي من الرعب، وعقلي من الجنون..
ااااااااااااااااااااااه
ااااااااااااااااااااااه
“الرحمة، الرحمة”
ولما قولتها لقيته وقف ثابت تمامًا، وبصوت أجش، خشن، صارم سمعته بيقول
“تروحي بكرة القسم وتقوليلهم جوزي بيضربني كل يوم”
ذُهلت من الطلب اللي طلبه بس بكل لهفة قولتله:
“حاضر، حاضر”
واختفى في لحظة ورجع النور من تاني، رجع عشان أحس إن رجلي اتكسرت ميت حتة، عضمها بيصرخ بألم فظيع، رهيب، وتاني يوم خرجت على عكاز أمشي في الشوارع زي المجنونة، هروح القسم أقولهم أيه بس، فضلت طول النهار ماشية في الشوارع لحد ما جه الليل، طلعت الفلوس اللي معايا وروحت أجرت أوضة في لوكاندة..
بس ده ممنعوش، ممنعوش إنه يجي الساعة اتناشر ونصف، كان غضبان، غضبان جدًا جدًا، واتلمت اللوكاندة كلها على صوت صرخاتي وكسروا عليا الباب عشان يلاقوني سايحة في دمي وعمالة أصرخ
“هروح، هروح والله”
تاني يوم كنت بخيط جرح كبير في راسي وعازمة إني أنفذ اللي اتقال كله، بس قبل ما أروح القسم اتصلت برقم، اتصلت وقولت:
-ألو
-وسمعت سب وصياح خلاني أصرخ في قلب الشارع بالتهديد والوعيد..
الشــــيــخ أبــو المــــكــارم
روحت القسم ودخلت للظابط وأنا ببكي، كان شكلي مثير للشفقة وجسمي كله جروح، اشتكيتله إن جوزي بيضربني، بس لما عرف إنه ميت حاول يطردني، وجريت زي المجنونة بصرخ في القسم، جريت على غرفة المأمور وأنا بصرخ، ومن ورايا القسم كله بيجري بظباطه وعساكره..
دخلت أوضة المأمور اللي تفهم الأمر وقعدني واحتواني، حكيتله كل حاجة وأنا هبوس ايده خلاص، استوعب الأمر وطلب مني أرجع شقتي وإنه هيوكل اتنين مخبرين على باب عمارتي عشان محدش يجيلي وإني هبقا في أمان..
وبالفعل روحت شقتي وأنا بترعش، بترعش من الرعب والوجع، وعلى باب العمارة اللي مفيهاش غير شقتي ساكنة وقف اتنين مخبرين متخفيين، وعلى الساعة اتناشر ونصف لقيت حد بيحاول يفتح باب الشقة بقوة، انكمشت أكتر وأكتر عشان أسمع صوت الباب وهو بيتفتح بعنف، وقفت ورا الباب أراقب اللي دخل عشان أشوف حد ماسك سكينة وداخل بحذر..
وشافني، شافني وهجم عليا، كان لابس ماسك مُخيف، ووقعت، وقعت عشان يجري عليا ويرفع سلاحه، وصرخت، صرخت بكل ما أملك من قوة، وبكل ذهول بصيت لقيت اتنين ماسكين المجرم ومكتفينه ورافعين عليه السلاح، وواحد منهم شال الماسك عنه عشان أصرخ بكل صدمة الكون..
طااااااااااارق؟!
في النيابة:
هذا وبعد إن اعترف كل من ناهد أبو العلا وطارق محمود محمد بالواقعة، حيث اتضح أن القتيل أحمد أدهم أبو المكارم قد مات بسبب أزمة قلبية حادة لأنه شاهد زوجته ناهد في وضع مخل مع صديقه طارق في غرفة نومه وعلى فراشه، وهذا وقد حاول المدعو طارق قتل ناهد وقد تم القبض عليه متلبسًا وقد قررنا نحن نيابة مدينة نصر الآتي، إحالة أوراق المتهمين إلى المحكمة للحكم عليهما في تلك القضية رقم 6750..
الشــــيــخ أبــو المــــكــارم
وكيل النيابة بيمسك موبايله، بيستنى شوية ويتكلم:
– ألو..
– حبيبي اللي ناسيني كنت محتاجك في استشارة..
– اتفضل..
– هو ممكن حد مات يرجع من موته ويضرب اللي قتله..
– صعب أوي ده وبيحصل في حالات نادرة جدًا، أحكيلي تفاصيل..
– عندي قضية غريبة، زوجة خانت زوجها مع صاحبه والعجيب إن الزوج رجع من موته وكان بيضرب الزوجة وصاحبه، بل وأجبر الزوجة تروح القسم وأجبر صديقه يروح يقتل زوجته لأنها كلمته في التلفون وهددته إنها هتعترف بس هو كان قايلها متتصلش بيه خالص الأيام دي، عشان نمسكهم الاتنين في وضع تلبس ويعترفوا بالواقعة..
– اسمه أيه الزوج؟؟
– أحمد أدهم أبو المكارم..
– أنت بتهزر؟!
– مش فاهم..
– تقصد الشيخ أحمد أبو المكارم؟؟
– هما كانوا بيقولوا إنه كان بيعالج بكتاب الله..
– ده أشهر راجل في مصر القديمة بيعالج في جامع الدسوقي بكتاب الله..
وسمعنا إنه مات بأزمة قلبية بس منعرفش التفاصيل، الشيخ من كتر قربه من ربنا كان موكل له جن صالح يساعده في كل أعماله، الشيخ كان بيخلص شغله ويروح المسجد يعالج لوجه الله وبس، واللي حصل ده ملوش غير تفسير واحد، اللي ضرب الزوجة وعشيقها هو جن من خدام الشيخ، جن صالح ربنا وكله يساعد الشيخ، وبعد موت الشيخ الجن وقعهم في بعض عشان يجيب حق الشيخ..
– طيب طالما هو شيخ واصل كدا، ازاي مراته تخونه وهو ميعرفش ده..
-هي الزوجة اعترفت إنها خانته كام مرة؟
– مرة واحدة اللي شافهم فيها والغريب إنه كان مسافر يعالج حد ورجع قبل ميعاده..
– أديك قولت أهو الشيخ رجع والله أعلم بسبب إن حد قاله إن فيه حاجة غلط في بيته، بس أنت قولتلي صاحب الشيخ راح يقتل مراته صح؟؟
– أيوة صاحبه ده كان مضروب علقة موت وبيقول إن الزوج أجبره يروح يقتلها في الوقت ده بعد ما كلمته يومها وهددته إنها هتحكي كل حاجة لو مساعدهاش..
– أنا بقول تشغلوا الجن ده معاكوا في النيابة يا باشا..
– أنا بقول كدا برضه يا شيخ عبدالله..
– الله يرحمك ياشيخ أبو المكارم..
……………

تابعونا على صفحتنا على الفيس بك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى